الضفة الغربية... حسابات الاجتياح ومخاوف الاحتلال

22 يونيو 2023
نشر الاحتلال تعزيزات في الضفة بعد عملية "عيلي" (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

"ردنا على الإرهاب هو ضربه بقوة"، هكذا قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أمس الأربعاء، مع إعلانه موافقة حكومته على خطط لبناء ألف منزل جديد في مستوطنة "عيلي" في الضفة الغربية، التي قُتل فيها أربعة مستوطنين في عملية فلسطينية أمس الأول الثلاثاء.

لكن على الرغم من تلويح نتنياهو بالتحرك العسكري، ودعوات عدد من وزراء حكومته لتنفيذ عملية واسعة في الضفة الغربية، بهدف "استعادة الردع" في ضوء ما يحدث من عمليات فلسطينية ضد المستوطنين وأهداف إسرائيلية، إلا أن اتخاذ الاحتلال قرارا كهذا يبدو معقداً إذ تقف أمامه حسابات مختلفة، بعضها يشكك في جدوى أي عملية بل يتخوف من انعكاساتها، والبعض الآخر يدفع باتجاهها ولو لتحقيق تهدئة مؤقتة فقط.

وفي موازاة الفجوات بين حسابات المستويين الأمني والسياسي في إسرائيل، حول نوع العملية العسكرية وحجمها، هناك أيضاً انقسام داخلي في كل واحد من المعسكرين، بشأن جدواها والنتائج التي يمكن أن تحققها، لا سيما أن جزءاً كبيراً من العمليات الفلسطينية منذ مطلع العام نفذها أفراد لا يتبعون بالضرورة تنظيماً فلسطينياً معيناً.

كذلك تدور أسئلة في المستوى العسكري، وتحديداً لدى الجيش الإسرائيلي، عما بعد هذه العملية إذا حدثت، وهل ستبقى الوحدات العسكرية في قلب المخيمات، وإلى أي حد قد تتوسع هذه العملية، إضافة إلى القلق الدائم من إمكان إشعال جبهة غزة.

يضاف إلى ذلك، الحسابات السياسية لنتنياهو نفسه، في ظل علاقته المتوترة مع البيت الأبيض، وتوجيه الإدارة الأميركية انتقادات لاذعة لحكومته وخططها في الضفة الغربية، من قبيل التوسع الاستيطاني، بالإضافة إلى تحذيرها، على لسان أكثر من مسؤول أميركي، من الإقدام على خطوات من شأنها إشعال الأوضاع الأمنية في الضفة.

وبين حكومته المتطرفة، والتظاهرات الإسرائيلية ضد التعديلات القضائية وانتظار دعوة الرئيس الأميركي جو بايدن لزيارة البيت الأبيض، يحاول نتنياهو صياغة موقفه.

كما تبرز التحذيرات الأميركية من تأثير أي عملية في الضفة على مسار التطبيع الذي تدفع له إدارة بايدن بين الاحتلال ودول عربية.

وتدخل في حسابات المستويين الأمني والسياسي في إسرائيل كذلك، وحتى في موقف المعارضة، الأوضاع الداخلية التي تمر بها إسرائيل، في ظل مخطط الحكومة لتقويض القضاء، الذي يلاقي معارضة واسعة، حتى في صفوف جنود وضباط في الاحتياط، هدد بعضهم حتى بوقف أداء الخدمة في حال إقرار هذا المخطط.

نتنياهو يهدد

وقال نتنياهو إن حكومته وافقت على خطط لبناء ألف منزل جديد في مستوطنة "عيلي" بالضفة الغربية. وأضاف في بيان أمس الأربعاء: "ردنا على الإرهاب هو ضربه بقوة وبناء بلدنا". وجاء إعلان نتنياهو، بينما نشر الجيش الإسرائيلي أمس قوات إضافية في أنحاء الضفة الغربية المحتلة، إثر هجوم الثلاثاء في "عيلي".

نتنياهو: ردنا على الإرهاب هو ضربه بقوة وبناء بلدنا

لكن نتنياهو الذي يحاول اتخاذ موقف من الضغوط من داخل ائتلافه الحكومي لشن عملية في الضفة، يبدو أنه يفضّل تقديرات المستوى الأمني، في حين يتناسى أن قواته قتلت 130 فلسطينياً حتى الآن خلال العام الحالي، في حين سقط 24 قتيلاً في الجانب الإسرائيلي، وفقاً لإحصائية نشرتها "أسوشييتد برس" أمس الأربعاء.

وتواصل أطراف في الائتلاف الحكومي الدفع باتجاه عملية واسعة في الضفة الغربية، من بينها الوزير في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، اللذان استثناهما نتنياهو من جلسة تقييم الوضع الأمني بعد عملية "عيلي" الثلاثاء.

