كشفت مصادر سياسية عراقية في العاصمة بغداد، عن توجه رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، للعودة إلى المشهد السياسي استعداداً للمرحلة المقبلة التي تترقب فيها البلاد إجراء انتخابات تشريعية مبكرة العام المقبل.
ويواجه الكاظمي هجوماً إعلامياً متواصلاً من قبل القوى السياسية والفصائل المسلحة الحليفة لإيران، أجبره أخيراً على الرد على بعض الاتهامات الموجهة لحكومته والمتعلقة بملفات الفساد المالي وبرنامج الإسكان الحكومي.
وفي وقتٍ يتنقل فيه رئيس الحكومة السابق بين العاصمتين العراقية بغداد والبريطانية لندن، أطلق خَلَفه محمد شياع السوداني، حملة إقالات ونقل للمحسوبين عليه داخل الأمانة العامة لمجلس الوزراء ومؤسسات أخرى مرتبطة برئيس الحكومة، أبرزها جهازا المخابرات والأمن الوطني.
وأكد ناشط سياسي مقرّب من الكاظمي، ومقيم في مدينة السليمانية شمالي العراق، أن الكاظمي "يملك أساساً تكتلاً سياسياً شكّله خلال العام الأول لحكومته (دامت حكومة الكاظمي بين مايو/أيار 2020 وأكتوبر/تشرين الأول 2022)، لكنه قرر بالنهاية عدم المشاركة بالانتخابات (المبكرة التي أُجريت في 10 أكتوبر 2021)".
وأضاف الناشط في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "إعادة إحياء (تيار المرحلة)، كتكتل سياسي ليبرالي مدني، أحد خيارات عودة الكاظمي للمشهد السياسي، وهناك تواصل حول الموضوع، لكن أي تحرك واقعي على الأرض لم يحصل، وتيار المرحلة مرخّص ومسجل أساساً في دائرة الأحزاب بمفوضية الانتخابات العراقية".
الكاظمي والعودة إلى الساحة السياسية
وكشف الناشط أن "الكاظمي موجود حالياً في لندن لكنه يتردد إلى بغداد، ولا يوجد أي مانع يعيق ذلك كما تروج له منصات ووسائل إعلام مرتبطة بالفصائل المسلحة". وأشار إلى أن "الكاظمي لم يقرر حتى اللحظة أن يكون هو في واجهة هذا التكتل السياسي، أو أن يكون داعماً له من دون أن يكون بالمشهد بصورة مباشرة. كما أن مسألة تأسيس كيان جديد أو البقاء ضمن إطار تيار المرحلة، لم تحسم بعد حتى الآن، وهناك أشخاص من داخل التيار لم يعد لديهم الدافع للمواصلة مع الكاظمي".
علي الفتلاوي: الكاظمي لا يملك قاعدة شعبية يمكن أن تسانده في أي عمل سياسي
و"تيار المرحلة" هو كيان سياسي ولد عقب خفوت الاحتجاجات الشعبية في العراق، التي اندلعت في أكتوبر 2019، واستمرت لأكثر من 14 شهراَ. وقدّم التيار نفسه، بأنه منبثق عن ساحات الاحتجاج في عموم المحافظات العراقية، لكن ناشطين وتنسيقيات مختلفة لم تعترف بكونه من القوى الميدانية الناشئة عن التظاهرات، على غرار القوى الأخرى، مثل البيت العراقي والبيت الوطني وحركة نازل آخذ حقي وحراك تشرين والتيار المدني ومسميات أخرى.
وجمّد التيار نشاطه وقرر عدم خوض انتخابات 2021، وفقاً لبيان صدر في 27 إبريل/ نيسان 2021، من دون الكشف عن الأسباب الحقيقية وراء هذا التجميد، وسط تضارب المعلومات بشأن الخطوة، وحديث عن ضغوط واعتراضات لقوى سياسية نافذة بشأن مشاركة الكاظمي بالانتخابات عبر تكتل يدعمه، مما يطعن بحياده في الإشراف على عمليات الاقتراع.
من جهته، قال القيادي في تحالف "الإطار التنسيقي"، علي الفتلاوي، لـ "العربي الجديد"، إن "معلومات وردت من مصادر مختلفة تؤكد حراك رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي لتشكيل تكتل سياسي تابع له، بهدف العودة إلى الساحة السياسية مجدداً في الانتخابات المقبلة".
وأعرب الفتلاوي عن اعتقاده بأن "سعي الكاظمي للعودة إلى الساحة لن ينفعه بشيء، وهذا التكتل سيكون مصيره الفشل والإخفاق، ولن يتمكن من الحصول على قاعدة شعبية، فالكاظمي أخفق في الكثير من الملفات الحساسة التي تهم حياة المواطنين خلال تسلمه رئاسة الحكومة، ولذلك لا يملك قاعدة شعبية يمكن أن تسانده في أي عمل سياسي مرتقب".
