كشفت مصادر سياسية عراقية، اليوم الثلاثاء، عن تعهدات لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، حيال ملف إخراج الفصائل المسلحة من مراكز المدن والأحياء السكنية في شمال البلاد وغربها، إلى خارجها، خلال فترة تراوح بين 6 أشهر إلى عام واحد فقط، بعد الانتهاء من بناء معسكرات لها خارج المدن.
يأتي ذلك بعد نحو أسبوع على اجتماع مغلق للسوداني مع رئيس تحالف "السيادة"، خميس الخنجر، وعدد من أعضاء البرلمان عن المدن العربية السُّنية (شمال وغرب)، عقد في بغداد، لبحث تنفيذ الحكومة تعهداتها المتعلقة بالملف الحقوقي والإنساني في تلك المناطق.
وتعتبر ملفات إخراج الجماعات والفصائل المسلحة من مراكز المدن والأحياء السكنية التي تنتشر فيها، ضمن ثكنات ومواقع، بعضها عبارة عن منازل مدنيين، في شمال وغرب، إلى جانب ملف تعديل قانون العفو العام، وتوفير محاكمات عادلة للأشخاص الذين انتزعت منهم اعترافات تحت التعذيب والإكراه، وملف المدن منزوعة السكان، وطيّ صفحة النزوح الداخلي، وتعويض المواطنين عن الدمار الذي لحق بممتلكاتهم جراء احتلال تنظيم "داعش"، من أبرز القضايا التي ينتظر من الحكومة تنفيذها وفقاً لما وعدت به خلال برنامجها الحكومي، والتي كانت جزءاً من الاتفاق السياسي، الذي تشكلت الحكومة الحالية على أساسه.
واليوم الثلاثاء، كشفت مصادر سياسية رفيعة في تحالف "السيادة"، أكبر القوى السياسية العربية السنية في العراق، لـ"العربي الجديد"، عن تفاصيل جديدة تتعلق بالاجتماع الذي عقده السوداني مع قادة التحالف، الثلاثاء الماضي، مشيرة إلى أنّ التحالف عرض على السوداني جملة واسعة من التجاوزات الحقوقية والإنسانية التي ما زالت متواصلة في المناطق الشمالية والغربية من العراق، وضرورة إيقافها، محذرين من أنشطة فصائل مسلحة نافذة ذات طابع سياسي وتجاري غير شرعي في تلك المناطق.
وقال أحد المصادر، لـ"العربي الجديد"، إنّ السوداني "تلقى طلباً رسمياً من التحالف حيال إنهاء وجود الفصائل المسلحة داخل تلك المدن وأهمية أن تتولى القوات النظامية من الجيش والشرطة الملف الأمني".
وأكد أنّ "السوداني وعد بإنهاء وجود الفصائل في فترة بين 6 أشهر إلى عام واحد من الآن، كاشفاً أنّ حكومته "باشرت ببناء معسكرات للفصائل خارج المدن، وسيتم المباشرة بنقلهم بعد الانتهاء من بنائها".
وبحسب المسؤول ذاته، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، فإنّ تحالف "السيادة"، قرر تشكيل لجنة من نوابه لمتابعة تنفيذ الحكومة تعهداتها.
وكشف في السياق أنّ الحكومة تحدثت عن إعادة فتح مدينة جرف الصخر، شمال بابل، وإرجاع أول ألف عائلة، لكن القوى السياسية السنية تطالب بفتح جميع المدن التي تحتلها الجماعات والمليشيات المسلحة الأخرى، وأبرزها العوجة قرب مدينة تكريت، والعويسات شرق الأنبار، وقرى ومناطق في ديالى مثل السعدية والمقدادية وحوض العظيم، ومناطق أخرى، تستولي عليها فصائل مسلحة منذ ما يزيد على 7 سنوات.
