يستعجل رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد شياع السوداني تقديم تشكيلته الوزارية للبرلمان والحصول على ثقته نهاية الشهر الحالي، وفقاً لما أكده عضوان في البرلمان، أحدهما مقرب من السوداني، قال لـ"العربي الجديد"، إن التأخير لن يكون في صالحه بسبب موقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر واحتمالات تحركه شعبياً ضدها.
وكان المقرب من الصدر، أو ما يعرف بوزير الصدر، صالح محمد العراقي، قد نقل في تدوينة السبت الماضي عن الصدر رفضه المشاركة في الحكومة التي يتم تشكيلها، والتي وصفها بأنها "حكومة ائتلافية تبعية مليشياوية مجرّبة لم ولن تلبّي طموح الشعب".
جس نبض التيار الصدري
وفي سياق التسريع بتشكيل الحكومة، أعلن ائتلاف إدارة الدولة (الذي يضم الإطار التنسيقي، والسيادة، والحزب الديمقراطي الكردستاني) أنه يعتزم دعوة مجلس النواب إلى عقد جلسة يوم السبت المقبل للتصويت على الحكومة بكامل أعضائها، وذلك في بيان أصدره أمس بعد اجتماع في مكتب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي بحث "ضرورة الإسراع بتشكيل حكومة الخدمة".
أعلن ائتلاف إدارة الدولة أنه يعتزم دعوة مجلس النواب إلى عقد جلسة السبت المقبل للتصويت على الحكومة بكامل أعضائها
لكن قيادياً بارزاً في تحالف "الفتح"، قال لـ"العربي الجديد" طالباً عدم ذكر اسمه، إن "عقد جلسة للبرلمان للتصويت على منح الثقة لحكومة السوداني يوم السبت المقبل غير مؤكد، وربما يتم تأجيل الجلسة، فحتى اللحظة السوداني لم يحسم أمر كابينته، وحواراته مع الكتل والأحزاب مستمرة من دون اتفاقات نهائية".
ولفت إلى أن "إعلان ائتلاف إدارة الدولة موعد جلسة منح الثقة، من دون الاتفاق النهائي على ذلك، يهدف إلى جس نبض التيار الصدري، فهو يخشى من رد فعل للصدريين في الشارع قد يعرقل عقد جلسة البرلمان، ولهذا أعلن عنها بشكل مبكر حتى يعرف نوايا الصدريين".
وأضاف القيادي في "الفتح" أن "السوداني حسم حالياً 14 وزارة فقط مع القوى السياسية، وهناك خلافات على الحقائب الأخرى تتعلق بالمرشحين وكذلك بمنح هذه الحقائب لأي كتلة وحزب، وهذا الأمر قد يؤجل جلسة منح الثقة أو يدفع السوداني إلى تقديم تشكيلة وزارية غير كاملة".
وعلى غرار طريقة تشكيل الحكومات السابقة في العراق، تسلّم السوداني من القوى السياسية الرئيسة أسماء خمسة مرشحين لكل وزارة من حصة تلك الكتل، على أن يختار من بين هؤلاء المرشحين الخمسة أو يطالب باستبدالهم بمرشحين آخرين في حال لم يكن من بينهم من يوافق عليه السوداني.
ووفق عضو البرلمان الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فقد جرى توزيع الوزارات بين قوى "الإطار التنسيقي"، والقوى العربية السياسية السنّية والكردية إلى جانب منح الأقليات المسيحية والتركمانية والأيزيدية حقيبة وزارية. في حين رفض الصدر عرضاً بمنحه عدة وزارات وفقاً للاستحقاق الانتخابي الذي حصل فيه على 73 مقعداً برلمانياً قبل انسحابه من البرلمان.
خلافات حول توزيع الحقائب الوزارية
حوارات اختيار مرشحي الحقائب الوزارية وتقسيم الوزارات بين الكتل والأحزاب السياسية تجري منذ أيام وسط خلافات غير معلنة حول توزيع الحقائب لكل كتلة في التحالف الواحد.
واعتمدت الحكومات العراقية المتعاقبة بعد العام 2003 مبدأ المحاصصة الطائفية والحزبية في توزيع المناصب الحكومية، وسط انتقادات لوصول شخصيات حزبية غير كفوءة لإدارة المناصب، وتفشي الفساد في مؤسسات الدولة.
السوداني يتعرّض إلى ضغوط كبيرة من بعض الكتل التي تريد الحصول على حقائب وزارية معينة
وأكد نائب في البرلمان عن تحالف "الفتح"، لـ"العربي الجديد"، أن "السوداني أجرى لقاءات مع عدد من المرشحين للحقائب الوزارية، ويواصل مهمة اختيار كابينته من بين المرشحين". وأضاف أن السوداني يتعرّض إلى "ضغوط كبيرة، حتى من بعض قوى الإطار التنسيقي، من أجل حصول بعض الكتل في التحالف على حقائب وزارية معينة، ولا سيما الداخلية والنفط، وشغلها من قبل شخصيات تُفرض من بعض زعماء الكتل، على الرغم من وجود اتهامات تطاول هذه الشخصيات".
ولفت النائب إلى أن هناك إمكانية أن يقدّم السوداني تشكيلته الوزارية إلى البرلمان للتصويت عليها نهاية الشهر الحالي، ومن المحتمل أن يقدّمها منقوصة من عدة حقائب وزارية سيشغلها هو بالوكالة، مضيفاً أن "هاجس الإسراع في الحصول على الثقة وبدء الحكومة أعمالها رسمياً هو ما يشغل جميع القوى السياسية، تحسباً من خطوات مفاجئة وغير محسوبة من الصدر".
