تخوض الكتل والأحزاب السياسية العراقية صراعاً حاداً منذ أيام على الحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة، تجاوز بعضه نطاق التحاصص الطائفي بين المكونات السياسية، ووصل إلى داخل التكتلات السياسية الطائفية ذاتها.
ويُعرقل هذا الصراع مساعي رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني في تشكيل حكومته بشكل سريع كما كان يأمل، خصوصاً أن جلسة التصويت على منح الثقة كانت تستهدف عقدها أمس السبت، لكنها تأجلت إلى إشعار آخر، بسبب الصراع على الوزارات، خصوصاً النفط والمالية والدفاع والصحة والخارجية.
واستخدم تحالف "الإطار التنسيقي"، خلال الأيام الماضية في بياناته وتصريحات قادته، مصطلح "حكومة خدمية" في الحديث عن حكومة السوداني الجاري اختيار وزراء لها والمرجح أن يكون عددهم 22 وزيراً، مع استمرار المفاوضات لاستحداث منصبي نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة وآخر للشؤون الاقتصادية.
ولم يتطرق التحالف إلى آلية تشكيل الحكومة، لكن وفقاً للمفاوضات الجارية وما يتسرب منها، فإن الحكومة ستكون توافقية على ما درجت عليه الحكومات السابقة التي تراعي مبدأ التحاصص الطائفي والمكوناتي في العراق، وهو ما عارضه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر منذ بداية أزمة العراق السياسية التي أعقبت الانتخابات التشريعية التي أُجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وأكد أعضاء في البرلمان العراقي في أحاديث متفرقة لـ"العربي الجديد"، أن السوداني لم يحسم حتى الآن أكثر من 60 في المائة من حقائب وزارته. وقال نائب في البرلمان عن "الإطار التنسيقي"، لـ"العربي الجديد"، إن "الخلافات ليست بين المكونات على الوزارات بل داخل المكون الواحد"، في إشارة إلى التقاسم الطائفي المتعلق بالمناصب الحكومية. وأضاف طالباً عدم الكشف عن اسمه، أن "الخلافات في حال استمرت قد تؤدي إلى تصدع أو تفكك تحالفات معينة".
الصراع على الحقائب الوزارية
بدوره، أفاد نائب آخر بأن "جلسة البرلمان للتصويت على منح الثقة لحكومة السوداني، تأجلت بسبب الخلاف على الحقائب الوزارية، وتحديد موعد الجلسة يعتمد على حل هذه الخلافات"، مؤكداً أن السوداني يقود بنفسه جهود التفاوض وتقريب وجهات النظر بين القوى السياسية لاستعجال ولادة حكومته.
من جهته، قال القيادي في "الإطار التنسيقي"، عائد الهلالي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن جلسة البرلمان للتصويت على منح الثقة لحكومة السوداني، "تأجلت لغاية إشعار آخر، بسبب عدم حسم مرشحي الحقائب الوزارية".
وكشف أن "الحوارات متواصلة ما بين السوداني والكتل السياسية، وآلية الاختيار أن تقوم كل كتلة بترشيح 5 أشخاص لشغل المنصب الوزاري الذي هو من نصيبها، ويحق للسوداني اختيار أحدهم أو رفضهم جميعاً، وفقاً لمعايير معينة، لكن حتى الساعة لا حسم كاملا بسبب خلافات على الوزارات، عددها ونوعها بين الكتل والتحالف الواحد".
عائد الهلالي: هناك توجه مبدئي للقوى السياسية إلى عقد جلسة منح الثقة للحكومة الثلاثاء المقبل
وأشار الهلالي إلى أن "هناك توجهاً مبدئياً للقوى السياسية إلى عقد جلسة منح الثقة للحكومة الثلاثاء المقبل، لكن لا اتفاق رسمياً ونهائياً على ذلك، وحسم تحديد الموعد يعتمد على نتائج الحوارات والمفاوضات التي تجري حالياً بين السوداني والكتل"، منوهاً إلى أن "هناك احتمالاً بتمرير بعض الحقائب الوزارية وتأجيل عدد من الحقائب لحين حسم الخلاف عليها ما بين الكتل والسوداني".