وتحدث الفتلاوي أيضاً عن أن "دولاً أوروبية، خصوصاً فرنسا، واصلت ضغطها حتى آخر لحظة من أجل تجديد الولاية الثانية للكاظمي، كما كان هناك دعم مماثل له من بريطانيا والولايات المتحدة. ومن المرجح جداً أن هذه الأطراف ستكون نفسها داعمة لحراك الكاظمي السياسي خلال المرحلة المقبلة، لكن لا أعتقد أن هذا الدعم سيغير شيئا من رصيد الكاظمي السياسي أو الشعبي، فهناك رفض له كبير من مجمل الطبقة السياسية والفاعليات الشعبية".
ولم يخرج عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم، عن الآراء المشككة بجدوى نجاح الكاظمي في العمل السياسي. ورأى في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "حراك الكاظمي لتشكيل تيار سياسي أمر وارد جداً، لكن الأهم من ذلك هو السؤال عما إذا كان الحراك سيشكّل باباً لعودة الكاظمي للمشهد السياسي مجدداً".
وأضاف عبد الكريم أن "مضي الكاظمي بتشكيل تيار سياسي جديد تابع له، لن ينفعه. التأثير على الساحة السياسية أمر أساسي في التنافس، والقوى السياسية الرئيسية تعتبر الكاظمي صفحة من الماضي، ولا مؤشرات إلى أنه سيحصل على ما يريد في الانتخابات سياسياً ولا شعبياً".
سرمد البياتي: لا يريد الكاظمي خلال الفترة القريبة التوجه نحو أي نشاط سياسي
ووصف الخبير بالشأن السياسي العراقي ماهر جودة، مساعي الكاظمي بتشكيل تيار سياسي جديد، بـ"الأمر المتوقع، من أجل البقاء في الصورة السياسية العامة بالبلاد".
لكنه اعتبر في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الكاظمي قد يواجه مشاكل كثيرة في حال بدأ العمل بشكل رسمي على تكتل سياسي جديد له، لأنه سيلاقي رفضاً من بعض الأطراف السياسية، وهذا ما قد يدفع إلى تحريك بعض القضايا ضده والشكاوى لأسباب مختلفة".
وأضاف جودة أن "تشكيل الكاظمي تيارا سياسيا، لا يعني أنه سيستطيع العودة للمشهد بالقوة التي كان فيها، عندما كان يترأس جهاز المخابرات العراقي، ثم رئيس الوزراء، فهذه الخطوة، ربما تدفعه للعزلة السياسية بشكل أكبر".
الكاظمي ودعم الدولة
بدوره، أوضح سرمد البياتي، مستشار الكاظمي، أنه "حسب معلوماتنا، الكاظمي حالياً لا يفكر بأي خيار سياسي، بل ربما سيكون توجهه خلال المرحلة المقبلة ثقافياً، باعتباره كان كاتباً في الماضي". وأضاف البياتي في حديثٍ مع "العربي الجديد": "الكاظمي أبلغ المقربين منه بأن يدعموا الدولة، ولهذا لا يريد خلال الفترة القريبة التوجه نحو أي نشاط سياسي".
وتسلم الكاظمي منصبه رئيساً للوزراء في 7 مايو 2020، بعد تقديم عادل عبد المهدي استقالته إثر الاحتجاجات الشعبية التي عمت مدن جنوب ووسط العراق، وكان من أبرز مهامه إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، وتلبية مطالب المتظاهرين. وانتهت حكومة الكاظمي فعلياً في 27 أكتوبر الماضي، بعد تصويت البرلمان على منح الثقة لمرشح "الإطار التنسيقي"، محمد شياع السوداني رئيساً للوزراء، وسط غياب التيار الصدري، الذي أعلن زعيمه مقتدى الصدر انسحابه من العمل السياسي.
وتميزت فترة تولي الكاظمي مهام رئاسة الوزراء بمواجهات متواصلة مع زعماء الفصائل المسلحة القريبة من طهران، وصلت إلى ذروتها عندما نفذ الكاظمي أمراً باعتقال، قاسم مصلح، أحد قادة "كتائب حزب الله" بتهمة قتل ناشطين مدنيين، فطوّق الفصيل المنطقة الخضراء مهدداً باقتحامها في 26 مايو 2021، قبل أن ترضخ الحكومة وتُطلق مصلح.
كما تعرض الكاظمي إلى محاولة اغتيال في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إثر استهداف منزله داخل المنطقة الخضراء بطائرات مسيرة مفخخة، مما أدى إلى إصابة عدد من أفراد حمايته، من دون أن تكشف السلطات حتى الآن عن نتائج التحقيق بالهجوم.
ويتعرض الكاظمي لانتقادات حادة لعدم تمكنه من تحقيق إنجازات بالملفات التي وعد بها خلال تشكيل حكومته، وأبرزها الكشف عن قتلة المتظاهرين والناشطين، وإعادة النازحين وطي صفحة المدن منزوعة السكان، وفتح ملفات الفساد الكبيرة بالبلاد.