تحولت قضية المهاجرين العراقيين الذين يتواجد الآلاف منهم على الحدود البيلاروسية البولندية على أمل الوصول إلى دول أوروبية أخرى، وأغلبهم من سكان إقليم كردستان، من ملف إنساني، إلى محاولة لتصفية حسابات سياسية وحزبية.
ووجهت أطراف وقوى مقربة من إيران، خلال الفترة الأخيرة، اتهامات لسلطات إقليم كردستان بممارسة تضييق وانتهاك للحريات على السكان، ما دفع عدداً غير قليل منهم إلى الهجرة خارج البلاد، وهو ما ترفضه السلطات وسياسيون في الإقليم ينتقدون محاولات إقحام ملف الهجرة الإنساني في الخصومات السياسية.
وقال المتحدث باسم وزارة الهجرة العراقية علي عباس، في وقت سابق، إنّ نحو 4 آلاف مهاجر عراقي يتواجدون على حدود بيلاروسيا مع دول أوروبية، مؤكداً أنّ وزارته تبذل جهوداً لإعادة من يرغب منهم إلى العراق.
واتهم المكتب السياسي لمليشيا "كتائب حزب الله"، سلطات إقليم كردستان بالتسبب بالهجرة نحو أوروبا، قائلاً، في بيان: "لقد طفح الكيل بأبناء شعبنا الكردي العزيز بعدما ثقلت عليه مظالم العائلة الحاكمة في أربيل والتي استأثرت بمقدرات الإقليم وتركته يعاني الأمرّين"، داعياً الفعاليات السياسية والشعبية للوقوف بوجه ما أسمته المليشيا "القمع والترويع في كردستان".
كما قال عضو البرلمان السابق عن تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ "الحشد الشعبي"، مختار الموسوي، أخيراً، إنّ المواطنين الأكراد يفرون مما وصفه بـ "بطش حكومة إقليم كردستان"، متوقعاً هجرة المزيد من سكان الإقليم خلال الفترة المقبلة. ورأى أنّ "الكرد يواصلون الفرار هرباً من التعسف والظلم والفقر باتجاه حدود بلاروسيا وبولندا"، معتبراً أنّ "سبب الهجرة هو الفساد المستشري في الإقليم".
في المقابل، انتقد ماجد شنكالي القيادي في "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، الحاكم في أربيل، محاولات التوظيف السياسي لأزمة المهاجرين، موضحاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الهجرة تتم من جميع مناطق العراق ولا تقتصر على مدن إقليم كردستان.
وتابع أنّ "أي توظيف لقضية إنسانية يمثّل خروجاً عن المفهوم الإنساني لكيان الدولة"، داعياً إلى "عدم تسييس أي قضية إنسانية خصوصاً هجرة الشباب والعوائل إلى بيلاروسيا"، مشيراً إلى وجود أطراف سياسية تعمل على توظيف معاناة المهاجرين للطعن في الخصوم السياسيين، مشدداً على "ضرورة العمل على حل المشاكل للتقليل من الهجرة بدلاً من التسييس".
ولفت إلى أنّ "بعض القوى السياسية، وخصوصاً من خصوم الحزب الديمقراطي الكردستاني، تحاول التقليل من الإنجازات المتحققة في الإقليم من خلال العمل على التركيز على الجوانب السلبية وإغفال الإيجابية"، مضيفاً: "كان الأجدر بالقوى السياسية التي حكمت العراق بعد 2003 العمل على تطوير بقية محافظات العراق بدلاً من مهاجمة الإقليم".
وبيّن شنكالي أنّ أكثر الذين هاجروا دفعوا مبالغ كبيرة للمهربين عن كل شخص تتجاوز 10 آلاف دولار، متسائلاً: "إذا كانوا فقراء من أين جاؤوا بهذه الأموال؟".
من جانبه، قال عضو البرلمان العراقي السابق عامر الفايز، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الصراعات السياسية أصبحت تتدخل في كل شيء"، موضحاً أنّ "أي ظرف تمر به البلاد أصبح يستغل من قبل بعض الأطراف السياسية استغلالاً سيئاً".
وأكد وجود جهات سياسية، لم يسمّها، "تتاجر بمعاناة المهاجرين، وتعمل على توظيفها في المزايدات السياسية"، مشدداً على ضرورة البحث عن أسباب الهجرة إلى خارج البلاد ومعالجتها وخصوصاً على حدود بيلاروسيا. وتابع أنّ "أغلب المهاجرين هم من الأكراد"، داعياً إلى التوصل إلى حلول واقعية للمشاكل التي دفعت العراقيين للهجرة من إقليم كردستان وتعريض أنفسهم للخطر.
وفي محاولة للحد من تدفق المهاجرين الأكراد نحو الدول الأوروبية، دعا رئيس إقليم كردستان مسرور بارزاني إلى تعاون استراتيجي بين الإقليم والاتحاد الأوروبي للتقليل من ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي تنشط بشكل واضح خلال الوقت الحالي، وذلك خلال اتصال تلقاه من نائب رئيس المفوضية الأوروبية مارغريتيس شيناس تمّت خلاله مناقشة أوضاع المهاجرين على حدود بيلاروسيا.
واتفق الطرفان على أنّ "شبكات التهريب الدولية استخدمت المهاجرين لأغراض سياسية، وقال وكيل وزارة الهجرة كريم النوري، في مقابلة متلفزة، إنّ "مافيات تهريب غررت بالمهاجرين"، موضحاً أنّ هذه المافيات لديها مكاتب سرية في العراق.
وأشار إلى وجود تسييس للملف الإنساني نتيجة للصراع السياسي بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي، معتبراً أنّ بيلاروسيا "استخدمت العراقيين كورقة في هذا الصراع".
وتتهم الولايات المتحدة الأميركية حكومة بيلاروسيا التي تدعمها روسيا بتنظيم عمليات هجرة غير شرعية بغرض التكسب المالي وتفكيك النسيج الاجتماعي في أوروبا وإشاعة الاضطراب السياسي عبر التمهيد لصعود التيارات الشعبوية، وبالتالي تمكين النفوذ الروسي على القرار الأوروبي.
كما تعرض الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، لاتهامات باستخدام سلاح الهجرة لابتزاز دول الاتحاد الأوروبي التي فرضت عقوبات على حكومته في العام الماضي بدعوى تزويره نتيجة الانتخابات الرئاسية وقمع المتظاهرين الذين طالبوا بالديمقراطية والحريات المدنية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة في البلاد.