لم يفضِ الاجتماع المعلن بين زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر وقائد "فيلق القدس" الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني، ليلة أمس الأول الثلاثاء، عن أي نتائج حاسمة. وتحدثت ثلاثة مصادر سياسية رفيعة في بغداد والنجف، أحدها عضو في التيار الصدري، عن تمسك الصدر بخيار "حكومة الأغلبية الوطنية"، مع ترحيبه بجميع قوى "الإطار التنسيقي"، باستثناء رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
وما زال الصدر يرفض وجود المالكي في المشهد الحكومي المقبل، محمّلاً إياه مسؤولية الانهيار الأمني والفساد الذي شهدته البلاد خلال العامين الآخرين من فترة حكمه التي امتدت لأكثر من ثماني سنوات (2006 ـ 2014).
الصدر يصرّ على حكومة أغلبية
وتدخل أزمة تشكيل الحكومة الجديدة شهرها الثالث منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية في 30 نوفمبر/ تشرين الماضي، ويصرّ الصدر على تشكيل حكومة أغلبية، رافضاً إشراك المالكي فيها. في المقابل، يرفض "الإطار التنسيقي" الذي يضم القوى السياسية العراقية الحليفة لطهران التخلي عن المالكي، مصراً على إشراكه أو التوجّه نحو خيار المعارضة.
وعلى الرغم من إعلان مكتب الصدر في بيان رسمي، عن استقبال الأخير لقاآني في منزله ببلدة الحنانة في النجف، إلا أن أي بيان لم يصدر حيال ما دار في الاجتماع أو مطالب قاآني. وغادر الأخير النجف عائداً إلى بغداد بعد انتهاء الاجتماع، وفقاً لمسؤولين عراقيين، أكدوا أنه عاد بطائرة خاصة.
وعقب انتهاء الاجتماع، جدد الصدر تأكيد مشروعه السياسي عبر نشر ورقة على "تويتر" كتب فيها بخط يده "لا شرقية ولا غربية"، وهو الشعار الذي رفعه منذ منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عقب إعلان نتائج الانتخابات الأولية، في إشارة إلى رفض أي تدخّل إيراني أو أميركي، مكرراً عبارة "حكومة أغلبية وطنية".
وتواصلت "العربي الجديد" مع مسؤولين سياسيين في بغداد والنجف لتقصي نتائج الاجتماع المغلق في النجف، والذي تشير المعلومات المتوفرة إلى أنه جرى بحضور رئيس الكتلة النيابية للتيار الصدري حسن العذاري، واستمر لأكثر من ساعتين.
عضو في التيار الصدري: قاآني أبلغ الصدر بخطورة إضعاف وحدة البيت السياسي الشيعي
وقال عضو في التيار الصدري في مدينة النجف، طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب قرار حزبي بمنع المسؤولين في التيار من التحدث للإعلام، إن قاآني "نقل وجهة نظر إيران في الأزمة السياسية الحالية للصدر".
وأضاف المصدر، الذي ينقل معلوماته عن مصادر في المكتب الخاص للصدر، أن قاآني "أبلغ الصدر بخطورة إضعاف وحدة البيت السياسي الشيعي، وضرورة دخول كل القوى السياسية الشيعية في الحكومة من دون إقصاء لأي طرف".
ولفت في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن الإيرانيين حمّلوا الصدر مسؤولية توجّهه الحالي في إقصاء قوى سياسية شيعية بعينها، وأن "عواقب كبيرة ستترتب على ذلك، وتقع على الصدر مسؤوليتها".
وتحدث المصدر عن تجديد الصدر موقفه من رفض مشاركة نوري المالكي أو تحالفه "دولة القانون" في الحكومة، مع الترحيب بالقوى السياسية الأخرى.
من جهته، تحدث مصدر آخر في بغداد، لـ"العربي الجديد"، عن إيصال المسؤول الإيراني رسالة شفهية من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، تتحدث عن "حرمة شق وحدة البيت السياسي الشيعي وأهمية الوحدة".
