الصومال: الانتخابات الرئاسية مهددة بالأمن والخلافات السياسية

13 ابريل 2022
مركز للشرطة في مقديشو استهدفته "الشباب" في فبراير الماضي (حسن علي علمي/فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال التحدي الأمني في الصومال يهدد عملية التداول السلمي للسلطة في البلاد، فبعد المخاوف من تفجيرات أمنية في العاصمة مقديشو، برزت مخاوف جديدة من أن تُفشل التهديدات الأمنية عملية أداء اليمين الدستورية للنواب في 14 إبريل/ نيسان (غداً الخميس)، خصوصاً لنواب البرلمان الذين استلموا شهادات العضوية من اللجنة الوطنية للانتخابات المستقلة، والذين يفوق عددهم المئتي نائب من أصل 329 نائباً في غرفتي البرلمان (مجلس الشعب ومجلس الشيوخ).

وانتُخب حتى الآن 254 عضواً من غرفتي البرلمان، ويُنتظر انتخاب الأعضاء الباقين خلال الأيام المقبلة، بحسب مفوضية الانتخابات الوطنية. ويُفترض بعدها انتخاب رئاسة مجلسي البرلمان، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في غضون شهرين، والمؤجلة منذ أكثر من سنة بسبب الخلافات.

وتزايدت المخاوف الأمنية عقب اقتحام مسلحين من حركة الشباب معسكر حلني الذي يقع في محيط مطار آدم عدي في مقديشو في 23 مارس/ آذار الماضي، ومقتل ستة أشخاص، من بينهم أجانب.

تبع ذلك ضبط سيارة اشتبه في أنها تحمل مواد متفجرة بالقرب من مقر الحكومة الصومالية مطلع إبريل الحالي، فضلاً عن تفجيرات نفذها انتحاريان بأحزمة ناسفة في مدينة بلدوين (وسط البلاد) بعد أن تجاوزا نقاط التفتيش الأمنية وتمكنا من الدخول إلى قاعدة تابعة لحكومة ولاية هرشبيلي، ما أدى إلى مصرع نائبين في البرلمان.

هذه الهجمات التي تبنّتها حركة الشباب، أبرزت إمكانية تسللها إلى مناطق حساسة أمنية في البلاد، ما يضاعف حجم التحديات التي تواجهها الأجهزة الأمنية والقوات الأفريقية في تأمين الانتخابات الرئاسية.


وجهت المعارضة اتهامات إلى الرئاسة الصومالية باستخدام الجيش لتنفيذ أجندات خاصة

ويحتفل الجيش الصومالي في 12 إبريل من كل عام بذكرى تأسيسه، إلا أن احتفالات هذا العام سبقتها تحذيرات من أحداث أمنية تحيط بعملية الاحتفالات التي يتخللها عادة استعراض عسكري من فرق الجيش الصومالي، فضلاً عن اتهامات وجهتها المعارضة إلى الرئاسة الصومالية باستخدام الجيش لتنفيذ أجندات خاصة، ما دفع قيادة الجيش إلى تفنيد تلك التهم.

وقال نائب أركان الجيش عباس أمين، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إن مراسم احتفالية الجيش لن تختلف عن سابقاتها، ولا صحة للأنباء التي يتم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي، حول انحياز المؤسسة العسكرية للرئاسة الصومالية على حساب الحكومة الفيدرالية.

وفي السياق ذاته، أعلنت قيادة بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس) إجراءات أمنية جديدة داخل معسكر حلني لمدة ستة أيام، وذلك بعد اقتحام القاعدة من قبل عناصر من "الشباب"، لضمان أمن مقر اللجنة الوطنية للانتخابات وتأمين عملية أداء اليمين الدستورية، استعداداً لإجراء انتخابات رئاسية في غضون شهرين.

مخاوف من سعي "الشباب" لعرقلة الانتخابات الصومالية

وتعليقاً على هذا الوضع، قال الباحث في الشؤون الأمنية نور إبراهيم، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الأحداث الأمنية الأخيرة التي شهدتها البلاد تثير مخاوف من أن تطاول سير الانتخابات الصومالية التي تمر بمراحلها الأخيرة، نظراً لتوقيت تلك الأحداث والأماكن التي استهدفتها، وهو ما قد ينبئ بوقوع حوادث أمنية ذات أبعاد خطيرة أخرى.


هجوم "الشباب" على قاعدة حلني التي تضم مقر الانتخابات الرئاسية يعكس مدى إصرارها على إفشال الانتخابات

وأشار إبراهيم إلى أن الخلافات السياسية بين رئيس البلاد محمد عبد الله فرماجو ورئيس الحكومة الفيدرالية محمد حسين روبلي يمكن أن تغذي التحدي الأمني الموجود في البلاد، وأن تطيل أمد تنظيم الانتخابات، كما أنها ستمنح فرصة ذهبية لمقاتلي حركة الشباب.

وأوضح أن هذه الحركة تسعى لإفشال وعرقلة العملية الانتخابية في البلاد، وهجومها على قاعدة حلني التي تضم مقر الانتخابات الرئاسية في وضح النهار يعكس مدى إصرارها على إفشال الانتخابات المحلية، ما يشكّل تحدياً أمنياً جديداً على العملية الانتخابية.

