تحقق الحلم الذي عمل من أجله سكان قرى غرب مدينة بئر العبد في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، بعودتهم إلى ديارهم ومزارعهم بعد غياب قسري دام قرابة ثلاثة أشهر، في أعقاب سيطرة تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، على المنطقة، إلى أن تمكن الجيش المصري أخيراً من إجبار التنظيم على الانسحاب. إلا أن الجيش أجّل عودة الأهالي إلى ديارهم عدة مرات، بحجة تطهير المنطقة من آثار سيطرة التنظيم. لكن العائدين قالوا إن الحجة بطلت بانفجار الألغام والعبوات الناسفة في السكان فور وصولهم إلى منازلهم، ما أدى إلى مقتل أربع نساء، من بينهن طفلة، وإصابة آخرين، ما نزع فرحة الأهالي بالعودة بعد طول غياب.
وفي التفاصيل، قالت مصادر قبلية من سكان القرى المهجرة، لـ"العربي الجديد"، إن الأهالي عزموا منذ أسابيع على العودة إلى ديارهم مهما كلف الأمر من ثمن، وبدأوا بالحراك السلمي، من خلال تدخّل المشايخ وحديثهم إلى قيادة عمليات الجيش المصري في المنطقة، والطلب المتكرر بضرورة عودة المواطنين إلى ديارهم بعد انسحاب "داعش" منها. ونقل المشايخ وعودَ الجيش إلى المواطنين أكثر من مرة، ومنحوهم أملاً بالعودة من خلال مواعيد محددة لم يلتزم الجيش بتنفيذ أي منها، إلى أن قرر المهجرون الخروج في تظاهرات حاشدة على حدود قراهم، وهذا ما حصل فعلاً بخروج آلاف المواطنين، واحتكاكهم المباشر بقوات الجيش المنتشرة على حدود القرى. فطلب الجيش الانتظار 72 ساعة، وبالفعل احتشد المواطنون بعد مرور المهلة ودخلوا من بين أرتال الآليات العسكرية إلى منازلهم ومزارعهم.
اتكل المهجرون على حديث الجيش بأنه تم تأخير عودتهم لتطهير المنازل والمزارع من آثار التنظيم
وأضافت المصادر ذاتها أنه جرى الاتكال على حديث الجيش بأنه تم تأخير عودة المهجرين بسبب عمل القوات الهندسية على تطهير المنازل والمزارع من آثار التنظيم، سواء من العبوات الناسفة أو الألغام أو بقايا وجوده العسكري، وحديث الجيش المتكرر عن وقوع خسائر بشرية في صفوف قواته خلال هذا العمل على مدار الأسابيع الماضية. وبناءً على ما سبق، دخل المهجرون إلى منازلهم ومزارعهم بلا خوف، إلا أن هذا الدخول كلف عدداً منهم حياتهم، بمقتل أربع نساء بانفجار عبوتين ناسفتين في قريتي قاطية والجناين، ووقوع إصابات متفاوتة لعدد آخر، ما جعل المواطنين لقمة سائغة لما تركه التنظيم خلفه بغية استهداف قوات الجيش.
وفي تفاصيل الخسائر البشرية، قال مصدر طبي في مستشفى بئر العبد المركزي، لـ"العربي الجديد"، إن الطواقم الطبية كانت تتابع عودة المهجرين إلى قراهم غرب مدينة بئر العبد، وبعد وقت قصير، تلقينا إشارات بوجود حدث أمني في قرية قاطية، تمثل بانفجار عبوة ناسفة في مجموعة من المواطنين داخل أحد المنازل. وأوضح أنه نتج عن ذلك مقتل سيدتين تبلغان من العمر 40 و39 سنة، بالإضافة إلى إصابة متوسطة لرجل. وبعد ساعات تم تسجيل حدث آخر، تمثل في انفجار لغم بعائلة في قرية الجناين، ما أدى إلى مقتل سيدة تدعى وردة حسن سالم وطفلتها، وإصابة آخرين بجروح متفاوتة.
