لليوم الرابع على التوالي، يواجه البرلمان العراقي صعوبات كبيرة في تمرير قانون الموازنة المالية للبلاد لسنوات 2023 و2024 و2025، بعد أربع جلسات متتالية خصصت للتصويت على القانون، بسبب الخلافات ما بين القوى السياسية المتحالفة ضمن ائتلاف "إدارة الدولة"، فيما يؤكد مراقبون أن الصراع على الموازنة كشف "هشاشة" الاتفاقات والتحالفات السياسية، التي على إثرها شُكّلت حكومة محمد شياع السوداني والائتلاف الحاكم في العراق حالياً.
وركّزت الخلافات على قانون الموازنة المالية حول الفقرات المتعلقة بإقليم كردستان وايراداته النفطية، وتوزيع رواتب الموظفين في الإقليم، إضافة إلى خلافات حول زيادة مخصصات "الحشد الشعبي"، وإجراء مناقلة أموال بعض الوزارات إلى الحكومات المحلية بالمحافظات.
وكان البرلمان العراقي قد صوت بعد منتصف ليل الخميس والجمعة والسبت على 41 مادة من مواد قانون الموازنة، من أصل 67 مادة، على أن يُستكمَل التصويت في الجلسات المقبلة، وسط مفاوضات امتدت لساعات طويلة ومحاولات للتفاهم.
مواد خلافية
وتتركز الخلافات حالياً على المواد 15 و16 و17 و18 المتعلقة بالتعامل المالي بين بغداد وأربيل، وحصة إقليم كردستان من الموازنة المالية، إلى جانب مواد تتعلق بالضرائب المفروضة على المواطنين، من بينها ضرائب الهاتف النقال، والوقود، وضرائب تستحصل عند السفر من المواطن العراقي في المطارات والمنافذ الحدودية، إلى جانب مواد تتعلق بزيادة مخصصات أفراد "الحشد الشعبي"، وهو ما يدفع له أطراف داخل تحالف الإطار التنسيقي، الحاكم في العراق.
ومن المقرر أن يعقد البرلمان مساء اليوم جلسة جديدة أملاً بتمرير المواد الخلافية، وسط استمرار عدم الحسم لغاية الساعة الثانية ظهراً بتوقيت بغداد، اليوم الأحد.
وقالت مصادر برلمانية، لـ"العربي الجديد" إن "الخلافات السياسية حول قانون الموازنة كبيرة، ولا تتعلق بفقرات إقليم كردستان المالية والنفطية فقط، بل هناك خلافات ما بين قوى الإطار التنسيقي بشأن الكثير من مواد القانون، خصوصاً زيادة مخصصات الحشد الشعبي، وفرض بعض الضرائب ونسبة ما تم تخصيصه لكل محافظة من أموال، خاصة المحافظات النفطية منها، ولهذا تم تأجيل الكثير من الفقرات الخلافية".
وبينت المصادر أن "الخلافات على قانون الموازنة وصلت لمرحلة التهديد بالانسحاب من ائتلاف "إدارة الدولة" واتخاذ مواقف سياسية من حكومة السوداني من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، ولهذا أرسل الإطار التنسيقي زعيم (تحالف الفتح) هادي العامري إلى البرلمان من أجل التفاوض مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وتهدئة المواقف معه".
وأضافت أن "الخلافات ما زالت مستمرة بين الأطراف السياسية المختلفة، رغم تمرير أكثر من نصف مواد قانون الموازنة المالية للبلاد لسنوات 2023 و2024 و2025، وهناك احتمالية بأن تشريع القانون سيأخذ مزيدا من الوقت، بسبب هذه الخلافات".
حوار متواصل
ويقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد كريم، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "الخلافات حول قانون الموازنة المالية للبلاد لسنوات 2023 و2024 و2025، بسبب عدم التزام بعض قوى الإطار التنسيقي بالاتفاقات السياسية، التي على إثرها شكل ائتلاف إدارة الدولة، والذي شكل حكومة محمد شياع السوداني".
وبين كريم أن "هناك أطرافا في الإطار التنسيقي تريد فرض الإرادات وجعل شروط عقابية ضمن قانون الموازنة بحق إقليم كردستان، كما هناك أطراف تريد إضعاف الإقليم من خلال إثارة المشاكل الداخلية بشأن تشريع فقرات تؤيد انقسام محافظات الإقليم، وهذا ما لم نقبل به إطلاقاً".