وحول أسباب توقف الحملات العسكرية المشتركة بين الجيش الصومالي والقوات الأفريقية منذ مطلع العام الحالي لمكافحة "الشباب" والحد من تهديدها لأمن الانتخابات، قال إبراهيم إن الخلافات السياسية بين رأسي السلطة التنفيذية (رئاسة الحكومة ورئاسة البلاد) أثرت سلباً على تماسك الجيش الصومالي، ويمكن أن تفكك أيضاً وحدته لتأثره بالخلافات السياسية. ورأى أن هذا الأمر ساهم بشكل كبير في رفع سقف التهديدات الأمنية التي تواجهها البلاد، مشيراً إلى أن الملف الأمني لا ينفصل عن الخلافات السياسية بين القيادات الصومالية.

ولفت إلى أن الخلافات هذه المرة أتت فيما لم يتبقَ سوى أيام قليلة لأداء اليمين لأعضاء البرلمان الجدد، لكن الخلافات من شأنها أن تعيق إجراء الانتخابات الرئاسية، واحتمال تأجيلها بات وارداً نظراً لتداعيات الخلافات السياسية والتهديدات الأمنية. وأضاف أن الانقسامات بين رؤساء الولايات الفيدرالية إزاء الخلافات بين رأسي السلطة التنفيذية سبب آخر يمكن أن يعرقل مسار الانتخابات.

تداعيات خلاف روبلي وفرماجو

وفي السياق، أكد أستاذ الإعلام والباحث السياسي أحمد جيسود، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التجاذبات السياسية الجديدة التي تشهدها البلاد في الفترة الأخيرة ستقوّض مسار الاستحقاق الرئاسي، وستكون لها آثار عكسية على سير الانتخابات، نتيجة خلافات عدة وملفات شائكة بين روبلي وفرماجو.

ولفت إلى أن هذه الخلافات ازدادت حدة وتفاقماً بعد طرد رئيس بعثة الاتحاد الأفريقي السفير فرانسيسكو ماديرا، متأثراً بالخلافات بين القيادات الصومالية، إلى جانب إصرار لجنة الانتخابات الوطنية على قرارها بإعادة انتخابات أربعة مقاعد نيابية، من بينها مقعد مستشار الأمن القومي فهد ياسين. ورأى أن تلك الخلافات التي تحيط بالانتخابات أمنياً وسياسياً هي بداية أزمة جديدة قد تهدد مكتسبات ما أنجز خلال الأشهر الأخيرة من دفع لعمليات الانتخابات النيابية إلى الأمام.


أي تأجيل جديد للانتخابات قد يفاقم صعوبة الوضع السياسي والأمني الهش أصلاً

وقال جيسود إن أي تأجيل آخر للانتخابات، والتي استمر الجدل حولها منذ عام 2021، قد يفاقم صعوبة الوضع السياسي والأمني الهش أصلاً في العديد من مناطق البلاد. وأضاف أن الجماعات المسلحة المناوئة للحكومة يمكن أن تستغل هذه الخلافات لتصعيد هجماتها ضد الأهداف المدنية والحكومية على حد سواء، وهو ما حدث فعلاً في الأيام الأخيرة من هجمات انتحارية في كل من مقديشو ومدينة بلدوين وسط البلاد.

وبعد إعلان لجنة الانتخابات الفيدرالية في مارس الماضي عن إلغاء أربعة مقاعد، من ضمنها ثلاثة لولاية جنوب غربي الصومال ومقعد مستشار الأمن القومي فهد ياسين (مدير جهاز المخابرات السابق)، انفجر خلاف سياسي بين الحكومة الفيدرالية وولاية جنوب غربي الصومال.

ووجهت الولاية اتهامات إلى رئاسة الحكومة باستهداف مباشر لأعضاء الولاية في البرلمان دون غيرهم من نواب البرلمان الذين يمثلون بقية الولايات. وأعلن رئيس ولاية جنوب غربي الصومال عبد العزيز حسن، مطلع إبريل الحالي، قطع التعاون مع الحكومة الصومالية، حتى إلغاء قرار لجنة الانتخابات بشأن إعادة انتخاب مقاعد الولاية الملغية، وهي خلافات جديدة قد تؤدي إلى تأجيل انتخابات رئاسة مجلسي البرلمان قبل الانتخابات الرئاسية.

يذكر أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الصومال تأجلت منذ عام 2020، نتيجة الخلافات السياسية حول آلية تنظيمها بين رؤساء الولايات الفيدرالية والحكومة الصومالية، وهو ما فجَّر أزمات أمنية وسياسية في البلاد. ولا تزال تلك الخلافات قائمة وهو ما يثير مخاوف من أن تتطور إلى صراع مسلح في مقديشو إذا لم تتفق الأطراف الصومالية على آلية لإنهاء الخلاف وتنظيم الانتخابات الرئاسية. كما أن الأزمة الراهنة بين قيادات بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية والحكومة الفيدرالية يمكن أن تغذي الصراع السياسي في البلاد، من دون التوصل إلى حل لإنهاء الأزمة بين الجانبين.