العراق: مبدأ الأغلبية بتمرير القوانين يبتلع التوافقات السياسية

17 نوفمبر 2020
اعتمد سابقاً مبدأ التوافق لتمرير القوانين في البرلمان (الأناضول)
+ الخط -

أثار اعتماد مبدأ الأغلبية العددية بتمرير بعض القوانين المثيرة للجدل في البرلمان العراقي، مخاوف بعض القوى السياسية، التي عدّته تهديداً لمسألة التوافقات بين الكتل، التي قامت عليها العملية السياسية في العراق بعد العام 2003، وتعدّ أساساً لعمل البرلمان ودوره التشريعي، وتضمن الابتعاد عن لغة التهميش والأقلية والأكثرية. 
ولم يكن تمرير قانون الاقتراض، الذي مرره البرلمان الأسبوع الماضي، رغم انسحاب الكتل الكردية، الأول في هذا السياق، إذ سبقه تمرير التصويت على فقرة الدوائر المتعددة ضمن قانون الانتخابات الجديد، ومن قبلها منح الثقة لعدد من وزراء حكومة مصطفى الكاظمي رغم رفض عدة كتل. كما تم التصويت على قانون يُلزم الحكومة بإخراج القوات الأميركية من العراق، بعد قتل واشنطن، مطلع العام الحالي، زعيم "فيلق القدس" قاسم سليماني قرب مطار بغداد.

برواري: التوجه نحو فرض الإرادة عن طريق الأغلبية في البرلمان يضعف الكيان الاتحادي للدولة

وبدت الكتل الكردية أكثر القوى اعتراضاً على مبدأ الأغلبية العددية، محذرة من تداعياته على مستقبل البلاد، كونه يمهد للتفرد بالقرار في أعلى سلطة تشريعية، ويفرض إرادة مكون على المكونات الأخرى. وقال النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ديار برواري، لـ"العربي الجديد": "يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار، خلال تمرير القوانين، اعتراض المكونات باعتبارها شريكاً أساسياً في البلاد، وألا يتم تهميشها، وأن تكون شريكاً أساسياً بإصدار القرارات وتنفيذها، وتحمل مسؤولية إدارة البلد بشكل عام". واعتبر أن "التوجه نحو فرض الإرادة عن طريق الأغلبية العددية في البرلمان، من أجل تمرير أجندات من دون مراعاة المكونات الأساسية الأخرى، يضعف الكيان الاتحادي للدولة العراقية". 
وأكد أن "ما يتصف به العراق كبلد، هو تعدد الأديان والطوائف والقوميات، وأن عدم مراعاتهم باتخاذ القرارات والقوانين وتهميش دورهم بتمرير القرارات والقوانين لا يخدم بناء الدولة العراقية الحديثة، التي نطمح ببنائها". ولفت إلى أن "هناك رؤية لدى القوى السياسية، تشكلت بعد تحرير العراق، وهي أن الكل مُلزم ببناء الوطن بشكل أفضل. إلا أن موضوع استلام السلطة وإدارتها جعل جهات مصدر القرار تحاول ضرب موضوع مشاركة الجميع بعرض الحائط، والدفع بأن تكون هناك قيادة مركزية تتحكم بجميع مفاصل الدولة". وشدد على أن "هذا التوجه يتطلب قوة سياسية، وإجماعاً، وتكوين كتل سياسية تستطيع تمرير قرارات بشكل منفرد من دون الرجوع للقوى الأخرى".

أما كتلة التغيير الكردية فقد حذرت، من جهتها، من التعامل وفق هذا المبدأ الذي "لا ينسجم مع مبادئ العيش المشترك". وقال النائب عن الكتلة يوسف محمد إن "اعتماد معيار الأغلبية والأقلية بتمرير القوانين في البرلمان، لا ينسجم مع المبادئ الأساسية للنظام الفيدرالي والعيش المشترك". وأكد، في بيان، أن "السلطات في إقليم كردستان تمارس الكثير من الأخطاء، ولا تلتزم بالاتفاقيات التي تُبرمها مع الحكومة الاتحادية. لكن مع ذلك لا يمكن معاقبة الموظفين بسبب الانتهاكات القانونية للسلطة هناك". ودعا إلى "التوجه نحو محاربة الفساد المستشري، واستعادة الأموال التي نهبت وهربت إلى الخارج من قبل الفاسدين والمتسلطين في الحكومتين (بغداد وأربيل) على حد سواء، والابتعاد عن لغة الغالب والمغلوب والتخندق القومي والطائفي".

جبهة الإنقاذ والتنمية: الأصل في عمل البرلمان هو التوافق السياسي بتمرير القوانين

في المقابل، عدت قوى سياسية المبدأ "غير متعارض" مع الدستور والقانون، لكنها دعت إلى أن لا ينهي المبدأ التوافقات السياسية. وقال المتحدث باسم جبهة الإنقاذ والتنمية، النائب السابق عبد الكريم عبطان، لـ"العربي الجديد"، إن "الأصل في عمل البرلمان هو التوافق السياسي بتمرير القوانين، وألا يتم تمريرها وفقاً لمبدأ الأغلبية". وبين أن "المحكمة الاتحادية أوضحت في وقت سابق، أن القرارات التي يصوت عليها البرلمان تتم بالأغلبية ليكون التصويت عليها صحيحاً، أي أن القوانين لا تكتسب شرعية التصويت عليها قانونياً من دون تحقق مبدأ الأغلبية في التصويت، وهذه الأغلبية غير محددة بكتل معينة. أما من ناحية التوافق، فإن الاتفاق بين القوى مهم، إذ يجب أن يكون هناك توافق سياسي، وهو ما بنيت عليه العملية السياسية". 
وأضاف: "يجب أن يتم الأخذ بالمبدأين (الأغلبية العددية والتوافق) وفقاً للظرف الذي يحتم عدم التأزم بين القوى بشأن التصويت القانوني، ما يحتم أن يكون التوافق معياراً أولاً. وإذا لم يتم التوافق، فيتم عبر الدستور والنظام الداخلي لتمرير القوانين". واعتبر أن "التوافقات السياسية منذ 2003 وحتى اليوم يتم اعتمادها كمبدأ للعمل السياسي، وهو ليس مخالفة دستورية". عن موضوع الأكراد واعتراضهم على مبدأ الأغلبية بتمرير القوانين، أشار العبطان إلى وجود "قضايا دستورية واتفاقيات معهم. وعلى الإقليم أن ينفذ ما يريده المركز، كما أنه يجب على المركز أن يفي بالتزاماته تجاه الإقليم حتى لا تكون هناك تقاطعات".
يشار إلى أن مبدأ التوافق بتمرير القوانين في البرلمان اعتمد بشكل أساسي خلال الفترة السابقة، إذ إن القوى تتفاهم في ما بينها وتتفق على تمرير قانون مقابل آخر. إلا أن بعض القوى المتنفذة، والتي تمتلك حجماً كبيراً في البرلمان، تلجأ لمبدأ الأغلبية لتمرير القوانين التي تخدم أجندتها السياسية، في حال لم تدعم القوى الأخرى ذلك، ومنها قانون "الحشد الشعبي" وغيرها من القوانين، الأمر الذي يجعل من تلك القوى متسلطة على القوى الصغيرة، وتهمش دورها.

المساهمون