شهد يوما الخميس الماضي وأمس الجمعة حراكاً سياسياً واسعاً في كل من بغداد والنجف، بين قوى سياسية مختلفة، بهدف ترتيب لقاء جديد بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وقيادات وممثلين عن قوى "الإطار التنسيقي"، خلال الأسبوع المقبل، أملاً بالتوصل إلى تفاهمات أولية حول شكل الحكومة الجديدة، ومسألة "الكتلة الأكبر" داخل البرلمان العراقي، التي منحها الدستور حق تشكيل الحكومة.
التحرك يأتي بعد إخفاق الاجتماع الثاني بين الطرفين في مدينة النجف الأربعاء الماضي، إذ انتهى من دون أي نتائج ملموسة، وجرى إلغاء مؤتمر صحافي كان مقرراً عقب الاجتماع، الذي دام لنحو ساعتين في منزل الصدر في النجف القديمة.
وقال قيادي بارز في التيار الصدري، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن الساعات الأخيرة شهدت اتصالات مكثفة بين قيادات سياسية مختلفة، بهدف تحديد موعد لاجتماع جديد بين الصدر وقيادات وممثلين عن قوى "الإطار التنسيقي"، سيكون من بينهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
محمد الصيهود: قوى الإطار التنسيقي مصرّة على تشكيل حكومة توافقية يكون الكل مشاركاً فيها
وبيّن أن "المعلومات الأولية حول الاجتماع الثالث أنه سيعقد في النجف أيضاً، وليس في بغداد. وهذا الاجتماع يهدف للتوصل إلى تفاهمات، ولو أولية، على أقل تقدير، حول شكل الحكومة الجديدة، وتشكيل الكتلة الأكبر داخل البرلمان، قبل عقد مجلس النواب أولى جلساته".
خلاف حول شكل الحكومة العراقية الجديدة
ونفى القيادي أن يكون الخلاف الحالي بين الصدر وقوى "الإطار التنسيقي" "حول هوية، أو اسم، رئيس الوزراء المقبل، أو تقسيم الحقائب الوزارية داخل الحكومة، بل جوهر الخلاف على شكل الحكومة. فالصدر يريدها حكومة أغلبية، والمعسكر الآخر من القوى السياسية الشيعية يريدها حكومة توافقية، يكون الكل مشاركاً فيها، مع ترك المعارضة للنواب المستقلين والمدنيين داخل البرلمان، الذين اختاروا ذلك في وقت سابق، والذين يتجاوز عددهم الـ35 نائباً".
وأكد محمد الصيهود، القيادي في ائتلاف "دولة القانون" الذي يتزعمه المالكي، أن "الأيام القليلة المقبلة ستشهد عقد اجتماع ثالث مهم بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وقيادات قوى الإطار التنسيقي".
وأضاف الصيهود، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "هذا الاجتماع ربما سيكون المالكي مشاركاً فيه، كونه زعيم أكبر قوى الإطار التنسيقي داخل البرلمان العراقي، من حيث عدد المقاعد البرلمانية".
ولفت إلى أن "قوى الإطار التنسيقي مصرّة على تشكيل حكومة توافقية يكون الكل مشاركاً فيها. وهذا الأمر مدعوم من جميع القوى السياسية السنية والكردية. ولا يمكن تشكيل حكومة أغلبية يكون هدفها إقصاء أطراف دون أخرى. كما أن الإطار التنسيقي يمكنه تشكيل الحكومة عبر تشكيل الكتلة الأكبر، لكن هو يريد مشاركة التيار الصدري بهذه الحكومة، كونه طرفاً سياسياً مهماً في العملية السياسية في العراق".
وأضاف الصيهود أن "الحوارات والاجتماعات خلال الاتصالات، أو اللقاء المباشر بين الصدريين والإطار التنسيقي مستمرة، وتهدف للوصول إلى اتفاق وتوافق سريع قبل عقد البرلمان العراقي أولى جلساته. ونتوقع حسم هذا الاتفاق قبل عقد الجلسة، والأيام المقبلة، سوف تشهد الاتفاق على تسمية رئيس البرلمان ونائبيه".
ويأتي هذا الحراك بعد دعوة رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح البرلمان الجديد إلى عقد جلسته الأولى في التاسع من الشهر الحالي، وذلك بعد ثلاثة أيام من إعلان المحكمة الاتحادية العليا في البلاد المصادقة على نتائج الانتخابات.