وبعد تواصل "العربي الجديد" مع مسؤول في المكتب الحكومي للتعليق على هذه المعلومات، رد بشكل مقتضب، قائلاً إن "السوداني عازم على تنفيذ كل ما وعد به في برنامجه الحكومي"، دون الإدلاء بمزيد من التفاصيل.
لكن الناشط السياسي، أحمد حقي، قال لـ"العربي الجديد"، إن "استمرار الضغط على الحكومة يجب أن يتواصل في ملفات هامة لا يمكن أن تتأجل أكثر".
وأشار إلى أنّ "ما لا يقل عن 12 ملفاً إنسانياً مُعلّقاً في مناطق شمال العراق وغربه منذ حكومة حيدر العبادي ولغاية الآن، واستمرار المماطلة سيعيد البلاد إلى مربع احتقان شعبي شهدته البلاد، إبان حكومة نوري المالكي، التي اتسمت بممارسات طائفية واضحة".
ووفقاً لبيان رسمي، صدر عن تحالف "السيادة"، الثلاثاء الماضي، بحث التحالف مع السوداني "تنفيذ بنود الاتفاق السياسي الذي تشكلت بموجبه الحكومة". ويُقصد بالاتفاق، الشروط التي وضعتها الكتل العربية السنية مقابل الموافقة والتصويت لحكومة السوداني ومنحها الثقة.
ولم يشعر العراقيون في المدن المحررة، أو النازحون، بأي تغيير في واقعهم المأساوي، رغم مرور أكثر من 100 يوم على حكومة السوداني، حيث تغيب الخدمات وتتراجع فرص العمل، إضافة إلى التضييق المستمر من قبل الفصائل المسلحة التي ترفض الخروج من تلك المدن، بذريعة عدم استقرار الأمن فيها.
وفي وقت سابق، أكد القيادي في تحالف السيادة، عبد الكريم عبطان، لـ"العربي الجديد"، أن الهدف من لقاء التحالف مع السوداني "تأكيد المطالب المهمة والإنسانية للمدن المحررة، ناهيك عن تثبيت الاتفاقات السياسية"، مبيناً أنّ "الاتفاق السياسي الذي ورد في التحالف السياسي الذي دعم حكومة السوداني نص على الكثير من الشروط والبنود الخاصة بأهالي المدن المحررة".
وبيّن عبطان أنّ "اللقاء شهد الحديث عن معظم الملفات الواردة في البرنامج الحكومي، ومنها أزمة النازحين، إضافة إلى منع أي حالات انتهاكات من قبل أي جماعة أو قوة في المدن المحررة، وكذلك دعم الحكومات المحلية في سبيل تقديم الخدمات وتطوير البنى التحتية، ومن الملفات المهمة، هو ملف إصدار قانون العفو العام وفق مدة زمنية محددة".
وأشار إلى أنّ "بعض الأعضاء يجدون أنّ الفترة التي مرت على تشكيل الحكومة، لم تشهد أي جدية في تنفيذ البرنامج الحكومي المتفق عليه، ما يجعلنا نشكك بجدية تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وهذا الأمر لا يصب في مصلحة الوطن والشراكة السياسية".
ولا يزال أكثر من 400 ألف عراقي ممنوعين من العودة إلى مدنهم بقرار من الفصائل المسلحة التي تستولي عليها، وأبرزها منطقة جرف الصخر (شمالي بابل)، التي تضم قرى وأريافاً منزوعة السكان، مثل الفارسية وصنيديج والقراغول وغيرها، يتحدر منها نحو 140 ألف نسمة.
وتسيطر على المنطقة مليشيات "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"عصائب أهل الحق" و"جند الإمام"، منذ نهاية عام 2014. ومنعت تلك المليشيات سكان بلدات أخرى، أبرزها العوجة ويثرب وعزيز بلد وقرى الطوز وقرى مكحول في محافظة صلاح الدين، والعويسات وذراع دجلة وجزء من منطقة الثرثار ومجمع الفوسفات في محافظة الأنبار، وقرى المقدادية وحوض العظيم، شمال شرقي محافظة ديالى، من العودة إليها.