- "ورقة الاتفاق السياسي" تشمل بنوداً حيوية مثل تعديل قانون العفو، إعادة النازحين، وحل الأزمات المالية والنفطية، لكن تأخر تنفيذ هذه البنود يثير شكوكاً حول جدية الحكومة.
- الاجتماع المقبل لائتلاف إدارة الدولة سيحدد مصير ورقة الاتفاق والتزام الحكومة بتنفيذها، وسط تحذيرات من انسحاب بعض الأطراف من الحكومة والعملية السياسية إذا لم يتم الوفاء بالاتفاقات.
ينتظر المشهد السياسي في العراق تصعيداً جديداً من القوى الكردية والعربية السنّية تجاه ملف "ورقة الاتفاق السياسي"، التي كانت أساس تشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إذ تؤكد أطراف كردية وسنّية إخفاق الحكومة في تنفيذ أي من المطالب الرئيسية لها، ووجود تنصّل جديد من حلفاء إيران في التحالف الحاكم "الإطار التنسيقي" من تنفيذ وعودها. وعلمت "العربي الجديد" من مصادر مطلعة في حزب السيادة، أكبر القوى العربية السنّية في البلاد، وأخرى في الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل، عن توجه الطرفين السياسيين إلى مطالبة التحالف الحاكم (الإطار التنسيقي) وحكومة محمد شياع السوداني بالعمل على تنفيذ الاتفاقات في سقف أعلاه نهاية العام الحالي.
ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن الاجتماع المقبل لائتلاف إدارة الدولة، الذي يضم القوى السياسية المشاركة في الحكومة الحالية، المقرر نهاية الشهر الحالي، سيُطرح خلاله مصير ورقة الاتفاق السياسي وعدم تنفيذ أغلب بنودها، والمطالبة بحسمها، وفقاً لتفاهمات بين القوى السنّية والكردية، مؤكدة أن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني قد يذهب بعيداً عبر التهديد بتعليق مشاركته في الحكومة والبرلمان في حال تم التنصل من ورقة الاتفاق هذه. وتضم "ورقة الاتفاق السياسي"، التي نتج عنها الاتفاق على تشكيل حكومة السوداني، عدة مطالب للقوى العربية السياسية السنّية والقوى الكردية، ووافقت عليها قوى "الإطار التنسيقي" لقاء تصويت السنّة والأكراد على منح الثقة لحكومة السوداني.
جياد: هناك بنود مرتبطة بالبرلمان تواجه تلكؤاً وهذا الأمر لا تتحمله الحكومة
وأبرز ما تضمنته هذه الورقة تعديل قانون العفو العام، ليشمل إعادة محاكمة من انتُزعت منهم اعترافات تحت التعذيب، أو أُدينوا بوشاية المخبر السري، وإعادة جميع النازحين، وإنهاء احتلال المدن من قبل الفصائل المسلحة، وأبرزها جرف الصخر والعوجة والعويسات، وإخراج "الحشود المسلحة" من مراكز المدن والأحياء السكنية في مدن شمال العراق وغربه، وتعويض أصحاب المنازل المدمرة "جراء العمليات العسكرية والإرهابية"، والكشف عن مصير المُغيّبين، وإيجاد حلول للأزمات المالية والنفطية ما بين بغداد وإقليم كردستان مع استمرار إرسال رواتب الموظفين في الإقليم، وحسم ملف المناطق المتنازع عليها، ضمن المادة 140 بالدستور العراقي، وتطبيع الأوضاع في سنجار غرب الموصل، وتحقيق الموازنة داخل مؤسسات الدولة، بما فيها المناصب العسكرية والأمنية وفقا للنسب السكانية في العراق.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن الرد الأولي من قيادات في "الإطار التنسيقي" كان التأكيد على الاتفاقات السياسية، وضرورة منح الحكومة مزيداً من الوقت من أجل تنفيذ ما اتُّفق عليه، وأن هناك اتفاقات لا ترتبط بالحكومة، بل بالبرلمان، إذ تحتاج إلى تشريعات وسنّ قوانين، وكانت أزمة إقالة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي سبباً في تأخرها. وقال مستشار الشؤون السياسية للحكومة العراقية سبهان الملا جياد، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك بنوداً مرتبطة بالبرلمان وتواجه تلكؤاً، وهذا الأمر لا تتحمله الحكومة". وبيّن جياد أن السوداني "نفذ من بنود ورقة الاتفاق السياسي التي على أساسها تشكلت الحكومة الحالية أكثر من 65 في المائة، والعمل جار على تنفيذ على ما تبقّى وفق مهل زمنية، لكن بعض الفقرات عليها خلاف سياسي وهذا ما يعطل التنفيذ، وهناك جدية من الحكومة لتنفيذ كامل ورقة الاتفاق من دون أي مماطلة". وشدد المستشار على أن "الكتل السياسية كافة عليها الالتزام بما اتفقت عليه وفق ورقة الاتفاق السياسي، من دون أي تسويف ومماطلة، لضمان استمرار الاستقرار الحكومي والسياسي، فأي عرقلة لتنفيذ تلك الشروط ستكون لها تداعيات سلبية على مجمل الأوضاع في العراق".