وبعد أن وصل بن غفير إلى موقع العملية مساء الثلاثاء، قرب مستوطنة "عيلي" بين مدينتي نابلس ورام الله، ودعوته لتنفيذ عملية واسعة في الضفة الغربية، عاد أمس الأربعاء، وفقاً لموقع "معاريف"، وتواصل مع المسؤولين في ديوان نتنياهو، معتبراً أن الوضع في الضفة الغربية لم يعد يُحتمَل ومطالباً بعقد جلسة لبحث شن هجوم واسع.

كما يدفع سموتريتش في الاتجاه نفسه، وذلك في ظل الضغوط التي يمارسها المستوطنون لاجتياح الضفة، مع استمرار العمليات الفلسطينية. على المستوى الأمني والعسكري، يبدو أن الموقف غير مكتمل بعد بشأن العملية التي يمكن أن يُقدم عليها جيش الاحتلال.

تحفظات الجيش الإسرائيلي وحساباته

وقال الباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، عوفير شيلح، في مقال نشره في موقع "يديعوت أحرونوت"، إن الجيش حتى الآن متحفّظ على عملية واسعة، ليس لأن الواقع الذي يراه مختلفاً، من حيث العمليات الفلسطينية وأدوات المقاومة وما حدث في جنين من تفجير عبوات ناسفة قوية بمركبات الاحتلال يوم الإثنين الماضي، ولكن لأن قادته يتخبطون مع مسألة ما سيحدث بعد ذلك، فضلاً عن المخاطرة بوقوع ضحايا وإصابات في صفوف القوات وضحايا في الطرف الفلسطيني.

شيلح: الجيش حتى الآن متحفّظ على عملية واسعة لأن قادته يتخبطون مع مسألة ما سيحدث بعد ذلك

ووفقاً لشيلح، يسأل جيش الاحتلال نفسه في حال الإقدام على عملية واسعة: "ماذا بعد؟ هل نبقى في قلب المخيمات؟ هل نقوم بعمليات مماثلة في مدن فلسطينية أخرى؟ هل نخاطر بإشعال جبهة غزة؟".

كما رأى الكاتب أن جيش الاحتلال يأخذ بعين الاعتبار الأوضاع السياسية في إسرائيل، وأن من بين المعارضين لخطة تقويض القضاء من يلوّحون بعدم تأدية الخدمة العسكرية وانعكاسات ذلك على الجيش.

وصرّح مسؤولون في المعارضة في مناسبات عديدة بأنهم يقفون خلف قرار الأجهزة الأمنية. ومن ضمن هؤلاء رئيس حزب "يسرائيل بيتينو" أفيغدور ليبرمان الذي دعا أمس الأربعاء إلى توسيع العملية العسكرية في الضفة الغربية. وقال ليبرمان وفق ما نقله موقع "معاريف": "حان الوقت لكي تستيقظ حكومة إسرائيل وتخرج إلى عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية".

كما نقل الموقع عن رئيس حزب "المعسكر الرسمي" بيني غانتس، قوله: "في هذا الوقت، هناك حاجة لاتخاذ إجراءات حازمة ومسؤولة بقيادة الجهات الأمنية. سندعم كل قرار صائب للحكومة في مواجهة الإرهاب القاتل".

مخاوف من العمليات الفردية

وفي سياق الحسابات الإسرائيلية، قال المحلل العسكري والأمني في موقع "والاه" أمير بوحبوط، إنّ "القلق الإسرائيلي لدى الجهات الاستخباراتية يكمن في المخاوف من عمليات فردية أخرى، تحاكي العملية التي نُفذت في عيلي"، كاشفاً أنّ "هذا ما طرحته الأجهزة الأمنية على نتنياهو خلال الجلسة التي بادر إليها لتقييم الأوضاع".

كما حذرت أجهزة الاستخبارات من أنّ "الجريمة القومية في الضفة الغربية قد تشعل الوضع"، في إشارة إلى اعتداءات المستوطنين المتكررة على الفلسطينيين، على غرار ما حدث ليلة الثلاثاء - الأربعاء في حوارة.

بوحبوط: القلق الإسرائيلي لدى الجهات الاستخباراتية يكمن في المخاوف من عمليات فردية أخرى

ووفقاً لبوحبوط، عرض مسؤولو المخابرات على نتنياهو الطريقة الجديدة لعمل حركة "حماس"، "وكجزء من ذلك، لم يعد القادة الميدانيون والمسؤولون في المقار الرئيسية في غزة وخارجها يبذلون جهداً لتجنيد النشطاء، بل يقومون بدلاً من ذلك بتمويل مجموعات محلية، من دون أن يطلبوا منها الالتزام أو اجتياز عملية تدريب. طريقتهم بسيطة: التمويل وتزويدهم بالأسلحة والذخيرة، مقابل القيام بعمليات. هذه الطريقة تزيد الصعوبات أمام أجهزة الاستخبارات (الإسرائيلية)، في تعقب الأفراد، مثلما حدث في عيلي".

