يرصد مسؤولون عراقيون وسياسيون تزايد أنشطة حزب العمال الكردستاني في مناطق عدة خارج معاقله التقليدية الرئيسة مثل قنديل وسوران وسيدكان شمالي العراق، حدثت خلال الأشهر الأخيرة، أبرزها في مدينة كركوك (250 كيلومتراً) شمالي العراق.
واختلفت تفسيرات المراقبين حول الأهداف من هذا التمدد بين كونه محاولة إيجاد ملاذات آمنة من القصف التركي المتواصل، أو خطة انتشار مدروس للتشبث أكثر بالساحة العراقية التي يتواجد فيها، مستغلاً التناقضات الداخلية العراقية خاصة بين الفصائل المسلحة القريبة من إيران، وحكومة إقليم كردستان في أربيل التي تعارض وجود الحزب في مناطقها.
محافظة كركوك المتنوعة سكانياً، والتي تضم قوميات عربية وكردية وتركمانية وأديانا أخرى متعددة وبكثافة سكانية عالية تتجاوز المليوني نسمة، باتت أطرافها القريبة من أربيل منطقة نشاط لمسلحي حزب العمال الكردستاني منذ يوليو/ تموز الماضي، وفقاً لما قاله مسؤول محلي بارز في المدينة لـ"العربي الجديد"، اليوم الثلاثاء.
وأضاف المسؤول "في مناطق التون كوبري والدبس وليلان وقرى هنجير، يمكن ملاحظتهم، تحت عناوين متعددة".
كما تحدث المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته، عن وجود "تنسيق"، بين مسلحي حزب العمال الكردستاني وفصائل تنضوي ضمن "الحشد الشعبي"، سهّلت هذا الانتشار الذي يختلف عن تواجده في مناطق أخرى مثل سنجار أو سنوني وفيشخابور غرب الموصل حيث السلاح الظاهر ونقاط التفتيش والدوريات العسكرية، إذ يمثل تواجدهم خطوطاً خلفية أو مقرات إيواء لشخصيات مهمة في الحزب.
وأوضح أيضاً أن ملف تمدد مسلحي حزب العمال إلى خارج الإقليم لمناطق عراقية مجاورة يُمثل أبرز إخفاقات حكومة مصطفى الكاظمي السابقة، بسبب تحديات واجهتها من الفصائل المسلحة أبرزها كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق.
وبحسب المسؤول ذاته، فإنّ "مصالح تقف وراء تمدده الأخير في كركوك، وأبرزها؛ مساعي إبعاد الشركات التركية الاستثمارية من كركوك وخاصة تلك المهتمة بقطاع الطاقة والنفط، إلى جانب كسب أوراق ضغط أخرى فيما يتعلق بوجودها داخل العراق وإمكانية المناورة بين منطقة وأخرى".
وفي وقت سابق، أكد ممثل إقليم كردستان في غرفة العمليات العراقية المشتركة ببغداد، اللواء طلعت عبد الخالق، رصد أنشطة لمسلحي حزب العمال الكردستاني في كركوك، مضيفاً، في تصريح سابق نقلته وكالة "باسنيوز" الكردية المقربة من حكومة أربيل، أنّ "المعلومات الأمنية حول ذلك لا يمكن الإفصاح عنها الآن، لكن ما يحدث في كركوك عمل خطير".
وأخيراً، أعلنت حكومة إقليم كردستان عن وجود عدة مواقع للغاز الطبيعي في قضاء جمجمال التابع لمحافظة السليمانية، وأيضاً بلدة التون كوبري، ومنطقة قرى هنجير شرقي مدينة كركوك.
وتعد قضية النفط والغاز إحدى أبرز نقاط الخلاف بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان، خاصة بعد إصدار المحكمة الاتحادية، وهي أعلى سلطة قضائية في العراق، قراراً بمنع تصدير النفط والغاز من الإقليم، واعتباره يتعارض مع الدستور.