من جهته، قال عضو حزب السيادة حسن الجبوري، لـ"العربي الجديد"، إن "أهم بنود ورقة الاتفاق السياسي لم تنفذ لغاية الآن، خصوصاً المتعلقة بالعفو العام وإلغاء هيئة المساءلة والعدالة (اجتثاث البعث) وإعادة النازحين وكشف مصير المغيبين وغيرها الكثير، فهناك أطراف سياسية ما زالت تعمل على عرقلة تنفيذ تلك البنود على الرغم من أنها كانت موافقة عليها قبل تشكيل الحكومة". وبيّن الجبوري: "إننا في تحالف السيادة ما زلنا نمارس وسائل الضغط السياسي لغرض تنفيذ كامل بنود ورقة الاتفاق السياسي، إذ مضى الكثير على عمر حكومة السوداني والبنود ما زالت معطلة لأسباب غير منطقية وغير مبررة، ولهذا، الاستمرار في هذا التسويف سيخلق مشاكل سياسية، وهذا ما لا نريده، فنحن مع استمرار الاستقرار السياسي والحكومي".
أما عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد كريم فاتهم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أطرافاً في "الإطار التنسيقي" بـ"التسويف والمماطلة". وأوضح كريم أن "هناك تسويفاً ومماطلة بتنفيذ ورقة الاتفاق السياسي، بل الأمر وصل إلى العمل بعكس ما جاء في هذه الورقة التي وقّعت عليها كل قوى الإطار التنسيقي". ولفت إلى أن "هناك جدية من قبل السوداني في الالتزام ببنود ورقة الاتفاق السياسي، لكن ضغوطاً سياسية تمارس عليه تمنعه من ذلك، فالإطار التنسيقي يُقيّد السوداني بشكل كبير، خصوصاً أن هناك أطرافاً تتعمد عدم حسم الكثير من الفقرات حتى تبقى بيدها أوراق مساومة وتفاوض خلال المرحلة المقبلة". وأضاف أن "عدم التزام الإطار التنسيقي بورقة الاتفاق السياسي وتنفيذها بحسب ما وقّعت هي عليه، سيدفع نحو تداعيات سياسية، فلا يمكن القبول بهذا التسويف، وهذا الامر شددنا عليه بشكل حازم خلال اجتماع ائتلاف إدارة الدولة الأخيرة الذي عقد قبل عيد الفطر".
كريم: عدم التزام الإطار التنسيقي بورقة الاتفاق السياسي سيدفع نحو تداعيات سياسية
في المقابل، اعتبر الباحث في الشأن السياسي محمد علي الحكيم، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الاستقرار السياسي والحكومي لن يستمر طويلاً في ظل التسويف والمماطلة في تنفيذ ورقة الاتفاق السياسي، التي وضعتها القوى السياسية السنّية والكردية شرطاً أساسياً للمشاركة في حكومة السوداني ودعمها، لكن على أرض الواقع، لا تنفيذ حقيقياً لهذه البنود". وأوضح الحكيم أن "الإطار التنسيقي اعتاد دائماً عدم الالتزام بالاتفاقات السياسية، وهذا سبب رئيسي لعدم مشاركة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لهم كونهم لا يلتزمون بما يتفقون عليه، ويقدّمون فقط التنازلات للحصول على المكاسب بتشكيل الحكومة، ثم ينقلبون على الاتفاق، وهذا ما حل مع الإقليم وأيضاً مع الأطراف السنّية".
وحذّر من أن "عدم تنفيذ ورقة الاتفاق السياسي مع قرب انتخابات مجلس النواب بداية أو منتصف السنة المقبلة، سيدفع بعض الأطراف السياسية الكردية والسنّية إلى الانسحاب من الحكومة وربما العملية السياسية، كوسيلة ضغط ومن أجل كسب تعاطف الجمهور وزيادة رصيدهم الشعبي استعداداً للانتخابات، ولهذا نتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة خلافات سياسية جديدة". واستهل السوداني عمله الحكومي في أكتوبر 2022 بإطلاق الكثير من الوعود، متعهداً بإنجازها خلال مدة أقصاها عام واحد، ثم الذهاب لإجراء انتخابات برلمانية ومحلية مبكرة. ومن أبرز ما تضمنه منهاج السوداني الحكومي إنهاء ظاهرة السلاح المتفلّت خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة، والعمل مع الجهات المختصة للكشف عن مصير المفقودين وشملهم بقانون ضحايا الإرهاب بعد إجراء التدقيق الأمني. كما تضمنت الوعود إلغاء هيئة المساءلة والعدالة، وإصدار عفو عام عن بعض المعتقلين.