تدريجياً يرتفع عدد القوى السياسية العراقية التي أعلنت مقاطعتها لتشكيل الحكومة الجديدة، فبعد انسحاب التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، الفائز الأول في الانتخابات من البرلمان وتشكيل الحكومة، توالت إعلانات الكتل السياسية بقرار عدم المشاركة في الحكومة.
"تيار الحكمة"، بزعامة عمار الحكيم، و"منظمة بدر"، بزعامة هادي العامري، وأخيراً القوى المدنية والنواب المستقلون في البرلمان أعلنوا مقاطعتهم لتشكيل الحكومة الجديدة، وسط ترجيحات بإعلانات مماثلة لقوى أخرى في حال استمر مأزق البلاد السياسي وارتفعت التحديات أمام الحكومة المقبلة، والتي لا يريد أي طرف أن يكون جزءاً من الفشل الذي قد يواجهها.
ومع ترقب إعلان اللجنة المُصغرة التي شكلها تحالف "الإطار التنسيقي"، لترشيح عدة أسماء قادرة على تشكيل الحكومة، ويتولى التحالف اختيار أحدها عبر التصويت، فإنّ فرص الاتفاق على شكل الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية وبرنامج الحكومة ومدتها، تبقى مثار نزاع مؤجل لوقت آخر، عدا عن مسألة الاتفاق على رئيس جديد للبلاد تدور صراعات بين القوى الكردية حوله.
ومنذ أكثر من شهر، لم تصل قوى "الإطار التنسيقي" إلى أي نتيجة فيما يتعلق بالحوار مع الأحزاب الكردية (الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني)، أو في ملف اختيار رئيس الوزراء، خصوصاً مع إعلان رئيس تيار "الحكمة" عمار الحكيم، عدم المشاركة في الحكومة، ولجوء زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري إلى نفس الرأي، والفيتو الإجباري الذي وُضع حول نوري المالكي، وهو أحد المرشحين للمنصب أيضاً، بعد بيان الصدر، الذي قال فيه: "أنصح المالكي بالاعتكاف واعتزال العمل السياسي"، محذراً من أنّ "وصوله للسلطة سيكون خراباً ودماراً للعراق وأهله".
وكشفت النائبة، عن كتلة "صادقون" التابعة لمليشيا "عصائب أهل الحق" زهرة البجاري، أنّ "تغريدة مقتدى الأخيرة وضعت الإطار التنسيقي في مأزق"، مبينة في حديث متلفز، أنّ "الجميع يريد الخروج بسلام من الفتنة وعدم إراقة الدماء". وهو ما يؤكد عمق المشكلة التي سقطت فيها قوى "الإطار التنسيقي"، تحديداً تلك العازمة على عزل الصدر اجتماعياً وسياسياً.
انسحابات استباقية
وتواصل "العربي الجديد"، مع عضوين اثنين في "الإطار التنسيقي:، وأكدا أنّ "الانسحابات من العمل السياسي، سواء للحكيم أو العامري، تمثل انسحابات استباقية لتجنب مسؤولية أي فشل للحكومة المقبلة، خاصة مع احتقان الشارع العراقي ككل ضد تلك القوى".
وأكمل أحد المصادر في حديثه، أنّ "حيدر العبادي كان قد هدد في أكثر من مرة بالانسحاب من الإطار التنسيقي، بسبب عقم الوصول إلى حلول، خصوصاً بعد انسحاب التيار الصدري"، مؤكداً أنّ "الإطار التنسيقي فقد الكثير من مقومات استمراريته".
من جهته، قال المتحدث باسم "ائتلاف النصر" عقيل الرديني، إنّ "العبادي، ما يزال ضمن العمل السياسي الذي يهدف إلى تشكيل الحكومة، ولم ينسحب لغاية الآن من الإطار التنسيقي"، موضحاً، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "الوضع الحالي يحمل الكثير من المتغيرات والمفاجآت التي قد تحدث في أي لحظة، لذلك لا يمكن التنبؤ بأي شيء، لكن قوى الإطار عازمة على الاستمرار بعملية تشكيل الحكومة، لديها خيارات عديدة بما يتعلق باختيار رئيس الحكومة".
انسحابات لاحقة؟
وبيَّن عضو الهيئة العامة لـ"تيار الحكمة" رحيم العبودي، في اتصالٍ هاتفي مع "العربي الجديد"، أنّ "الإطار التنسيقي في موقف صعب حالياً، وهو أمام تحديات كبيرة، قد تنتهي بنجاح جزئي أو قد تتغير المعادلة إلى بقاء الوضع على ما هو عليه الآن، إلى حين اتخاذ قرارات جديدة بضمنها إعادة الانتخابات، أو محاولة اقناع الصدر بالعدول عن مواقفه، رغم أنّ هذا الأمر صعب جداً".
وأكد العبودي أنّ "الانسحابات ستؤثر سلباً على مضي الإطار في تشكيل الحكومة، ولعل انسحاب المستقلين هو ما سيؤدي إلى نهاية حتى الاجتماعات والمفاوضات وإعلان حالة الجمود التام".
من جهته، لفت النائب المستقل في البرلمان العراقي سجاد سالم، إلى أنّ "النواب المستقلين منقسمون إلى أكثر من رأي، وجميع هذه الآراء هدفها الوصول إلى نتائج مرضية بالنسبة للعراقيين، وهناك مساعٍ من بعضهم تهدف إلى تشكيل الحكومة، لكن أطرافاً أخرى ترفض الاستمرار بأي شكلٍ من الأشكال بالتحاور مع الإطار التنسيقي بالنظر إلى الفصائل المسلحة المنضوية ضمنه".
وأكد سالم، لـ"العربي الجديد"، أنّ "السلاح المنفلت وطرق الابتزاز التي تتعامل بها بعض الأطراف السياسية، قد تؤدي في النهاية على إجماع النواب المستقلين، والتوجه نحو الانسحاب وعدم المشاركة في الحكومة الجديدة".
وزاد الوضع تعقيداً في العراق، بعد إعلان زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، رفع سقف مطالبه بشروط منها "إنهاء انتشار السلاح والمليشيات المنفلتة، وحل الفصائل المسلحة وإبعاد "الحشد الشعبي" عن السياسة والتجارة وإعادة تنظيمه، وإبعاده عن التدخلات الخارجية، وعدم زجّه في الحروب الطائفية"، وهو ما لا يُرضي "الإطار التنسيقي" الذي يتعكز أصلاً على السلاح والفصائل، بعد القطيعة الشعبية التي تعرض لها في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وفي إقليم كردستان العراق، تعثرت عدة وساطات للتوفيق بين الحزبين الكرديين الرئيسيين (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني) للتوصل إلى "مرشح تسوية" للمنصب. ولم تنجح حتى محاولة قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، لحسم الخلاف.