العراق: ارتفاع جديد في عديد "الحشد الشعبي" ونفقاته

25 مارس 2024
عنصر من الحشد الشعبي أمام مقر هيئتها في بغداد، فبراير الماضي (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بدأت الحكومة العراقية بقيادة محمد شياع السوداني في مارس 2023 سلسلة اجتماعات لإقرار موازنة 2024، مع توقعات بزيادة كبيرة في موازنة "الحشد الشعبي" نظرًا لارتفاع عدد منتسبيه.
- الزيادة في الموازنة وأعداد المنتسبين تعكس توجه الحكومة نحو تعزيز دور "الحشد الشعبي" كقوة قتالية رئيسية بجانب الجيش، مع التركيز على الاستقرار الأمني ومواجهة تحديات مثل "داعش".
- تثير هذه الخطوات تساؤلات حول الأهداف الحقيقية وراء توسع "الحشد الشعبي"، مع اتهامات لبعض الفصائل بالاستغلال المالي وتمويل أنشطة خارج نطاق الدولة، بينما تسعى الحكومة لتعزيز قوتها الاقتصادية والعسكرية.

مع بدء الحكومة العراقية سلسلة الاجتماعات الوزارية الخاصة بإقرار جدول النفقات للموازنة المالية للعام 2024، كشف مسؤولون عراقيون عن ارتفاع كبير في الموازنة المالية المخصصة لـ"الحشد الشعبي"، إلى جانب ارتفاع جديد في عدد منتسبي هيئة "الحشد"، التي تُعد المظلة الجامعة لـ79 فصيلاً وتشكيلاً مسلحاً في البلاد. ويربط مراقبون هذا الارتفاع الجديد مع تولي حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني السلطة قبل أكثر من عام ونصف العام، وذلك في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وعقد السوداني، يوم الاثنين 18 مارس/آذار الحالي، الاجتماع الوزاري الخاص بإقرار نفقات الموازنة المالية للعام الحالي قبل إرسالها إلى البرلمان، والبالغة نحو 150 مليار دولار أميركي، بحسب بيان صدر عن مكتبه ونشرته وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع)، أكد أن الاجتماع بحث أبواب الموازنة وتفاصيلها.

ارتفاع نفقات "الحشد الشعبي" ومنتسبيه

وكشف مسؤول بارز في هيئة "الحشد الشعبي"، لـ"العربي الجديد"، عن ارتفاع إجمالي منتسبي "الحشد" إلى أكثر من 240 ألف منتسب، موزعين على مختلف الفصائل، بعد أن كانوا حتى عام 2021 قرابة 140 ألف مقاتل. وأكد المسؤول أنه "بعد تشكيل حكومة السوداني من قبل الإطار التنسيقي، كان الاتفاق على إعادة دمج ما يعرف محلياً بالمفسوخة عقودهم، وكذلك استحداث وحدات وهيئات جديدة داخل الحشد الشعبي". وبيّن أن الارتفاع الجديد في الحشد الشعبي تركز على الفصائل الرئيسية أكثر من غيرها، مثل "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"سيد الشهداء" و"الإمام علي"، و"سرايا عاشوراء" و"الأوفياء" وفصائل أخرى.

ارتفع إجمالي منتسبي "الحشد" إلى أكثر من 240 ألفاً، بعد أن كانوا حتى عام 2021 قرابة 140 ألف مقاتل

و"المفسوخة عقودهم" مصطلح يشير إلى أكثر من 30 ألف عنصر من متطوعي "الحشد الشعبي"، الذين استجابوا لفتوى المرجع الديني علي السيستاني في مواجهة تنظيم "داعش" عام 2014، لكن لم يتم إدراجهم ضمن أي فصيل مسلح وظلّوا كذلك حتى عام 2015 وانقطعوا عن الخدمة القتالية، لكن بعد إقرار البرلمان قانون "الحشد الشعبي"، في عام 2016، وتخصيص رواتب شهرية لمقاتلي "الحشد"، طالبت هذه الشريحة بالعودة لكي تشملهم الرواتب. ولكن لم تتم الموافقة على ذلك لأسباب مالية وأخرى إدارية تتعلق بتوزيعهم وخريطة انتشارهم، حتى وصول حكومة السوداني إلى السلطة.

وتوقع المسؤول أن ترتفع موازنة "الحشد الشعبي" خلال هذا العام إلى ما يقرب من 4 تريليون دينار عراقي، أي نحو مليارين ونصف المليار دولار (الدولار يساوي 1530 دينارا عراقيا). وعزا رفع قيمة الموازنة إلى ارتفاع أعداد المنسوبين لـ"الحشد"، إلى جانب خطط إنشاء معسكرات وقواعد جديدة له ستكون خارج المدن.

قوة ثانية بعد الجيش

هذه المعلومات أكدها مسؤول آخر في "هيئة الحشد الشعبي"، طلب هو الآخر عدم الكشف عن هويته، قائلاً بشكل مقتضب في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "الزيادة جزء من برنامج تطوير قدرات القوات العراقية، والحشد الشعبي جزء من هذه القوات". وبذلك يكون "الحشد الشعبي"، القوة القتالية الثانية من ناحية العدد بعد الجيش العراقي الذي يبلغ عديده 450 ألف جندي.

من جهته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، وعد القدو، لـ"العربي الجديد"، إن "ارتفاع الأعداد والنفقات في هيئة الحشد الشعبي، خاضع لمتغيرات ومتطلبات المرحلة وأهمية دعم هذه المؤسسة العسكرية، لأهميتها في الحفاظ على الاستقرار الأمني والانتصارات المتحققة على تنظيم داعش الإرهابي"، وفقاً لقوله.

