تترقب الأوساط السياسية والشعبية في العراق، اليوم الأربعاء، إصدار المحكمة الاتحادية العليا قرارها النهائي بشأن دعوى حلّ البرلمان، المقدمة من قبل "التيار الصدري"، في وقت تؤكد فيه أطراف سياسية فاعلة في البلاد أن أي قرار سيصدر عن المحكمة اليوم، سيرسم المشهد السياسي العراقي خلال المرحلة المقبلة.
ويأتي ذلك خصوصاً مع ترقب جلسة أخرى للمحكمة الاتحادية في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، بشأن دستورية قرار رئيس البرلمان محمد الحلبوسي قبول استقالات نواب "التيار الصدري"، في 12 يونيو/ حزيران الماضي، من دون عقد جلسة برلمانية بنصاب كامل. وفي حال قبول المحكمة الدعوى اليوم بحل البرلمان، ستكون جلسة نهاية الشهر منتفية الحاجة إليها.
دعوى حلّ البرلمان العراقي: قرار نهائي اليوم
وقررت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، الخميس الماضي، تحديد جلسة للنطق بالحكم النهائي بشأن الدعوى المقامة أمامها لحلّ مجلس النواب، موعدها اليوم. ويُتهم مجلس النواب (المنتخب في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي) من قبل "التيار الصدري" بالإخفاق في الإيفاء بالتزاماته الدستورية المتضمنة اختيار رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، على الرغم من مضي أكثر من 10 أشهر على إجراء الانتخابات.
تعقد المحكمة أيضاً في نهاية سبتمبر جلسة بشأن دستورية قبول الحلبوسي استقالات نواب التيار الصدري
وتنعقد الجلسة في الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم بحسب التوقيت المحلي للعاصمة بغداد، وداخل مبنى المحكمة الاتحادية العليا الواقع داخل المنطقة الخضراء.
وتحدث موظف رفيع في الطاقم الإداري بالمحكمة الاتحادية ببغداد، لـ"العربي الجديد"، عن عقد أعضاء المحكمة لقاءات عدة خلال الأيام الماضية بشأن القرار النهائي للحكم المرتقب، مضيفاً أن "المحكمة ستتخذ القرار بالتصويت بأغلبية أعضائها المنتدبين".
وأوضح المصدر أن "المحكمة لن تعقد جلسة مرافعة اليوم، وإنما ستعلن القرار من دون عقد الجلسة، فهي عقدت الجلسات واستمعت إلى كافة الأطراف، ودرست خلال الأيام الماضية بدقة الدعوى، لإصدار قرار نهائي لحسم موضوع حلّ البرلمان خلال الساعات المقبلة".
تساؤلات ما بعد قرار المحكمة الاتحادية
قرار المحكمة الاتحادية العليا قد يرمي الكرة في ملعب البرلمان وإلزامه المضي بالاستحقاقات الدستورية، خلال فترة زمنية معينة. ويأتي ذلك مع التذكير بمسؤولية البرلمان أيضاً عن المضي بتعديل بعض بنود الدستور أو توضيحها، وفقاً لنائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وأشار النائب في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إلى "وجود مأزق قانوني عند المحكمة، إذ إنه في حال قررت قبول دعوى حلّ البرلمان، فمن سيُنظم الانتخابات الجديدة ونحن لا نملك حكومة كاملة الصلاحية والقانون لا يجيز لها إلا تصريف الأعمال اليومية؟".
في المقابل، اعتبر النائب عن "الديمقراطي الكردستاني" أن قبول القرار سيلغي الحاجة لجلسة (للمحكمة) مقررة في الـ28 من الشهر الحالي والمتعلقة بعودة نواب "التيار الصدري". لكن رفض الدعوى اليوم، "يعني أن هناك خيطاً قانونياً وحيداً متبقياً لحل الأزمة، يتمثل بإعادة النواب الصدريين إلى البرلمان وإعادة الزمن إلى ما قبل شهر يونيو الماضي، وبذلك يمكن إيجاد تسوية ما"، بحسب النائب.
بدوره، قال القيادي في "الإطار التنسيقي" النائب أحمد الموسوي، لـ"العربي الجديد"، إن "قوى الإطار اتفقت على احترام أي قرار ستصدره المحكمة الاتحادية، والذي سيكون ملزماً تطبيقه، ولا توجد نيّة للطعن به إطلاقاً في حال جاء بحل البرلمان". لكن الموسوي أضاف أن "الإطار" يعتقد أن المحكمة سترد الدعوى "كون هذا الإجراء ليس من صلاحياتها".
