طالب زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، اليوم الخميس، حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بـ"مراجعة" الاتفاقيات الاستراتيجية الموقّعة مع واشنطن، وذلك في ثاني موقف تصعيدي خلال أقل من أسبوع يصدر عن قادة القوى الحليفة لإيران، بعد بيان لما تُعرف بـ"تنسيقية المقاومة العراقية"، التي تضمّ عدداً من المليشيات المسلحة، لوّحت فيه باستئناف العمل العسكري ضد الوجود الأميركي في البلاد.
ووقّع العراق والولايات المتحدة، في يوليو/ تموز 2021، حزمة من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والتعليمية والثقافية، دخلت حيز التنفيذ نهاية ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته، أبرزها تحويل مهمة القوات الأميركية في العراق من قتالية إلى استشارية، ضمن جهود التحالف الدولي للحرب على الإرهاب.
وتتواجد القوات الأميركية في ثلاثة مواقع رئيسية في العراق، ضمن اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، وهي قاعدة "عين الأسد" الواقعة على بعد 130 كيلومتراً من مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار غربي البلاد، وقاعدة "حرير" شمال أربيل، ضمن إقليم كردستان العراق، إلى جانب معسكر "فيكتوريا" الملاصق لمطار بغداد، الذي توجد فيه وحدة مهام وتحليل معلومات استخبارية. وتحوي السفارة الأميركية وسط بغداد قوة صغيرة خاصة مكلفة حماية السفارة والبعثة الموجودة فيها.
وقال الخزعلي الذي يملك أيضاً جناحاً سياسياً ضمن التحالف الحاكم في العراق "الإطار التنسيقي"، وهو "كتلة صادقون"، خلال كلمة له بمناسبة عيد الأضحى، إن "على الحكومة العراقية مراجعة الاتفاقية الاستراتيجية مع واشنطن".
واعتبر الخزعلي الذي وضعته واشنطن، مع قادة مليشيات مسلحة أخرى على قائمة العقوبات بتهم انتهاكات حقوق الإنسان والفساد، أنّ "السيادة العسكرية بالعراق منقوصة ما دامت هناك قوات وقواعد أجنبية وطائرات مسيّرة تحلق فوقه"، مشيراً إلى أن "الاستقرار الأمني الحالي في العراق سببه القرار المسؤول الذي اتخذته فصائل المقاومة إبان الانسداد السياسي"، في إشارة إلى بيان "تنسيقية المقاومة العراقية"، الذي صدر مطلع الأسبوع الحالي.
وقال في الكلمة التي بثتها قنوات تلفزيونية محلية، إنّ "قرار تنسيقية المقاومة إيقاف عملياتها كان يجب أن يُفهم ويُجاب عنه، لكننا وجدنا العكس من أميركا"، مضيفاً أن "الدولة العراقية مطالبة بمراجعة كل الاتفاقيات الخاصة بالتبادل الثقافي أيضاً، على خلفية إعلان أميركا أنها أمة المثلية"، وفقاً لقوله.
ووصف الخزعلي السفارة الأميركية في بغداد، بأنها "تسعى لنشر المثلية"، متهماً غالبية المنظمات التابعة للأمم المتحدة، بأنها تطبّق ما تريده الولايات المتحدة، مطالباً أيضاً بـ"الامتناع عن أي اتفاقية بعنوان جديد مع واشنطن".
والسبت الماضي، أعطت ما تُعرف بـ"تنسيقية المقاومة العراقية"، وهي ائتلاف من عدة فصائل مسلّحة، تشكّل في يناير/ كانون الثاني 2020 عقب اغتيال الولايات المتحدة قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في بغداد، حكومة محمد شياع السوداني، ما وصفتها بـ"فرصة أخيرة"، لإخراج القوات الأميركية من العراق، مهددة بإعادة العمليات العسكرية ضد التواجد الأميركي.
وقال بيان الجماعة التي تُعتبر مليشيا "عصائب أهل الحق" أبرز مؤسسيها: "ليعلم الجميع أنّ لصبرنا حدوداً، ولكل فعل رد فعل، وقد أعذر من أنذر".
واعتبر الخبير بالشأن الأمني العراقي، ماهر جودة، في اتصال هاتفي سابق مع "العربي الجديد"، أن "إعادة تهديد الفصائل المسلحة باستهداف الأميركيين بعد هدنة طويلة، يؤكد أن هناك خلافات ما بين تلك الفصائل وبعض الأطراف في الإطار التنسيقي مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وهذا التهديد يأتي بعد زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني إلى بغداد خلال الأيام الماضية".
وبيّن جودة أن "تهديد الفصائل المسلّحة باستهداف الأميركيين، ربما يأتي ضمن محاولات الضغط الإيراني على الولايات المتحدة الأميركية، بشأن مفاوضات الملف النووي وغيرها من الملفات، وربما يكون تهديداً من قبل أطراف سياسية مسلّحة للسوداني وحكومته من أجل فرض بعض القضايا ذات البعد السياسي أو الأمني".
وأضاف المحلل السياسي والأمني: "نعتقد أن تلك التهديدات، سوف تبقى تهديدات إعلامية، تهدف للضغط على واشنطن من قبل طهران ومن أطراف داخلية على السوداني وحكومته، فالجميع يدرك أن عودة التصعيد الأمني ما بين الفصائل والأميركيين لن يخدم السوداني وحكومته، وربما يدفع واشنطن إلى اتخاذ ردود فعل لها نتائج سلبية على الوضع العراقي، ولهذا الجميع يريد التهدئة في الوقت الحاضر، لكن التهديدات أمر طبيعي".
وتشهد الساحة العراقية حالة من الهدوء الأمني غير المسبوق بين الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، والقوات الأميركية في العراق، بعد توقّف عمليات القصف واستهداف المصالح الأميركية منذ ما يزيد على 8 أشهر، وتُعَدّ فترة التهدئة هذه الأطول منذ مقتل قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس "هيئة الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس بغارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي مطلع يناير/ كانون الثاني 2020.