لم تعلّق هيئة "الحشد الشعبي" في العراق، الجهة التنظيمية لأكثر من 70 فصيلاً مسلحاً، حتى عصر أمس على إعلان أكرم الكعبي، الأمين العام لـ"حركة النجباء"، أحد أبرز الفصائل العراقية المسلحة الحليفة لإيران (نحو 11 ألف مسلّح)، أول من أمس الأربعاء، بدء عمليات عسكرية تهدف إلى ما قال إنه "تحرير العراق عسكرياً"، في إشارة إلى الوجود الأميركي في البلاد.
ويعد موقف الكعبي أول موقف صريح من فصيل معروف ونافذ في العراق، ضد الولايات المتحدة الداعمة لحرب إسرائيل ضد قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. في المقابل، اعتبرت قيادة "الحشد الشعبي"، أمس الخميس، أن الحرب الحالية على غزة تنذر بتطورات إقليمية. ووجّه رئيس أركان "الحشد"، عبد العزيز المحمداوي، في بيان، برفع حالة التأهب بين عناصره إلى "القصوى"، استعداداً "للتعامل مع أي طارئ خلال الأيام المقبلة".
تصعيد مرتقب ضد الأميركيين في العراق
وقال مصدر مسؤول في هيئة "الحشد الشعبي"، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هذا التوجيه "جاء بسبب وجود تهديدات أميركية حقيقية بالرد على عمليات القصف التي يتعرض لها الجيش الأميركي في العراق وسورية". يأتي ذلك إضافة إلى "إمكانية تصعيد الفصائل العراقية عملياتها العسكرية ضد الوجود الأميركي خلال الأيام القليلة المقبلة".
وأوضح المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "قوات الحشد الشعبي دخلت منذ صباح الخميس (أمس)، في حالة الإنذار بكافة قواطع العمليات، وكثفت من انتشارها، خصوصاً في المناطق الصحراوية، وكذلك المناطق الحدودية مع سورية والأردن والسعودية".
مصدر: "الحشد الشعبي" اتخذت إجراءات أمنية ترقباً لإمكانية استهدافها
ولفت إلى "اتخاذ إجراءات أمنية في بعض المقرات، التي يمكن استهدافها من قبل القوات الأميركية كونها خارج المدن السكنية، وإجراءات أمنية أخرى لا يمكن التحدث عنها لحساسيتها وسريّتها".
وخلال الأسبوعين الماضيين، نُفذ نحو 15 هجوماً بطائرات مسيّرة وصواريخ كاتيوشا، على قاعدتَي "حرير" و"عين الأسد"، ومعسكر فيكتوريا، الملاصق لمطار بغداد غربي العاصمة العراقية، رداً على الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة، والدعم الأميركي لها. وتضم تلك المواقع الثلاثة المئات من العسكريين الأميركيين وقوات تابعة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن، أبرزها البريطانية والفرنسية.
وتبنت "المقاومة الإسلامية"، وهو عنوان أو مسمى جديد، هذه الهجمات، قبل أن يصدر بيان الكعبي الذي حدد بوضوح هويتها.
تحرير العراق عسكرياً
بيان "النجباء" الذي نشره الكعبي على منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، حمل إلى جانب إعلان بدء العمليات العسكرية، تبنياً للعمليات السابقة، بعد إشارته إلى أن "المقاومة الإسلامية قرّرت تحرير العراق عسكرياً وحسم الأمر، والقادم أعظم". وأضاف: "طوبى للمجاهدين الأبطال، طوبى لمن شارك، طوبى لمن أيّد، والنصر للإسلام. لا توقف، لا مهادنة، لا تراجع".
"النجباء" التي تمتلك أيضاً جناحاً مسلحاً يقاتل في سورية، سبق أن زار زعيمها أكرم الكعبي جنوب لبنان عام 2018، وتنقل في مناطق عديدة منه. وأكدت الحركة في أكثر من مناسبة أنها ضمن محور مقاومة عابرة للحدود من إيران إلى لبنان، لكنها رغم ذلك تمتلك لواءين في "الحشد الشعبي"، ينتشران في مناطق عديدة من العراق.
وتُعرف "النجباء" أيضاً بأنها خليط من مقاتلي "جيش المهدي" السابقين (جمّده مقتدى الصدر عام 2020)، وآخرين من جماعة "عصائب أهل الحق"، وترتبط بشكل وثيق مع القائد الحالي لفيلق القدس الجنرال إسماعيل قاآني، وقيادات بارزة من "الحرس الثوري" الإيراني.