من جهته، قال النائب عارف الحمامي، عن ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، إن "الكتل ذات الثقل البرلماني (الرئيسة) قدّمت مرشحيها إلى رئيس الوزراء المكلف، وتم منحه مساحة لاختيار أعضاء كابينته من بين المرشحين بحرية".
وبيّن الحمامي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن السوداني "يخوض حالياً اجتماعات مع مرشحي الكتل والأحزاب السياسية للمناصب الوزارية، وهو لديه شروط لاختيار مرشحي حكومته، أهمها النزاهة والكفاءة والخبرة"، مضيفاً أن "الكتل متفقة على ألا تخالف شروط السوداني، وهي ملزمة بتقديم بدلاء عن مرشحيها إذا لم يكن المرشحون الحاليون مقنعين لدى السوداني".
وأكد أن السوداني "يسعى لتقديم كابينته كاملة إلى البرلمان للتصويت عليها ومنحها الثقة، وتقديمها ربما يحصل الأسبوع المقبل، وهذا الأمر متوقف على اجتماعات السوداني مع المرشحين للحقائب الوزارية وحواراته مع الكتل والأحزاب السياسية".
اتفاق سياسي على الإسراع بتشكيل الحكومة
أما القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم، فقال في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الخلافات حول اختيار مرشحي الحقائب الوزارية أمر طبيعي ودائماً ما تحصل في كل عملية تشكيل حكومة جديدة، لكن هذه المرة هناك اتفاق سياسي على دعم الإسراع بتشكيل الحكومة حتى وإن وُجدت بعض الخلافات بين الكتل أو مع رئيس الوزراء المكلف".
عبد الكريم: تقديم السوداني كابينته الوزارية للتصويت عليها من قبل البرلمان، ربما سيكون خلال الأسبوع المقبل
ولفت عبد الكريم إلى أن السوداني "يخوض وفريقه اجتماعات مع مرشحي الحقائب الوزارية الذين قدّمت أسماؤهم من قبل الكتل والأحزاب، إضافة إلى استمرار اجتماعاته مع القوى السياسية للاتفاق على برنامجه الحكومي، خصوصاً ان هناك مطالبات لدى بعض القوى على السوداني العمل عليها كجزء من منهاجه الحكومي خلال الفترة المقبلة".
وأضاف أن "تقديم السوداني كابينته الوزارية للتصويت من قبل البرلمان، ربما سيكون خلال الأسبوع المقبل، والأمر متوقف على حسم حواراته مع الكتل والأحزاب، ومن الممكن أن يقدّم كابينته بشكل منقوص بهدف الإسراع بتشكيل الحكومة، ثم إكمالها خلال الأيام المقبلة".
من جهته، قال النائب المستقل هادي السلامي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "صراع الكتل والأحزاب على الحقائب الوزارية أمر متوقع جداً، خصوصاً أن الحكومة سوف تشكل وفق المحاصصة كحال الحكومات السابقة، ولا نتوقع أنها ستختلف عن سابقتها في الأداء كونها شكّلت وفق النظام نفسه، الذي كان سبب الفساد والفشل طيلة السنوات الماضية".
وأضاف السلامي أن "هناك انقساماً في مواقف النواب المستقلين في البرلمان، فهناك من يريد المشاركة في الحكومة الجديدة، وهناك من يرغب بأن يبقى دور النواب المستقلين كمعارضة برلمانية هدفها المراقبة ومحاسبة الحكومة عن الأخطاء التي ترتكبها".
وبيّن أن "السوداني يمكن أن يقدّم كابينته الوزارية للتصويت خلال الأسبوع المقبل، إذا ما اتفقت القوى السياسية المتنفذة على تقاسم المغانم والمناصب في ما بينها، وهذا الأمر متوقف على حل الخلافات بشأن المناصب الوزارية وغيرها من المواقع المهمة في الحكومة المقبلة".
ويتوجب على رئيس الوزراء المكلّف أنّ يقدّم تشكيلته الوزارية خلال مدة 30 يوماً من تاريخ تكليفه، ما يعني أنّ تاريخ عقد آخر جلسة للتصويت على الحكومة الجديدة داخل البرلمان سيكون في 13 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
محلل سياسي: تصدي التيار الصدري لمنع تشكيل حكومة السوداني خلال الأيام المقبلة أمر وارد جداً
في المقابل، قال المحلل السياسي أحمد الشريفي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "رئيس الوزراء المكلف يُجري حراكاً سريعاً بهدف تشكيل حكومته خلال الأيام القليلة المقبلة، فهو والقوى السياسية يريدون استغلال سكوت التيار الصدري على هذا الحراك".
وبيّن الشريفي أن "تصدي التيار الصدري لمنع تشكيل حكومة السوداني خلال الأيام المقبلة أمر وارد جداً، ولهذا يريد السوداني الإسراع بمهمته، كما يريد تشكيل حكومته قبل يوم 25 من الشهر الحالي، أي قبل خروج متظاهري تشرين للاحتجاج، كما أعلنت تنسيقيات تشرين ذلك خلال الأيام الماضية". وأضاف أن "الأيام المقبلة ربما تشهد متغيرات في المشهد السياسي وفي حراك تشكيل الحكومة الجديدة، فلا توجد ضمانات حقيقية لتشكيل حكومة السوداني، خصوصاً مع بدء الصراع والخلاف على الحقائب الوزارية ومرشحي هذه الحقائب".
وتمثل آلية النقاط التي اعتمدتها الأحزاب السياسية في تقسيم الحقائب الوزارية على عدد المقاعد البرلمانية التي حصلت عليها الكتل، إذ إنّ كل نقطة تعادل مقعدين في البرلمان، وتحتاج كل كتلة إلى 4 نقاط، أي ما يعادل 8 مقاعد برلمانية من أجل الحصول على إحدى الوزارات غير السيادية.