الصواريخ الإيرانية لروسيا: قصيرة المدى وخاصة في المواجهات الحدودية

13 سبتمبر 2024
خلال عرض عسكري بطهران، 17 إبريل 2024 (مرتضى نيكوبازي/Getty)
+ الخط -

الصواريخ الإيرانية تحرك الجو الدولي حول حرب روسيا على أوكرانيا. ودخلت المعلومات الأميركية بتزويد طهران لموسكو بصواريخ بالستية، كعامل جديد في ظل تطورات الموقف العسكري، الذي شهد تصعيداً خلال الأسابيع الأخيرة في المعارك الحدودية البرية، وحروب الطائرات المسيّرة. ونشرت شبكة "سي أن أن" وصحيفة "وول ستريت جورنال"، الأسبوع الماضي، معلومات تفيد بأن إيران نقلت صواريخ بالستية قصيرة المدى إلى روسيا. وقالت الصحيفة الأميركية، وفقاً لمسؤولين غربيين، إن شحنة الصواريخ الإيرانية تشمل بضع مئات من الصواريخ البالستية قصيرة المدى.

وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، مستشهداً بمعلومات استخبارية، صحة ما جاء في الصحيفة. وقال، خلال زيارته لندن في التاسع من الشهر الحالي، إن معلوماته تمت مشاركتها مع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها في جميع أنحاء العالم، مضيفاً: "لقد تلقت روسيا الآن شحنات من الصواريخ الإيرانية البالستية". وكشف بيان صدر عن وزارة الخزانة الأميركية، أخيراً، أنه "في أواخر عام 2023، وقّعت إيران وروسيا عقداً لتوريد مئات الصواريخ. وفي صيف 2024، تم تدريب أفراد عسكريين روس على استخدام الصواريخ. واعتباراً من أوائل سبتمبر/أيلول 2024، تلقت روسيا أول شحنة من هذه الصواريخ البالستية من إيران".

معلومات عن أن عدد الصواريخ الإيرانية لروسيا لا يتجاوز 200 كدفعة أولى

روسيا لم تستخدم الصواريخ الإيرانية بعد

المعلومات التي كشف بلينكن عن بعضها، تقول إن موسكو لم تستخدم هذه الصواريخ بعد، ومن المرجح أنها سوف تدخل الخدمة خلال أسابيع ضد أوكرانيا. وعلى هذا، فإن إمداد الصواريخ الإيرانية يمكّن روسيا من استخدام المزيد من ترسانتها لأهداف أبعد عن خط المواجهة في أوكرانيا. وبحسب الوزير الأميركي، فإن "هذا التطور والتعاون المتزايد بين روسيا وإيران يهدد الأمن الأوروبي، ويوضح كيف يمتد نفوذ إيران المزعزع للاستقرار إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط". وذهب أبعد عندما تحدث عن أن روسيا تتقاسم التكنولوجيا مع إيران، بما في ذلك ما يخص القضايا النووية. ووفقاً لبيان البيت الأبيض، فإن تزويد إيران روسيا بالصواريخ "يمثل تصعيداً جذرياً في الدعم الإيراني لروسيا".

تحرك غربي لدعم أوكرانيا

تحركت واشنطن خلال أيام معدودة من أجل تشكيل رد فعل دولي ضد إيران، وأسفرت التحركات عن موقف رباعي، ضم الدول الأساسية الداعمة لأوكرانيا، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا. وقد قرر هؤلاء الشركاء فرض عقوبات جديدة على إيران تبدأ بشركة الطيران الإيرانية، المتهمة بنقل جزء من الصواريخ. كما فرضت واشنطن ولندن سلسلة عقوبات إضافية في الإطار الثنائي، تشمل أفراداً وكيانات وسفناً تتخذ من إيران وروسيا مقراً لها، لأنها تشارك في نقل "المساعدات الإيرانية الفتاكة إلى روسيا"، على حد تعبير البيان الأميركي. والأهم من ذلك قام بلينكن ونظيره البريطاني ديفيد لامي بأول زيارة مشتركة إلى كييف، أول من أمس، من أجل بحث سبل رد أوكرانيا على الخطوة الإيرانية.

نفت إيران الاتهام، لكن اللافت هو أن روسيا لم تسر معها على نفس الموجة. وأجاب المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف على سؤال حول صحة المعلومات التي نشرتها "وول ستريت جورنال" بقوله إن "إيران شريك مهم"، مشيراً إلى أن البلدين يطوران تعاونهما "في شتى المجالات الممكنة، بما يشمل أكثرها حساسية". واستغرق الأمر أكثر من 48 ساعة حتى يعلن الكرملين أن الاتهامات الموجهة لإيران في هذا الخصوص "لا تستند إلى أساس".

ومن الواضح هنا، أن إيران لا يمكن بأي حال أن تقر بالأمر، وليس أمامها سوى النفي. أما روسيا، فإنها تجد في الأمر ما يغيظ حلفاء أوكرانيا الغربيين، ولذلك تتصرف من موقع المكايدة، وتجد أن من حقها أن تستورد السلاح من دون طلب إذنٍ من أحد، هذا علاوة على الحرب النفسية.

