العراق: المخابرات أمام صفحة مواجهة جديدة مع المليشيات الحليفة لإيران

23 مارس 2021
جاءت عملية اغتيال ضابط بالمخابرات كمرحلة جديدة من التصعيد الحاصل منذ أسابيع (فرانس برس)
+ الخط -

جاءت عملية اغتيال ضابط رفيع في جهاز المخابرات العراقي، الذي يرأسه عملياً لغاية الآن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، يوم الأحد الماضي، وسط العاصمة بغداد، كمرحلة جديدة من التصعيد الحاصل منذ أسابيع من قبل فصائل مسلحة حليفة لإيران ضد جهاز المخابرات.

وتتهم هذه الفصائل جهاز المخابرات بالتعاون مع القوات الأميركية في عملية اغتيال زعيم "فيلق القدس"، قاسم سليماني، والقيادي بـ"الحشد الشعبي"، أبو مهدي المهندس، مطلع يناير العام الماضي، بغارة قرب مطار بغداد الدولي غربي العاصمة العراقية.

واغتال مسلحون العقيد بجهاز المخابرات العراقي، محمود ليث حسين في حي المنصور وسط بغداد، عندما كان برفقة زوجته، مساء الأحد الماضي. وجاءت عملية الاغتيال بعد أيام من اتهامات وجهها زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي لجهاز المخابرات، بالتعاون مع المخابرات الإماراتية وإجراء عمليات نقل لضباط وتغييرات واسعة وصفها بالمؤامرة، واتهم فيه الجهاز بالعمل وفق توجيهات وإدارة خارجية ليس عراقية، وهو ما دعا جهاز المخابرات إلى الرد بالنفي حول تلك الاتهامات، مهدداً باتخاذ الإجراءات القانونية بحق من يسيء له.

وسبقت هذه الاتهامات اتهامات أخرى للمتحدث باسم مليشيا "كتائب حزب الله"، أبو علي العسكري، بشأن تعاون الجهاز مع الأميركيين في تنفيذ عملية اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، العام الماضي.

ونفذت عملية اغتيال الضابط العراقي في منطقة خاضعة لتشديدات أمنية، ما يشير إلى نفوذ المهاجمين وامتلاكهم غطاء يتيح لهم دخول المنطقة التي تحوي منازل نواب برلمان وضباط وقيادات أمنية مهمة أيضاً.

واليوم الثلاثاء، كشف مسؤول أمني عراقي، لـ"العربي الجديد"، عن تشكيل لجنة تحقيق عليا من قبل رئاسة جهاز المخابرات بشأن حادث اغتيال الضابط، وتوصلت، في اليومين الماضيين، إلى أنّ الحادث "ليس إرهابياً"، وهو ما ترجّحه أيضاً شرطة بغداد وقوات الجيش الموجودة في منطقة الحادث، مضيفاً أنّ الاتهامات تتركز حالياً على جماعة مسلحة لها تمثيل في البرلمان العراقي، وحاليًا يجرى تحليل هاتف الضحية وآخر اتصالات تلقاها لوجود ما يستدعي ذلك.

وأكد المصدر ذاته أنّ "التحقيقات ما زالت مستمرة، بل وحققت تقدماً في التوصل إلى الشخص الذي نفذ عملية الاغتيال وجرت مراجعة كاميرات مراقبة خاصة بالمكان، كاشفاً عن وجود توصيات من قبل جهاز المخابرات لضباطه بالحذر "بسبب تهديدات من قبل مليشيات ناشطة في بغداد، وهي ضمن محاولات ترهيب الحكومة وإخضاع جهاز المخابرات لسيطرة أطراف بفصائل مسلحة معروفة"، وفقاً لقوله.

 

سرية تامة

إلى ذلك، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي عبد الخالق العزاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "التحقيق في اغتيال الضابط في جهاز المخابرات يجري بسرية تامة من خلال الجهاز نفسه، خصوصاً أنّ هذا الخرق يعتبر كبيراً جداً من خلال استهداف شخصية أمنية تعمل في جهاز أمني حساس".