وجاء ذلك بعدما صادقت المحكمة الاتحادية، الاثنين الماضي، على نتائج الانتخابات التشريعية، التي جرت في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد 11 أسبوعاً من الجدل السياسي بشأن النتائج، فتحت الباب واسعاً أمام القوى السياسية الفائزة، والخاسرة أيضاً، للمضي في تشكيل التحالفات، قبل انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، التي يفترض أن تعقد خلال 15 يوماً بعد المصادقة، أي في موعد أقصاه 11 يناير/ كانون الثاني الحالي.
"الإطار التنسيقي" متمسك بحكومة توافقية
وقال القيادي في كتلة "صادقون"، التابعة لجماعة "عصائب أهل الحق"، سعد السعدي، لـ"العربي الجديد"، إن "قيادات الإطار التنسيقي أبلغوا الصدر، خلال الاجتماع الثاني الذي عقد في النجف، أنه لا يمكن الذهاب بتشكيل حكومة أغلبية، بل يجب أن تشكل حكومة توافقية، تكون كل أطراف الإطار التنسيقي مشاركة فيها، مع عدم الذهاب بتشكيل حكومة من دون مشاركة التيار الصدري فيها".
سعد السعدي: قوى الإطار التنسيقي متماسكة وموحدة في موقفها
وأضاف السعدي أن "اجتماعاً سيعقد الأسبوع المقبل بين الصدر وقيادات قوى الإطار التنسيقي، بهدف الوصول إلى اتفاق نهائي حول شكل الحكومة العراقية ومن يشارك فيها. وبعد هذا الاتفاق سوف تتوجه القوى السياسية إلى مفاوضات جديدة، بهدف اختيار مرشحي الرئاسات الثلاث، والحقائب الوزارية وغيرها من المناصب".
ووصف السعدي قوى "الإطار التنسيقي" بأنها "متماسكة وموحدة في موقفها. ولا يمكن مشاركة أطراف منها في الحكومة الجديدة وترك أخرى، بل نحن نعمل على مشاركة كل القوى الفائزة بالانتخابات، وكل حسب استحقاقه البرلماني والسياسي. وخلاف ذلك لا يمكن صمود أي حكومة جديدة، تكون من دون مشاركة أطراف سياسية فاعلة ومؤثرة فيها. فقوة الحكومة هي من قوة القوى التي تدعم وتشكل هذه الحكومة".
تناقض المواقف بين الطرفين
في المقابل، قال رئيس مركز "القرار السياسي" للأبحاث حيدر الموسوي، لـ"العربي الجديد"، إنه "على الرغم من حصول لقاءين بين الصدر وقوى الإطار التنسيقي، لكن الراشح عن الطرفين هو التناقض في المواقف".
وأضاف الموسوي "لن يكون الطريق معبداً بالتأكيد، بسبب استمرار إصرار الصدر على حكومة الأغلبية، والخصومة التقليدية بينه وبين المالكي. لكن في النهاية الثابت لدى قوى الإطار أنها لا تقبل إلا بمشاركة جميع مكوناتها، بصرف النظر عن اختيار (عمار) الحكيم المعارضة". وتوقع أن تكون هناك "قنوات أخرى ضاغطة تسهم بإقناع الطرفين، وخصوصاً من قبل الفاعل الدولي".
وينص الدستور العراقي النافذ في البلاد منذ عام 2005 على عقد أولى جلسات البرلمان بعد 15 يوماً فقط من تاريخ تصديق المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات، فيما يقضي العرف السياسي المعمول به في العراق منذ الغزو الأميركي للبلاد في 2003، بتوزيع المناصب الرئاسية الثلاثة على المكونات الرئيسية الثلاثة في البلاد (السنّة والشيعة والأكراد).
وبموجب نتائج الانتخابات العراقية، فقد فازت الكتلة الصدرية بـ73 مقعداً (من أصل 329)، و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" بـ31 مقعداً، وتحالف "تقدّم" بـ37، و"دولة القانون" بـ33، بينما حاز "تحالف كردستان" على 17 مقعداً.
أما تحالف "الفتح" فقد فاز بـ17، والأحزاب الفائزة بمقعد واحد 16، وتحالف "عزم" 14 مقعداً، و"الجيل الجديد" 9، و"امتداد" 9، و"إشراقة كانون" 6، و"تصميم" 5، و"بابليون" 4. وفاز "العقد الوطني" بـ 4 مقاعد، و"قوى الدولة الوطنية" 4، و"حركة حسم للإصلاح" 3، وتحالف "جماهيرنا هويتنا" 3، و"جبهة تركمان العراق الموحّد" 1، بينما كان عدد مقاعد الأفراد الفائزين 43 مقعداً.