من جهته، قال المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، إنّ أي عملية عسكرية في الضفة ستقود إلى تهدئة مؤقتة أيضاً في صفوف اليمين الإسرائيلي المتطرف. ورأى هرئيل أنّ عملية الثلاثاء قرب "عيلي" هي "عملية مباشرة من قبل حركة حماس، التي وجّهت هدفها نحو الخاصرة الرخوة، نحو الحركة في الشوارع بين المستوطنات".

وأشار إلى أنّ المستوى السياسي يحاول الدفع باتجاه ردّ واسع على أحداث جنين الأخيرة، التي تورط فيها جنود الاحتلال، لكن الأجهزة الأمنية تفضّل عملية محدودة، حتى لو سوّقتها للجمهور على أنها "حارس الأسوار 2". وقدّر هرئيل بأنّ الأجهزة الأمنية ستطلب الاكتفاء بعملية محدودة، تهدف إلى تهدئة مؤقتة في الميدان، وأيضاً إلى تهدئة اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي تطالب أقطابه بعملية عسكرية واسعة.

ولفت هرئيل إلى أنّ معظم العمليات التي وقعت في الضفة الغربية وداخل مناطق الخط الأخضر لم ينفذها أعضاء في منظمات، ولكن أفراد أو أعضاء في "خلايا محلية"، مثل "عرين الأسود" في نابلس، و"أبناء المخيم" في جنين.

وفي الوقت عينه، قال هرئيل إنّ قيادة جيش الاحتلال "تمكّنت عدة مرات من إقناع الحكومتين، الحالية والسابقة، بالاكتفاء بحملات اعتقالات تستند إلى معلومات استخباراتية من أجل منع انتشار العنف. ولكن الآن وعلى خلفية تصاعد الإرهاب والتوتر في الحلبة السياسية، يبدو أن ثمة حاجة لشيء مختلف"، على حدّ تعبيره.

وخلص المحلل العسكري في "هآرتس" إلى أنه "في نهاية المطاف، حتى لو قُتل مسلحون واعتُقل مئات المشتبهين الآخرين، فإنّ ما يمكن لقوات الأمن أن تتمناه هو تهدئة مؤقتة. مزيج الظروف الحالية، من حكومة يمينية متطرفة تعتمد على المستوطنين ومقابلها نظام فاشل وضعيف للسلطة الفلسطينية، لا سيما في شمال الضفة الغربية، لا يمكن أن يؤدي إلى الاستقرار".

ضغوط أميركية على نتنياهو

ولا تبتعد عن حسابات نتنياهو الضغوط الأميركية، وذكر موقع صحيفة "هآرتس" أمس الأربعاء أن الإدارة الأميركية، وجّهت في الأيام الأخيرة، تحذيرات إلى الحكومة الإسرائيلية على خلفية التصعيد في الضفة الغربية ومخططات بناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة في المستوطنات.

"هآرتس": الإدارة الأميركية وجّهت تحذيرات إلى الحكومة الإسرائيلية على خلفية التصعيد في الضفة الغربية

وبحسب الموقع، نقل مسؤولون في الإدارة الأميركية تحذيرات كهذه قبل العملية العسكرية في جنين، الإثنين. وجاء في التحذيرات الأميركية أن التصعيد الأمني وتوسيع المستوطنات سيمنعان إبرام اتفاقيات تطبيع أخرى بين إسرائيل ودول عربية، كما سيمنعان انعقاد اجتماع وزراء خارجية "اتفاقيات أبراهام"، الذي تطلق إسرائيل عليه تسمية "منتدى النقب"، كما نقل موقع "عرب 48".

ونقلت مساعدة وزير الخارجية الأميركية باربرا ليف، التي تزور إسرائيل حالياً، قسما من هذه التحذيرات الأميركية. وقالت أثناء لقائها مسؤولين إسرائيليين إن تدهوراً أمنياً في الساحة الفلسطينية، وبشكل خاص مواجهات عنيفة في الضفة أو القدس المحتلة، ستضع مصاعب أمام البيت الأبيض في دفع خطوات تطبيع.

وأشار موقع "هآرتس" إلى أن التخوف المركزي في واشنطن، حسبما تعالى من محادثات مع مسؤولين إسرائيليين، هو من اندلاع قتال متواصل في الضفة الغربية يؤدي إلى توتر أمني في القدس المحتلة أيضاً، الأمر الذي سيؤثر على موافقة السعودية على دفع خطوات تطبيع.

المساهمون