تقف قوى سياسية عراقية مُقربة من إيران ضد مقترح قديم يعود إلى حكومة حيدر العبادي، يتضمّن فتح باب الانتقال للراغبين من عناصر "الحشد الشعبي"، إلى وزارتي الدفاع أو الداخلية، وذلك بعد إعادة إثارته مجدداً داخل حكومة مصطفى الكاظمي، ومن أطراف سياسية شيعية في بغداد، وفصائل مسلحة مرتبطة بالنجف ضمن ما يعرف بـ"حشد العتبات"، على خلاف الفصائل الأخرى المعروفة بـ"الولائية" والتي ترتبط بالمرشد الإيراني علي خامنئي.
وكشف نائبان في البرلمان العراقي، لـ"العربي الجديد"، عن وصول تحذيرات إلى الكاظمي من قبل قيادات سياسية، وأخرى في فصائل مسلحة، تحذّره من طرح المقترح علناً، أو التطرق إلى ربط الفصائل الرئيسية الأربعة المعروفة بـ"حشد العتبات"، (فرقة العباس القتالية، ولواء علي الأكبر، وفرقة الإمام القتالية، ولواء أنصار المرجعية)، مع وزارة الدفاع كما ترغب تلك الفصائل منذ مدة.
أعلن نائب في تحالف "النصر" أن المقترح لا يلقى أي رفض من النجف حتى الآن
وقال أحدهما، لـ"العربي الجديد"، إن فتح باب الانتقال من "الحشد الشعبي" إلى الدفاع والداخلية يعني أن ما لا يقل عن 50 في المائة من عناصر "الحشد" سينتقلون فعلاً، كونهم يرون ذلك أضمن مستقبلياً لهم وأكثر مقبولية، فهم لا يرغبون في أي أجندة يدخلون فيها ولا يرغبون في استغلالهم سياسياً كونهم مقاتلين فقط ويسعون إلى مرتب ثابت ومستقر نهاية كل شهر. واعتبر أن "هذا الانتقال المتوقع، في حال سمحت به الحكومة فعلاً، سيؤدي بالنهاية إلى تحول الحشد الشعبي لأغلبية ولائية".
وتحدث نائب آخر في تحالف "النصر"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، لـ"العربي الجديد"، عن أن "المقترح لا يلقى أي رفض من النجف حتى الآن"، في إشارة إلى المرجع الديني علي السيستاني. وأضاف أن القوى الأقرب إلى إيران تعارضه بشدة، وستعتبر مثل هذا الإعلان محاولة لتفكيك "الحشد". ولفت إلى أن المقترح، الذي ترفضه القوى السياسية الحليفة لإيران، يؤيده آخرون، مثل زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر وشخصيات شيعية أخرى تعتبر أن النهج الحالي للسياسة العراقية لا يختلف عن نهج صدام حسين الذي أوصل العراق لحالة عزلة كبيرة انتهت بإطاحة نظامه.
وعلى الرغم من أن لـ"الحشد الشعبي" قانوناً خاصاً، أقرّه البرلمان، في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016، يقضي باعتبار "الحشد الشعبي" كياناً قانونياً، بوصفه قوات رديفة ومساندة للقوات الأمنية العراقية، إلا أن فصائل من "الحشد" متورطة في جرائم داخل العراق وفي سورية أيضاً ضمن دعمها نظام بشار الأسد، غالبيتها بدوافع طائفية، وأبرزها "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"الطفوف" و"العصائب" و"بدر" و"البدلاء" و"الخراساني" و"سيد الشهداء" و"الإمام علي"، وجماعات أخرى ترتبط بشكل مباشر بالحرس الثوري الإيراني.
ويبلغ مجموع عناصر "الحشد"، وفقاً لبيانات وأرقام الحكومة العراقية، 115 ألف عنصر، تتولى الحكومة دفع مرتبات المنتسبين إليها بشكل شهري، لكن مسؤولين عراقيين أكدوا أخيراً رصد أسماء فضائية ولا وجود لها داخل "الحشد"، وأن العدد الحقيقي أقل بكثير من ذلك.
