بالمقارنة مع أزمات العراق السياسية، في العقدين الماضيين، والتي امتد بعضها لأكثر من عام، فإن أزمة إقرار الموازنة المالية، التي انفرجت في 12 يونيو/حزيران الحالي، عبر التصويت عليها في البرلمان، لا يمكن اعتبارها أكثر من خلافات.
غير أن سياسيين يؤكدون أن ائتلاف "إدارة الدولة"، الذي يضم القوى السياسية المشاركة بتشكيل حكومة محمد شياع السوداني، تعرض لهزة عنيفة أخرى، إذ اعتمدت قوى "الإطار التنسيقي"، على عامل الأكثرية داخل البرلمان وليس التوافق في تمرير الموازنة على خلاف المتفق عليه، وهو ما قد يسرّع في تفكك الائتلاف الذي يعدّه البعض صورياً، انتهت مهمته مع تشكيل الحكومة الجديدة.
واستغرق التصويت على الموازنة 4 جلسات، تخللها الكثير من الخلافات وكسر النصاب، أبرزها حول مخصصات المحافظات المالية، والوظائف والضرائب. لكن الأكثر تعقيداً كان الفقرات المتعلقة بإقليم كردستان العراق وإيراداته النفطية وتوزيع رواتب موظفي الإقليم.
قيادي في "الديمقراطي الكردستاني": هناك أطراف داخل الإطار التنسيقي لا يمكن الثقة بهم
وبعد التصويت على الموازنة رد رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، عبر رسالة قال فيها إن "الحكومة العراقية وحكومة الإقليم قد توصلتا إلى اتفاق جيد وإيجابي من أجل توطيد دعائم الاستقرار في البلد وخدمة الناس، إلا أن ما فعلته بعض الأحزاب السياسية، وللأسف من جحود وإنكار وبطريقة غير مسؤولة هدف إلى تقويض كيان إقليم كردستان، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل وأُهملت".
وختم رسالته: "نعارض وبشدة أي محاولة متهورة تسعى إلى التجاوز وتقويض كيان إقليم كردستان. فبالنسبة لنا إقليم كردستان ليس خطاً أحمر فحسب، بل هو خط الموت ايضاً، فإما كردستان أو الفناء".
لا يمكن الثقة بأطراف في "التنسيقي"
قيادي بارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني بمدينة أربيل قال، لـ"العربي الجديد" طالباً عدم ذكر اسمه، إن "صفحة قانون الموازنة أثبتت أن أطرافاً داخل الإطار التنسيقي لا يمكن الثقة بهم، ولا يلتزمون بأي اتفاق إلا بوجود ضامن له".
وبيّن أن "تمرير الموازنة بصيغة الغالب والمغلوب، يؤكد أن ائتلاف إدارة الدولة مجرد غطاء لتشكيل الحكومة الحالية وانتهى مفعوله، لكن يمكن الاتعاظ مستقبلاً في كيفية التعامل مع عدد من أطراف التنسيقي، كونهم لا يحترمون كلمتهم ووعدهم".
الباحث السياسي الكردي محمد زنكنة قال، لـ"العربي الجديد"، إنه "تم إبطال العديد من القنابل التي كانت تستهدف الإقليم وموقعه السياسي والدستوري في بنود الموازنة من قبل نواب الحزب الديمقراطي الكردستاني، ولكن هل تلبي الموازنة طموحات شعب كردستان؟ الإجابة بالنفي. ففيها الكثير من الجور ضد الإقليم بحسب زنكنة، وخصوصاً في ما يتعلق بمستحقات موظفي الإقليم، بالإضافة إلى مسائل تتعلق ببعض التقييدات لإقليم كردستان، والتي لا تتناسب مع الدستور، وخصوصاً ما يتعلق بالتعامل مع محافظات إقليم كردستان على أساس المحافظة وليس على أساس الإقليم".
وأضاف زنكنة أن "تحالف الإطار التنسيقي، يريد تحويل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إلى مدير منفذ، ولا يريد له أن يتفرد بالسلطات المسموحة له دستورياً، وتريد بعض أطراف التحالف التدخل ومشاركته في هذه السلطات".
الاعتراضات من قبل "الديمقراطي" فقط
عضو البرلمان العراقي، يوسف الكلابي، قال إن "الاعتراضات على الموازنة لم تكن كردية، بل كانت من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني فقط، والاعتراض كان متعلقاً بآلية تسليم النفط العراقي المنتج في الإقليم ومكان إيداع الأموال".
ودافع عن تحالف "الإطار التنسيقي" بالقول، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "التعديلات التي حصلت على بنود الموازنة ليس لها علاقة بالإطار التنسيقي، بل مجموعة من النواب، وبعد ذلك تم إقناع الإطار بوجهة نظرهم". واتهم الكلابي إقليم كردستان بالتنصل من الاتفاقات الماضية في موازنات 2019 و2021، وأن ما حدث من تعديلات على الموازنة هو في "خدمة الجميع وتحت نصوص الدستور".
هيمن علي: التحالفات تنتهي مع تقاسم المحاصصة بالمناصب والوزارات
لكن عضو التيار المدني العراقي، أحمد حقي، اعتبر أن "الأزمة لم تكن مع القوى الكردية فقط بما يتعلق بالموازنة، بل حاولت أطراف الإطار التنسيقي، أن ترسم موازنة ببنود فيها دعايات انتخابية بمناطق ثقلها، على حساب مناطق أخرى شمال وغرب العراق".
وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أن أزمة الموازنة التي انتهت بأقل الأضرار، تثبت أن جميع الأطراف السياسية العراقية تعاني من أزمة ثقة فيما بينها، وأن عقدة الضامن للاتفاقات فيما بينها ستبقى حاجة ملحة بالعملية السياسية العراقية".
وقال عضو الحزب الشيوعي الكردستاني في أربيل، هيمن علي، لـ"العربي الجديد"، إنه "بطبيعة الحال لم يصمد تحالف سياسي واحد في العراق أكثر من عامين على أبعد تقدير، وتفكك بعدها أو تحول لواجهة شكلية فقط، وهذا ما نراه الآن بائتلاف إدارة الدولة".
وأضاف أن "التحالفات في العراق تتشكل لمصالح وتنتهي مع تقاسم المحاصصة بالمناصب والوزارات الحكومية، وبعدها يعود كل شيء على حاله. وهذا يؤكد أن الطائفية والصراع المكوناتي في العراق سياسي بالدرجة الأولى، ويُستخدم حسب الحاجة، وللأسف الشارع يكون ضحية له".
إعادة تقييم "الكردستاني" لاصطفافاته
من جهته، رأى رئيس مركز "التفكير السياسي" في بغداد، إحسان الشمري، أنه إذا كان هناك تضييق أكبر في ما يتعلق بالتفاهمات السياسية، فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني قد يضطر إلى إعادة تقييم اصطفافاته السياسية.
وأعرب الشمري، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده أن "سبب الإخلال بالاتفاقات هو وجود من يحاول تقويض مكتسبات إقليم كردستان، وهناك من يريد تحقيق انتصار سياسي، وهناك من يريد أن ينطلق بدعاية مبكرة في انتخابات مجالس المحافظة".
وأكد أن ما جرى يعطي مؤشراً على أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يجب أن يضع في حساباته أن الاتفاقات السياسية التي وقعها مع زعماء "الإطار التنسيقي" أصبحت من الماضي، خاصة ما يرتبط بوعود سنّ قانون النفط والغاز وبما يرتبط بالمادة 140 من الدستور، المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، وقضايا السيادة على الحدود والجمارك.