خلافات بين الفصائل العراقية
وفي السياق، قال عضو بارز في "النجباء"، في حديث لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم الكشف عن اسمه، إن هناك خلافات حادة داخل الفصائل العراقية المسلحة بشأن التحرك عسكرياً وفتح جبهة على الأقل داخل العراق، كورقة ضغط على الولايات المتحدة في دعمها للحرب الحالية على غزة.
وأوضح أن الكعبي "الذي لا يملك جناحاً سياسياً مثل غيره من الفصائل، تبنى بالفعل قرار النشاطات العسكرية ضد الأميركيين، رغم وساطات عديدة من داخل الإطار التنسيقي"، لافتاً إلى وجود "انقسام آخر بين الحرس الثوري والخارجية الإيرانية حيال موقف فصائل المقاومة الإسلامية في دول المنطقة الحليفة لإيران".
عضو في "النجباء": هناك انقسام آخر بين الحرس الثوري والخارجية الإيرانية
وأشار إلى أن "الموقف الأخير لزعيم النجباء، ينسجم إلى حدٍ كبير مع الخطاب المرتقب لزعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله" اليوم الجمعة. وأضاف أن "الفصائل العراقية محرجة بشكلٍ كبير من جمهورها، لأنها لم تتحرك إزاء الحرب ضد غزة، واكتفت بالبيانات، بما في ذلك التيار الصدري الذي كان قد تحدث، في وقتٍ سابق، عن المقاومة الدولية ضد إسرائيل".
وتابع أن "أكرم الكعبي رفع الحرج عن نفسه وجمهوره بهذا الإعلان الذي سيكون ثمنه باهظاً"، متوقعاً أن تقصف "حركة النجباء" السفارة الأميركية في بغداد خلال الأيام المقبلة.
لكنه لفت إلى أنه "في هذه الحالة فإن الحركة ستكون في مواجهة الحكومة العراقية، كما أن لدى النجباء معلومات جيدة عن تحرك الأجانب المدنيين بصفات صحافية وبحثية، وقد تختطف بعضهم لأجل الضغط".
والكعبي هو القيادي المسلّح الوحيد في العراق الذي نال الموافقة على زيارة منزل الجنرال السابق قاسم سليماني، ولقاء أسرته بعد اغتياله مطلع يناير/كانون الثاني 2020 في غارة أميركية بالعراق، واعتُبر ذلك بمثابة تأكيد على أهميته وتميزه عن غيره بالنسبة لإيران.
مواقف باردة للفصائل العراقية تجاه الحرب في غزة
ويستغرب عراقيون المواقف التي وصفوها بالباردة، من قبل الفصائل المسلحة العراقية تجاه عملية "طوفان الأقصى" والحرب على غزة، وما شهدته من تدمير عشوائي وقتل لآلاف الأبرياء.
ماهر جودة: "حركة النجباء" تعمل وفق منهج المقاومة ولم تختلط بالسياسة
وفي السياق، بيَّن المحلل السياسي ماهر جودة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "فصائل المقاومة العراقية لا تتفق جميعها مع النجباء، وهذا الاختلاف ليس سياسياً، بل يشير إلى نوايا الفصائل بشأن الموقف من فلسطين والحرب ضد غزة". وأضاف أن أكثر الفصائل اكتفت بالحديث عن "التبرعات والندب والاستنكار، مع العلم أنها لطالما كانت تتوعد بتحرير الأقصى".
وأشار جودة إلى أن "حركة النجباء تعمل وفق منهج المقاومة، ولم تختلط بالسياسة، ويبدو أنها لا تخضع أيضاً إلى أي تنسيقية من تنسيقيات المقاومة، ولذلك أعلنت تحرير العراق من الولايات المتحدة بمفردها". وأوضح أن "التيار الصدري لم يعلن لحد الآن عن أي مواقف تصعيدية ضد الأميركيين رغم أن زعيمه (مقتدى الصدر) طالب بإغلاق السفارة، ما يُشير إلى أن الجانب العملي من المقاومة يشهد تعسراً على عكس البيانات البطولية".
وتضع الهجمات الأخيرة على القواعد والمصالح الأميركية في العراق، حكومة محمد شياع السوداني أمام وضع مُعقد وغير مريح، خصوصاً بعد فشل حراكه الهادف إلى إقناع الفصائل المسلحة الحليفة لإيران بإيقاف تلك الهجمات، والتي ارتفعت إلى نحو 15 هجوماً خلال الأيام العشرة الأخيرة.