وبيّن القدو، وهو نائب عن تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم في العراق: "نعمل على زيادة الأعداد والنفقات في هيئة الحشد الشعبي من خلال موازنة سنة 2024 وننتظر وصول جداول الموازنة إلى البرلمان لغرض الاطلاع عليها وإجراء التعديل اللازم لذلك، وهناك أغلبية برلمانية داعمة لهذا الأمر، إضافة إلى دعم الحكومة الكبير لتطوير قدرات الحشد على مختلف الأصعدة، وزيادة الأعداد والنفقات لهيئة الحشد، هو من أجل المصلحة العليا".

كان الاتفاق مع وصول السوداني لرئاسة الوزراء على إعادة دمج ما يعرف محلياً بالمفسوخة عقودهم، واستحداث وحدات وهيئات جديدة داخل الحشد

وتحدث القدو عن "شمول هيئة الحشد بالنفقات السرّية بإضافة مبلغ 1.5 مليار دينار عراقي بعيداً عن موازنتها السنوية بسبب وجود قضايا استخبارية ومعلوماتية وفنية تحتاجها الهيئة ولهذا يجب دعمها مالياً، وهذه النفقات موجودة لدى الأجهزة الأمنية الأخرى وعلى رأسها جهاز الاستخبارات العراقي وكذلك جهاز الأمن الوطني العراقي".

وتواجه الفصائل العراقية المسلحة المدعومة من طهران، وأبرزها "عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله"، و"النجباء"، و"سيد الشهداء"، ومليشيات أخرى، اتهامات بأنها تستغل غطاء هيئة "الحشد"، للحصول على أموال كبيرة تقوم من خلالها بتمويل أنشطة سياسية وإعلامية ودينية مختلفة إلى جانب تمويل أنشطتها العسكرية في سورية لدعم نظام بشار الأسد.

أهداف مهنية أم سياسية؟

وحول ذلك، رأى الباحث في الشأن السياسي والأمني العراقي، أحمد الشريفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "من الواضح الارتفاع الكبير في الأعداد والنفقات لهيئة الحشد الشعبي بعد تشكيل حكومة السوداني، ولا نعرف هل هذا الارتفاع طبيعي ومهني، أم أنه ارتفاع يحمل أجندة وأهدافاً سياسية لتعزيز دور الفصائل بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، خصوصاً بما يتعلق بالوضع السياسي".

وبيّن الشريفي أن حكومة السوداني "لم تكتف فقط بزيادة الأعداد والنفقات لهيئة الحشد الشعبي، بل عملت على إدخال الهيئة في مجال العمل الاستثماري والمقاولات المختلفة من خلال دعم الهيئة بـ400 مليار دينار عراقي كموازنة استثمارية لشركة المهندس العامة، التي أصبحت تعمل على مشاريع مختلفة، وهذا ما يعزز القوة الاقتصادية للفصائل، وإمكانية حصولها على الكثير من المشاريع المهمة داخل الدولة العراقية خلال الفترة المقبلة".

وأضاف: "نتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة زيادة بشكل أكبر في عدد مقاتلي هيئة الحشد الشعبي ورفع موازنتها المالية خصوصاً، فحكومة السوداني تُعتبر فرصة للفصائل لزيادة نفوذها بشكل أكبر على مختلف الأصعدة".

أحمد الشريفي: لا نعرف إذا كان الارتفاع يحمل أجندة وأهدافاً سياسية لتعزيز دور الفصائل بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة

وكان مسؤول الشؤون المالية السابق في "الحشد" قاسم الزبيدي، قد قتل في عام 2018، على يد مجهولين، بعد بدئه تحقيقاً بأمر من رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي في موضوع رواتب مقاتلي "الحشد الشعبي" الوهمية. وحينها، علّق العبادي على الاغتيال بقوله إن الزبيدي كان قد اتصل به قبل الحادث، ليزوده بمعلومات حول وجود مقاتلين وهميين (في الحشد)، وأخبره بعمليات فساد في ما خصّ توزيع الأموال واستيلاء بعض القيادات عليها، وأن هذا الملف "يحتاج إلى تدقيق قبل أن يقدم على إقرار أي زيادة في الرواتب".

وفي يوليو/تموز 2020، أثار النائب العراقي السابق فائق الشيخ علي، مسألة أعداد عناصر "الحشد"، كاشفاً عن ملفات فساد تتعلق بها. وأوضح الشيخ علي، في بيان وقتها، أن أعداد مقاتلي "الحشد" الفعليين هي 48 ألف عنصر، لكن قادتهم يتقاضون رواتب 130 ألف مقاتل، أي بفارق 82 ألف "فضائي" (جنود غير موجودين على أرض الواقع). وتساءل متوجهاً إلى السلطات: "لماذا لا تشنّون حملة مدوية ضد 82 ألف فضائي؟".

يشار إلى أن "هيئة الحشد الشعبي" تأسست بشكل رسمي عام 2016 بعد تصويت مجلس النواب على قانون تشكيلها الذي حمل الرقم 40. وفي عام 2020، تمت معادلة راتب عنصر "الحشد الشعبي"، برواتب الجنود في الجيش العراقي، والبالغ واحدها مليوناً و250 ألف دينار، أي ما يعادل قرابة الألف دولار شهرياً، إلى جانب منحهم نفس المخصصات المتعلقة بالسكن وغيرها، مع التأكيد على توزيعهم وفقاً لنظام الألوية العسكرية. لكن عملياً ما زال كل فصيل مسلح (في الحشد) يحافظ على اسمه وعناصره وارتباطاته السياسية والعقائدية، فضلاً عن تقاسم مناطق النفوذ والتواجد بين مختلف المحافظات التي ينتشر بها.

المساهمون