ستعتبر القوى الأقرب إلى إيران مثل هذا الإعلان محاولة لتفكيك الحشد
وتبدو جهود الكاظمي في فتح مجالات جديدة للحكومة العراقية على الصعيد الاقتصادي والجيوسياسي، وفرض حصار تدريجي على الفصائل المسلحة الموالية لإيران، مستمرة. وكان قد عمل خلال الأشهر الثلاثة الماضية على إبعاد نفوذ هذه الفصائل عن المنافذ الحدودية، وإغلاق مكاتبها في مطار بغداد، ثم الحد من وجودها في المنطقة الخضراء. كما أنه طالب "الحشد الشعبي" بتدقيق أموره المالية ومنع أي عمليات فساد، وفصل الموظفين والمقاتلين "الفضائيين"، وهم العناصر غير الموجودين على أرض الواقع إلا أنهم يتسلمون رواتب تذهب غالبيتها إلى جيوب قادة الفصائل ومكاتبهم الاقتصادية.
من جهته، قال القيادي في حركة "الأبدال"، وهي فصيل مسلح مدرج ضمن "هيئة الحشد الشعبي"، كمال الحسناوي، إن "ألوية الحشد لم تتلق أي إبلاغ أو أنباء بشأن توجه الحكومة إلى مثل هذه الخطة، وفتح باب انتقال العناصر الأمنية من هيئة الحشد إلى التشكيلات العسكرية الخاصة بوزارتي الدفاع والداخلية". وبين، لـ"العربي الجديد"، أن "الحشد الشعبي قوة عسكرية قانونية ورسمية، ونتبع الحكومة في أي قرار تتخذه وتجده من صالح العراق، ولكن في الوقت نفسه نحن لا نقبل بأي قرارات بدافع سياسي تهدف إلى إضعاف الحشد، فإضعاف هذا الجهاز الأمني ليس من مصلحة العراق".
من جهته، أشار عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كريم المحمداوي، في اتصال مع "العربي الجديد"، إلى أن "هناك جهات تريد توريط الحكومة العراقية بقرارات خاطئة. وهذه الجهات، منها داخلية وأخرى خارجية، تريد أن تنال من الحشد الشعبي وتُضعفه بكل الطرق"، موضحاً أن "قادة الحشد ينتظرون من الكاظمي تطوير القدرات القتالية والعسكرية للمقاتلين، وليس إصدار قرارات أو تسريب معلومات تعكر مزاج القادة، أو تربك المقاتلين وتتسبب بفوضى وجدل إعلامي". ولفت إلى أن "الحشد لديه قانون خاص به، والقانون لا يُلغى إلا بقانون، ما يعني أنه إذا توجهت حكومة الكاظمي إلى فتح إمكانية الانتقال من جهاز أمني إلى آخر، فإن قوانين جديدة لا بد أن ترفق مع القرار، لأن لكل جهاز أمني مخصصاته المالية وآلية عمله وانتشاره العسكري". وأضاف أن "مجلس النواب لا يعلم حتى الآن بمثل هذا السيناريو، ولكن في حال وجوده أو صدوره فإن تطبيقه على أرض الواقع أمر صعب، لأن السلك العسكري أموره معقّدة أكثر من الوزارات المدنية".
أما الخبير الأمني والباحث مؤيد الجحيشي فقد بيَّن، لـ"العربي الجديد"، أن "هذا السيناريو قد يكون الطريقة المثلى لتحقيق أكثر من هدف مع فصائل الحشد، التي تورط بعضها في عمليات إرهابية وانتهاكات. كما أنه الطريق الأقصر لإبعاد العناصر الجيدة والمنضبطة والمحبة للعراق عن العناصر غير الموالية للبلاد، وتوالي إيران بكل صراحة". وأكد أن "القوات العراقية بحاجة إلى عناصر الحشد المنضبطين، كما أن هناك أعداداً ليست بالقليلة داخل الحشد تعاني من سلسلة من المشاكل وأبرزها الاستغلال، وترجو أن يتم دمجها أو نقلها إلى أجهزة أمنية نظامية".
إلى ذلك، رأى الخبير القانوني القانوني والقاضي علي التميمي أن "قانون هيئة الحشد الشعبي الذي صدر عام 2016 جعل الحشد قوة تخضع لأوامر القائد العام للقوات المسلحة، وهي جزء من القوات العراقية النظامية". وأضاف، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "الدستور العراقي ينص على أن رئيس مجلس الوزراء يستطيع أن يُحرك هذه القوات جغرافياً، أو نقلها من تنظيم إلى تنظيم، أو من تشكيل إلى آخر بحسب الحاجة والمصلحة العامة، وبالتالي فإن فتح الانتقال بين تشكيلين عسكريين من صنوف القوات الأمنية العراقية لا يُعد مخالفة قانونية".