وأكد الموسوي أن "أي قرار سيصدر من المحكمة الاتحادية سيرسم المشهد السياسي للمرحلة المقبلة، خصوصاً أن هذا القرار ملزم التنفيذ لكافة السلطات العراقية والكتل والأحزاب".
وبيّن القيادي في "الإطار التنسيقي" أن "الإطار لا يعارض فكرة حلّ البرلمان والذهاب نحو الانتخابات المبكرة، لكن هو يريد تنفيذ هذه الإجراءات وفق الأطر الدستورية والقانونية، وبعد استكمال الاستحقاقات، وأهمها تشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات"، ورأى أن "عدم حلّ البرلمان من قبل المحكمة الاتحادية لا يعني انتهاء الأمر، والذي يمكن حسمه من خلال الاتفاق السياسي تحت قبة مجلس النواب".
ماهر جودة: الذهاب إلى حلّ البرلمان سيكون مشروطاً، وكذلك الإبقاء عليه
إلى ذلك، قال عضو تحالف "السيادة" حسن الجبوري، لـ"العربي الجديد"، إنه "في حال أقرت المحكمة حلّ البرلمان أو رد الدعوى، فإن القرار سيكون بداية حل الأزمة"، وبيّن أن "الحراك السياسي سيكون مختلفاً تماماً بعد حسم المحكمة الاتحادية لدعوى حلّ البرلمان بالقبول أو الايجاب، حيث يترقب الجميع ما سيصدر ليتحرك على ضوئه"، وأضاف: "نرى أن خريطة الحل تكمن في الاتفاق السياسي على حلّ الأزمة أولاً وأخيراً".
ومع ترقب قرار المحكمة، رجّح المحلل السياسي العراقي ماهر جودة أن يكون القرار "حيادياً". وشرح جودة ذلك بأن "الذهاب إلى حلّ البرلمان سيكون مشروطاً، وكذلك الإبقاء عليه سيكون ضمن شروط، والحالتان قد تفسران بأنهما محاولة للضغط على القوى السياسية لإيجاد حل للأزمة".
وبيّن جودة أن "قرارات المحكمة العليا لا تخلو من الأبعاد السياسية في بعض الأوقات، بهدف المصلحة العليا وتجنيب البلاد تأزماً أكبر".
وتصاعدت حدة الأزمة في العراق، بعدما توجهت قوى "الإطار التنسيقي"، التي أصبحت الكتلة الكبرى في البرلمان عقب استقالة نواب "التيار الصدري"، لتكليف محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة المقبلة.
ودفع ذلك مناصري "التيار الصدري" للجوء للشارع، واقتحام البرلمان والمنطقة الخضراء في يوليو/ تموز الماضي، والاعتصام هناك. وفي 29 أغسطس/ آب الماضي، أعلن الصدر اعتزال العمل السياسي، ما ألهب مناصريه الذين اقتحموا المنطقة الخضراء، لينزلق الوضع إلى أعمال عنف وإطلاق نار وفوضى مسلّحة، أدّت إلى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى.
حسن الجبوري: خريطة الحل تكمن في الاتفاق السياسي أولاً وأخيراً
وعلى الرغم من إعلان الصدر سحب مناصريه لتهدئة الشارع، وهو ما حدث بالفعل في بغداد، فإن مدينة البصرة شهدت، الخميس الماضي، اشتباكات دامية بين "سرايا السلام" التابعة للصدر، ومليشيات "عصائب أهل الحق"، ما أدى إلى سقوط قتيلين.
ويتضاعف القلق في الشارع العراقي من استمرار الأزمة السياسية الأطول في البلاد منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، بعد دخول المليشيات والجماعات المسلحة الحليفة لإيران على خط الأزمة، بالاصطفاف مع قوى "الإطار التنسيقي"، ضد "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، الذي تصدر نتائج الانتخابات الأخيرة التي أجريت في 10 أكتوبر الماضي.
ودعا رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إلى جلسات حوار لحلّ الأزمة، عقدت جلستان منها، كان آخرها أول من أمس، ولم يحضرهما "التيار الصدري". وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أمس، إن الأحداث التي شهدتها المنطقة الخضراء، وسط بغداد، الأسبوع الماضي، "ألحقت ضرراً كبيراً بالعملية السياسية"، متحدثاً عن ضرورة أن تشمل الحوارات السياسية جميع الأطراف.