وبيّن العزاوي أنّ "عدم كشف الجهة أو الأشخاص الذين يقفون خلف عملية اغتيال الضابط في جهاز المخابرات، ستكون له تبعات أمنية خطيرة، فهذا قد يدفع إلى القيام بالمزيد من هذه العمليات الإجرامية بحق الضباط ومسؤولين آخرين في الدولة العراقية".

وأضاف النائب العراقي أنّ "لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي سوف تبقى تراقب وتتابع سير عملية التحقيق بهذه القضية، وسيكون لها موقف في حال لم تتمكن الحكومة العراقية من كشف الجهة التي تقف خلف عملية اغتيال الضابط، أو ربما لا تكشف عنها لأسباب أخرى".

من جانبه، قال السياسي العراقي ناجح الميزان إنّ عملية الاغتيال الأخيرة لضابط رفيع في جهاز المخابرات العراقي، "تمثل أحدث مؤشر على مدى تردي الأوضاع في بغداد وتحكم ونفوذ المليشيات في البلاد".

وأضاف الميزان، لـ"العربي الجديد"، أن الحادث "وقع في مكان لا يمكن لأحد دخوله إلا بترخيص وغطاء أمني، وهذا واضح أنه من ضمن عمليات المليشيات المسلحة، بعد موجة تحريض وهجوم إعلامي على جهاز المخابرات من قبل تلك المليشيات".

الحادث "وقع في مكان لا يمكن لأحد دخوله إلا بترخيص وغطاء أمني"

 

وحذّر من أن عمليات استهداف ضباط جهاز المخابرات "قد تستمر وتتكرر مع استمرار تحريض المليشيات الحليفة لإيران بالضد من الجهاز وصمت الحكومة العراقية على هذا التحريض، والصمت أيضاً على كشف الجهات التي تقف خلف تنفيذ عمليات الاغتيال في العاصمة بغداد وباقي المدن العراقي".

 

رسالة للكاظمي

في المقابل، قال الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي محمد التميمي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أصابع الاتهام توجهت نحو الفصائل المسلحة، بعملية الاغتيال كونها الجهة الوحيدة القادرة على اختراق حظر التجول والدخول إلى منطقة المنصور بالأسلحة وتنفيذ عملية كهذه وعلى مقربة من السيطرات الأمنية".

وبيّن التميمي "نعتقد أنّ هذه العمليات تأتي بالتزامن مع اتهام عدد كبير من ضباط جهاز المخابرات بالتورط بقضية اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وكذلك اتهام الجهاز بتنفيذ أجندات خارجية، فهذا التحريض بكل تأكيد تكون عليه ردود أفعال من قبل عناصر تلك المليشيات".

وتابع "عملية الاغتيال رسالة واضحة ومباشرة من قبل المليشيات إلى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لكن ربما الحكومة لا تعلن أو تكشف عن تلك الجهات حتى لو توصلت للجهة المتورطة بالعملية، بسبب الضغوطات السياسية، التي دائماً ما تكون حاضرة وفاعلة في هكذا قضايا حساسة ومعقدة، وسيكون ملف تحقيق اغتيال الضابط، حاله حال ملف التحقيق في قتل واغتيال المتظاهرين والناشطين".

وشهدت العاصمة العراقية بغداد، مساء الأحد الماضي، عملية اغتيال لضابط في جهاز المخابرات في حي المنصور، ذات التشديد الأمني، وتعد هذه المرة الأولى منذ سنوات التي يتعرض فيها ضابط بجهاز المخابرات لعملية اغتيال، إذ طاولت هجمات وعمليات سابقة ضباطاً بالجيش والشرطة، ولا يزال مصطفى الكاظمي يتولى منصب رئيس جهاز المخابرات، على الرغم من ترؤسه الحكومة العراقية منذ مايو/ أيار 2020.

المساهمون