في سياق استكمال جلسات العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية في تونس، طالب محرز الشرقي، أحد ضحايا "انتفاضة الخبز" في 3 يناير/كانون الثاني 1984، والتي خلفت آلاف الاعتقالات وعشرات القتلى في صفوف المحتجين، بمحاسبة الجلادين "كي نضمن المصالحة وعدم تكرار انتهاكات الماضي".
وقال الشرقي في حديث خاص مع "العربي الجديد"، اليوم الاثنين، إنه "مع كل جلسة من جلسات العدالة الانتقالية نستعيد عذابات الأنظمة السياسية السابقة، نظام الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي كونه كان مديراً للأمن الوطني حينها".
وعبّر عن شعور الضحايا بالغضب في كل ذكرى للأحداث، لافتاً إلى أنه "مع كل جلسة تتجدد الآلام والشعور بالظلم".
وأوضح أنّ "العذاب النفسي الذي يلازمنا عند تذكر الماضي الأليم لا يمكن تخيله، ووحدهم الضحايا يشعرون به، فمن انتهك جسده وحرم من حريته سيظل يتألم"، مشدداً على أنّ المطلوب "محاسبة الجلادين".
وبيّن الشرقي أنّ "هؤلاء (المتهمين) يواصلون تجاهل مسار العدالة ولا يحضرون جلسات المحكمة وكأنهم لا يعترفون بالعدالة الانتقالية، ومنهم من هو على قيد الحياة، ولكنهم يرفضون الحضور وكشف الحقيقة، وخاصة مواجهة الضحايا".
وكشف أنّ "الضحايا قد يلجؤون إلى تدويل قضية انتفاضة الخبز في المحاكم الدولية، على الرغم من أنهم لا يحبذون هذا الخيار، ولكنهم قد يدفعون إليه إن لم يحضر جلادوهم".
وبين أن عدد ضحايا الخبز يقدر بنحو 833 ضحية موزعين على 13 دائرة قضائية، من بينهم 71 ضحية في دائرة تونس الكبرى، مشيراً إلى أنه لا بد من الاعتذار وكشف الحقيقة قبل المرور للمصالحة "فالأركان الأساسية للعدالة لم تكتمل بعد".
وحول الانتهاكات التي تعرض لها، قال الشرقي إنه اعتقل خلال مسيرة سلمية انتفض فيها عامة الشعب على رفع سعر الخبز، ورغم أنه كان حينها طفلاً لم يتجاوز 16 عاماً، إلا أنه اعتقل وسجن، بل حكم بـ3 أعوام مع الأشغال الشاقة، مضيفاً "سجنت مع مجرمي الحق العام ومع أكبر المساجين إجراماً في سجن برج الرومي".
ويستطرد: "كان يسكب علينا في السجن مواد كحولية بهدف تنظيفنا، ولا يأبهون بعذاباتنا وصراخنا، إلى جانب التفنن في التعذيب النفسي والجسدي".
ويستذكر المشرقي العنف المفرط في قمع انتفاضة الخبز، إذ قتل شخصان بجانبه أثناء المسيرة، فضلاً عن تكدس عدد كبير من الجثث في الشوارع، مضيفاً أن عدد المعتقلين حينها كان مرتفعاً جداً، حيث كان التوقيف عشوائياً.
وتنظر الدائرة المتخصصة في العدالة الانتقالية في تونس، اليوم الاثنين، في قضية السجين قصي الجعايبي، الذي حكم عليه نظام بن علي بالسجن مدة 26 عاماً بسبب شبهة الانتماء لحركة "الاتجاه الإسلامي" (النهضة حالياً).
وكان الجعايبي يعمل صيدلياً ولم يكن منخرطاً في أي حزب، ولكن يوم 29 يوليو/تموز 1993، اعتقل ونقل لوزارة الداخلية، حيث عذب وعنف وتعرض لانتهاكات جسيمة من الصعق بالكهرباء والاغتصاب والتعليق، ما أدى إلى توقف قلبه عن النبض، ما استدعى نقله إلى المستشفى حينها.