وكانت مصادر قبلية قد أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن سكان قاطية والمريح والجناين تمكنوا من الدخول إلى قراهم بعد أن انسحب الجيش المصري منها، إثر الاحتجاجات التي قام بها سكان هذه القرى خلال الفترة الماضية. وأضافت أن السكان دخلوا القرى مصطحبين أمتعتهم التي تمكنوا من إخلائها عند إصدار أوامر ترك القرى عقب هجوم تنظيم "ولاية سيناء" عليها نهاية يوليو/تموز الماضي. وأشارت المصادر إلى أن الأهالي صُدموا من حجم الأضرار التي أصابت القرى نتيجة قصف الطيران الحربي المصري، وكذلك الاشتباكات التي وقعت في القرى بين الجيش والتنظيم، بينما من المقرر أن يعود سكان اقطية، القرية الرابعة التي كانت تحت سيطرة التنظيم، إلى منازلهم، اليوم الاثنين، بعد الدعوة إلى التجمع بالقرب منها.
الأهالي صُدموا من حجم الأضرار التي أصابت القرى نتيجة قصف الطيران الحربي المصري والاشتباكات
وتعقيباً على ما سبق، قال أحد مشايخ قرية قاطية، طالباً عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن ما حصل مع المهجرين بعد وصولهم إلى قراهم، له وجهان، إما أن القوة الأمنية تعمدت وقوع خسائر في صفوف المواطنين من أجل إجبارهم على الخروج منها مجدداً، ومعاقبتهم على خروجهم في تظاهرات أجبرت الجيش على السماح لهم بالعودة، وخوفاً من تكرار ذلك السيناريو مع مناطق أخرى لا يريد الجيش التواجد السكاني فيها كما فعل في قرى رفح والشيخ زويد. واعتبر أن الوجه الآخر هو أن الجيش قصّر في القيام بمهامه بتطهير القرى بشكل كامل، على مدار الأسابيع الماضية التي تلت سيطرته عليها وانسحاب التنظيم الإرهابي منها، وفي ذلك استهتار بأرواح المدنيين، ووضعهم كطعم لأفخاخ "داعش" التي نصبها للجيش داخل القرى على مدار أسابيع سيطرته عليها.
وأضاف الشيخ القبلي أنه سيكون لمشايخ ووجهاء القرى حديث مع قيادة عمليات الجيش في المنطقة، للبحث في أسباب ما جرى، ومطالبته بتحريك فوري للقوات الهندسية بكافة معداتها للانتشار في القرى التي كانت مهجرة، وإزالة كل الأخطار التي تواجه المدنيين في أقرب وقت ممكن، منعاً لوقوع المزيد من الخسائر في الأرواح والممتلكات. وأشار إلى أن هناك ملفاً آخر يتمثل في تعويض المواطنين المتضررين من العمليات العسكرية التي وقعت في المنطقة خلال الأشهر الماضية، إذ إن عشرات المنازل والمزارع تضررت بشكل كلي، نتيجة القصف الجوي والمدفعي الذي نفذه الجيش، وكذلك جراء هجمات التنظيم خلال سيطرته على المنطقة، ومواجهته لقوات الجيش التي سعت للدخول إليها.
وكان تنظيم "ولاية سيناء" قد سيطر على قرى رابعة، والجناين، وقاطية، واقطية، والمريح، نهاية يوليو/تموز الماضي، في أعقاب هجوم مسلح عنيف على معسكر رابعة، فيما حاول الجيش، على مدار الشهرين الماضيين، السيطرة على القرى، من خلال تحشيد قوات عسكرية ضخمة، إلى أن تمكن من استعادة أجزاء واسعة منها. إلا أنه كان في الوقت نفسه يرفض عودة المهجرين إلى بيوتهم، بينما دفعت تخوفات الأهالي من تكرار سيناريو رفح والشيخ زويد في بئر العبد من خلال تهجير السكان، ورفض عودتهم إلى منازلهم وتعويضهم عنها، إلى التحرك في اتجاه الضغط على الجيش من أجل العودة، وهذا ما حصل على أرض الواقع.