ويجيز الدستور العراقي، النافذ في البلاد منذ عام 2005، تقديم رئيس الحكومة المكلف كابينته الوزارية منقوصة، شرط ألا يتجاوز النقص نصف عدد وزارات حكومته، على أن يكمل الجزء الباقي من خلال جلسة تصويت ملحقة أخرى على باقي الوزارات بطلب منه إلى البرلمان.
من جانبه، رأى العضو البارز في التيار الصدري عصام حسين، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الصراع على الحقائب الوزارية بين الكتل متوقع، والحكومة الجديدة ماضية في إنتاج نظام محاصصة آخر، والسوداني سيكون خاضعاً لهذا النظام بما فيه من عيوب وكوارث".
ولفت إلى أن "الصراع على المناصب كبير جداً، وهذا ما دفع السوداني إلى محاولة استحداث بعض المناصب الجديدة كوزارات وحتى نواب لرئيس الوزراء والجمهورية، من أجل إقناع الكتل والأحزاب بدعم حكومته مقابل منحها هذه المناصب مع الوزارات".
وأضاف حسين أن "الكثير من الكتل والأحزاب ترى أن نفوذها السياسي وحتى الشعبي يكون من خلال تسلمها المناصب لجعل هذه الوزارات رصيداً انتخابياً لها في المرحلة المقبلة، فهي تدرك جيداً أنها من دون النفوذ المالي السياسي والسلاح المنفلت ليس لها أي رصيد انتخابي وليس لها أي جمهور حقيقي على الأرض".
ضغوط على السوداني
أما النائب المستقل في البرلمان، سجاد سالم، فأكد لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة الحالية مبنية على المحاصصة والتوافق، ولن تكون مختلفة عن الحكومات السابقة".
وأوضح أن "الحديث عن إعطاء حرية لرئيس الوزراء المكلف باختيار كابينته الوزارية، كلام بعيد عن الواقع، فهناك ضغوط وإملاءات تفرض عليه من أجل حصول كتل وأحزاب سياسية على حقائب وزارية معينة، إضافة إلى فرض مرشحين معينين لهذه الحقائب، حتى تكون الوزارة تحت سيطرة الجهة السياسية بشكل كامل".
وأضاف سالم أن "رئاسة مجلس النواب حتى هذه الساعة لم تحدد أو تبلغ بأي موعد لعقد جلسة البرلمان الخاصة بتشكيل الحكومة، ونعتقد أن تحديد هذه الجلسة سيعتمد على حل الخلافات والصراعات على الحقائب الوزارية بين الكتل السياسية المتنفذة".
عصام حسين: الكثير من القوى لا رصيد انتخابياً لها من دون المال والسلاح
في المقابل، اعتبر المحلل السياسي أحمد الشريفي، أن الصراع على الوزارات قد يؤخر تشكيل الحكومة الجديدة أو يدفع السوداني لتقديمها إلى البرلمان منقوصة من بعض الحقائب الوزارية. وقال الشريفي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "صراعاً قوياً بين القوى السياسية على الحقائب الوزارية منذ أيام، خصوصاً الوزارات المهمة أو التي لها نفقات عالية".
وحذّر الشريفي من أن "استمرار هذا الصراع من دون حلول قريبة، ربما يدفع إلى إخفاق السوداني بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة، خصوصاً أنه وفق المعلومات والمعطيات الصراع ما زال مستمراً من دون أي حلول".
واعتبر أن الصراع تعدى إلى أحزاب المكون الواحد، وهو ما يعكس طبيعة فشل حكومات التوافق وعدم إمكانية تحقيقها أي معالجات لقضايا القضاء الفساد أو النهوض بالبنى التحتية في البلاد. يُذكر أن أمام السوداني مهلة 30 يوماً من تاريخ تكليفه لتقديم تشكيلته الحكومية، ما يعني أن تاريخ عقد آخر جلسة للتصويت على الحكومة الجديدة داخل البرلمان سيكون في 13 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.