لكن ذلك لم تؤكده أي من المصادر القريبة من الصدر في مدينة النجف، وقال أحدها لـ"العربي الجديد"، إن "الاجتماع كان مغلقاً وجرى في مكتب الصدر الشخصي، وأغلب ما يتم تداوله بشأن اللقاء غير صحيح، ويجري تسريبه بتعمّد من قبل الطرف الآخر الذي يتولى قاآني التفاوض عنه"، في إشارة إلى تحالف "الإطار التنسيقي".
"الإطار التنسيقي" يحسم قراره قريباً
أما القيادي في "الإطار التنسيقي" علي الفتلاوي، فأكد أن اجتماع قاآني مع الصدر "لم يحقق جديداً"، وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "لم يحصل خلال اللقاء أي اتفاق حول الأزمة الحالية. الصدر مُصرّ على مشروعه (حكومة أغلبية) وإقصاء أطراف سياسية شيعية معينة منها للأسف".
الفتلاوي: الإطار التنسيقي سيحسم خلال يومين خياره إما الذهاب نحو المعارضة أو مشاركة كل قواه بتشكيل حكومة
وتابع الفتلاوي: "حسب ما تسرب لنا، فإنه خلال الاجتماع كشف قاآني معطيات للصدر تحذره من وجود مخططات خارجية خطيرة في عملية تشكيل الحكومة الجديدة، لكن مع ذلك لا جديد حتى الآن يذكر من هذا الاجتماع"، وأعلن أن "الإطار التنسيقي سيحسم خلال اليومين المقبلين خياره إما الذهاب نحو المعارضة أو ذهاب كل قوى الإطار مع الكتلة الصدرية بتشكيل حكومة، ولا خيار ثالثاً".
وختم بالقول "الحاج قاآني ما زال موجوداً في العراق ويجري حوارات مع القوى السياسية للوصول إلى حلول ترضي كل الأطراف السياسية، وهذه الاجتماعات لن تقتصر على القوى الشيعية، بل ستشمل السنّية والكردية، وتتعلق بأهمية عدم المساهمة في تفكيك البيت السياسي الشيعي".
من جهته، قال السياسي العراقي المقرب من التيار الصدري مناف الموسوي، لـ"العربي الجديد"، إن "الاجتماع بين الصدر وقاآني كان واضحاً وصريحاً حسب ما تسرب إلينا"، مضيفاً أن "الصدر رفض الضغوط الإيرانية وأكد مضيه في مشروع حكومة الأغلبية الوطنية".
ولفت الموسوي إلى أن الصدر "مستعد للذهاب إلى خيار المعارضة، مقابل عدم التراجع عن مشروع حكومة الأغلبية، وهذا الأمر أبلغه بشكل مباشر لقادة الإطار التنسيقي سابقاً، ولقاآني خلال لقاء الثلاثاء"، وأشار إلى وجود ضغوط متواصلة على الصدريين من إيران وقوى "الإطار التنسيقي"، واصفاً إياها بأنها "لإفشال خيار حكومة أغلبية وطنية".
وتعليقاً على هذه التطورات، رأى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن وجود قاآني على رأس مفاوضات تشكيل الحكومة، "يبيّن مدى قلق إيران من الأزمة السياسية في العراق".
وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "وجود قاآني في مفاوضات التقريب بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، يؤشر إلى انسداد المفاوضات بين الطرفين، ولهذا تدخّل قاآني وبات يتحدث مع الصدر نيابة عن قوى الإطار التنسيقي".
وتابع الشمري: "لا نتوقع أن يخضع الصدر للضغط الإيراني، خصوصاً أن موقف الصدر بات واضحاً ومعلناً من خلال تغريدته بعد الاجتماع مع قاآني، التي أكد فيها على حكومة الأغلبية ورفض أي تدخلات خارجية بعملية تشكيل الحكومة الجديدة"، معتبراً أن "موافقة الصدر على إشراك كل قوى الإطار التنسيقي في الحكومة الجديدة، أمر ما زال بعيداً".
وتوقع أن "يطول حل الأزمة وأن يتأخر تشكيل الحكومة الجديدة، مع إصرار الصدر على حكومة الأغلبية وإصرار إيران على مشاركة كل حلفائها في الحكومة الجديدة، وعدم القبول بإشراك جزء من هؤلاء الحلفاء".