وأضاف أنه "بكل تأكيد الخلافات بشأن قانون الموازنة، تضعف ائتلاف إدارة الدولة، خصوصاً أن عدم الالتزام بالاتفاقات السياسية، قد يؤدي إلى تفتت هذا الائتلاف، فهو مشكل وفق اتفاقات وأي تراجع عن تلك الاتفاقات، يعني عدم وجود أي حاجة لتواجده، وهذا ما أبلغنا به الإطار التنسيقي بشكل واضح".
من جهته قال النائب عن "الإطار التنسيقي"، محمد الصيهود، لـ"العربي الجديد"، إن "الخلافات السياسية على فقرات قانون الموازنة بسبب سعي بعض الأطراف إلى الحصول على مكاسب سياسية وشخصية من خلال هذا القانون، وهذا ما لم نقبل به إطلاقاً".
وبين الصيهود أن "قوى الإطار التنسيقي تريد تشريع قانون الموازنة وفق العدالة والإنصاف ما بين جميع المحافظات دون أي تمييز، لكن هذا الأمر أغضب بعض الجهات، خشية من المساس بمصالحها ضمن قانون الموازنة، لكن الإطار التنسيقي مع العدالة في توزيع الثروات".
وأضاف: "نريد إدارة كل شيء من قبل الحكومة المركزية ببغداد، وهذا الأمر أثار اعتراض الحزب الديمقراطي الكردستاني في إقليم كردستان، رغم أن هذا الأمر مدعوم من قبل القوى الكردية الأخرى"، واصفا الخلافات الحالية بأنها "قابلة للحل وفق الحوار والتفاوض، وتم الاتفاق والتصويت على الكثير من الفقرات الخلافية، وباقي الفقرات المؤجلة سيتم التصويت عليها بعد الاتفاق عليها، فالحوارات متواصلة دون أي انقطاع".
"انعدام الثقة"
في المقابل، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "قانون الموازنة أصبح كاشفا لمستوى الانقلاب السياسي على الاتفاقات، خصوصاً وأن هذه المعادلة السياسية، التي شكلت على أساسها الحكومة، لم تر النور إلا من خلال هذه الاتفاقات السياسية، لكن يبدو أن الموازنة كانت معيارا لمدى التزام الأطراف السياسية بالاتفاقات".
وبين الشمري أنه "قبل تشريع قانون الموازنة، بدأت عملية الانقلاب على الاتفاقات السياسية، وقبل الموازنة أيضا كانت هناك خلافات داخل القوى الكردية والقوى الشيعية والقوى السنية، وهذه الخلافات انعكست بشكل أكبر من خلال قانون الموازنة، وعملية الانقلاب والتمرد على الاتفاقات السياسية سوف تفتح الطريق نحو وجود اصطفافات وتحالفات جديدة، وتعثر أكبر للائتلاف الحاكم (ائتلاف إدارة الدولة)".
وأضاف: "ستكون هناك زيادة بمستويات انعدام الثقة ما بين الأطراف السياسية داخل ائتلاف إدارة الدولة الهش، ونعتقد أنه ما بعد تشريع قانون الموازنة سنكون أزمات سياسية وخلافات كبيرة ما بين القوى المتحالفة داخل الائتلاف الحاكم، خصوصاً مع قرب الانتخابات المحلية، إذا ما أجريت في موعدها المقرر نهاية السنة الحالية، فهذا يحتم على جميع القوى السياسية أن تتخذ تحالفات جديدة، ولهذا سوف نشهد ما بعد إقرار قانون الموازنة ارتباكا سياسيا كبيرا ما بين الكتل والأحزاب داخل ائتلاف إدارة الدولة، نتيجة لمصالحها وصراع الزعامات وغيرها".
وأقرّ مجلس الوزراء العراقي، في الـ13 من مارس/آذار الماضي، أضخم موازنة مالية في تاريخ البلاد، زادت عن 197 تريليوناً و828 مليار دينار عراقي (نحو 152.2 مليار دولار)، وبعجز إجمالي بلغ 63 تريليون دينار عراقي، مستغلاً ارتفاع أسعار النفط عالمياً، والذي يشكّل أكثر من 95% من عائدات البلاد المالية، وسط اعتراضات خبراء مال وقانون حيال بنود الموازنة، لكنها لم تأخذ طريقها إلى الإقرار حتى الآن بسبب الخلافات.