ويبين سلام، وهو عضو بارز في "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، بزعامة مسعود بارزاني، أنّ "حزب العمال يترصد الفرص للانتشار في المناطق المتنازع عليها، (المُختلف على إدارتها بين بغداد وأربيل) وعلى وجه التحديد منها مدينة كركوك".
واتهم سلام حزب العمال في تلك المناطق بـ"تجنيد المراهقين والشباب والعاطلين من العمل"، مشيراً إلى "تنسيق وتعاون كبير مع الفصائل المسلحة وتحديداً الحشد الشعبي في كركوك".
وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "تواجد حزب العمال في كركوك تطور خطير ونوعي، ويعطي ذريعة للدولة التركية بتمدد القصف ليصل إلى أجزاء واسعة، كما أنه يسعى للسيطرة على حقول النفط والغاز بتلك المناطق، وخاصة التي جرى اكتشافها مؤخراً".
كما أنّ "الحزب يستغل الفراغ الأمني والمناطق الرخوة التي يغيب فيها الجيش العراقي وقوات البشمركة، وما تعرف عسكرياً، بالخطوط الحمراء، وتصل حدودها إلى حوالي 20 كيلومتراً في كركوك وحدها".
النائب السابق في البرلمان العراقي عن محافظة كركوك، حسن توران، وهو أحد لشخصيات البارزة في المجتمع المدني بكركوك، قال إنّ "تواجد عناصر حزب العمال في كركوك هو منذ فترة ليست بالقصيرة". وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أنّ "على الحكومة في بغداد التدخل السريع لمنع انتشار الحزب أكثر والذي يتخذ انتشاره أشكالاً مختلفة".
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قصفت طائرات تركية مواقع لحزب العمال الكردستاني في بلدة التون كوبري الواقعة على الطريق الرئيس بين كركوك وأربيل، أعقب ذلك استهداف آخر قرب بلدة جمجمال الرابطة بين محافظتي السليمانية وكركوك، حيث استهدف القصف سيارة تقل أفراداً من مسلحي الحزب، والذي تضنّفه أنقرة "منظمة إرهابية".
الباحث في الشأن السياسي العراقي أحمد الهلالي اعتبر إيجاد حزب العمال الكردستاني موطئ قدم له في كركوك مقدمة للانتشار في مناطق أخرى منها وبالتالي زيادة حضوره داخل العراق، موضحاً، لـ "العربي الجديد"، أنّ "هناك جهات سياسية كردية تقدم المساعدة لعناصر حزب العمال، وكذلك الجهات المقربة من إيران، والحشد الشعبي تحديداً".
وكشف أنّ "التفاصيل المتوفرة هي زيادة أعدادهم خلال الأشهر القليلة الماضية في كركوك بمناطق غير مأهولة في ضواحي المدينة، خاصة بعد العمليات العسكرية والضربات الجوية التي شنتها القوات التركية على مناطق قنديل وجبل كورك وجبل سنجار ومخمور، وهي المعاقل الرئيسية لمسلحي حزب العمال".
ورأى الهلالي أنّ الاستخبارات العراقية "مطالبة بالالتفات لما يجري في كركوك من عمليات تجنيد للشباب وإرسالهم إلى جبل قنديل، كما على الأجهزة الاستخباراتية متابعة الأنشطة التجارية والحوالات المالية ونشاط منظمات المجتمع المدني، كون الكثير من تلك الجهات هي تابعة لحزب العمال، وتتخذ هذا الغطاء للتمويه".
غير أنّ عضو تجمع عشائر الحويجة جنوبي كركوك نوري الشمري، تحدث عن تواجد الحزب تحت أغطية عديدة في كركوك ومنذ مدة، "أبرزها أغطية منظمات المجتمع المدني والتي يحاول من خلالها استقطاب الشباب لتلك المنظمات".
وأضاف لـ"العربي الجديد"، "الحزب يملك نفوذاً وأسهماً أيضاً في مجموعة فنادق ومطاعم بكركوك، كما أنّ هناك إتاوات تفرض على التجار في مناطق جنوب وشرق كركوك، من قبل عناصر حزب العمال، والتي يستغلها لتمويل نشاطاته".