المعلومات متضاربة عن كمية الصواريخ الإيرانية التي تسلمتها موسكو من طهران، لكن هناك شبه إجماع على أن عددها لا يتجاوز 200 صاروخ كدفعة أولى، وهي من طراز "فتح- 360"، الذي لا يتجاوز مداه 120 كيلومتراً، تم نقلها بواسطة السفن عن طريق بحر قزوين. وهذا الصاروخ حديث عهد في الخدمة. وفي يوليو/تموز 2023، أفادت الأنباء بأن إيران نجحت في اختبار إطلاق صاروخ أرض-أرض جديد محلي الصنع لأول مرة. ويتعلق الأمر بنظام إطلاق الصواريخ متعدد الفوهات "فتح-360" الذي يحمل صواريخ بالستية تكتيكية قصيرة المدى موجهة عبر الأقمار الصناعية. وتم الكشف عن وجود هذا النظام بمناسبة يوم الجيش الإيراني في 18 إبريل/نيسان 2022. ودخل خط الإنتاج، وأصبح في الخدمة مع الجيش وقوات الحرس الثوري البرية. وتفيد المعلومات المتداولة بأن نظام "فتح-360" مدمج مع شاحنة مدنية ثقيلة تحمل أربعة أو ستة أنابيب لإطلاق الصواريخ.

يتركز هدف الصاروخ الإيراني بصورة أساسية على المواجهات الحدودية

والصاروخ الإيراني منافس لصاروخ هيمارس الأميركي، وتعوّل عليه موسكو ليشكل قيمة إضافية في المعارك الدائرة، التي تخوضها القوات الروسية على عدة جبهات. وكلما طال أمد الحرب بدت روسيا بحاجة إلى السلاح، الأمر الذي بدأ بعد مضي أقل من 6 أشهر على الحرب. ومعروف أنها استوردت أسلحة وذخائر من الصين وصواريخ من كوريا الشمالية، وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ إلى إيران التي سبق أن زودتها بطائرات مسيّرة من طراز "شاهد"، لعبت دوراً مهماً في الحرب ضد أوكرانيا، خصوصاً في الغارات على العاصمة كييف. وهناك معلومات تفيد بأن طهران ساعدت روسيا على بناء مصنع خاص لتصنيعها على الأراضي الروسية.

إلحاق الأذى بقرى حدودية

وزن ومدى صاروخ "فتح -360" يحصران استخدامه على جبهات القتال والمدن والقرى القريبة، خصوصاً في منطقتي سومي وخاركوف، ولن يفيد روسيا أكثر من الحاق الأذى وبث الذعر في هذه المناطق. وعلى هذا فهو ليس سلاحاً سحرياً. وكون روسيا تطلق نحو 300 صاروخ بالستي بعيد المدى على المدن الأوكرانية كل شهر، فإن 200 صاروخ "فتح-360" التي تسلمتها من إيران لا تكفي لأكثر من 20 يوماً. وبالتالي، لن تحدث فرقاً كبيراً في مسار الحرب، خصوصاً أن دفاعات أوكرانيا تعترض عادة ربع الصواريخ الروسية.

تزويد طهران لموسكو بالصاروخ الجديد يطرح أكثر من سؤال، هل تنقص روسيا الصواريخ البالستية، وماذا تفيدها الصواريخ الإيرانية على مستوى المعارك المحتدمة على أكثر من جبهة؟ يمكن تلمّس الإجابة من خلال حديث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في السادس من الشهر الحالي أمام ممثلي قرابة 50 دولة، في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا، حيث دعا إلى تعزيز دعم الدفاع الجوي لضمان عدم نجاح الهجمات الروسية. ومن هنا يبدو توقيت الخطوة مهماً، في وقت تواجه فيه دفاعات أوكرانيا الجوية صعوبات كبيرة في مواجهة الصواريخ الروسية وهجمات الطائرات المسيّرة.

ولكن الدور المنوط بالصاروخ الجديد أكثر أهمية، وهو يتركز بصورة أساسية على المواجهات الحدودية، التي بدأت القوات الروسية تعاني منها على نحو واضح، خصوصاً على جبهة كورسك. وحسب المعلومات العسكرية المتداولة، فإن روسيا لا تعاني من نقص في الصواريخ البالستية بعيدة المدى، وما ينقصها هو قصيرة المدى لصد أي تقدم على الهجمات الحدودية، ولكن 200 صاروخ لا تكفي لمعارك شهر واحد، وهذا يعني أن ما تسلمته موسكو حتى الآن دفعة أولى.

والسؤال الثاني، هو كيف سيكون رد فعل الولايات المتحدة والشركاء الثلاثة (بريطانيا، ألمانيا، وفرنسا)؟ هل يقتصر على العقوبات أم أنها سوف تقوم بتزويد أوكرانيا بأسلحة نوعية، يمكن لها أن تؤدي إلى إبقاء التوازن الحالي قائماً، والاستمرار في استراتيجية نقل المعركة إلى الداخل الروسي، التي بدأت مع الهجوم الذي شنته القوات الأوكرانية في أغسطس/آب الماضي على أراضي مقاطعة كورسك الروسية، وتمكنت حتى الآن من السيطرة على مساحة تبلغ حوالي ألف كيلومتر مربع من الأراضي الروسية.

تعزيز التحالف الروسي الإيراني

إن تزويد طهران موسكو بهذا الصاروخ يعزز التقارب بينهما، ولكن قد تكون له نتائج عكسية على روسيا، وربما تحول إلى ذريعة لدى واشنطن من أجل السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ "أتاكمس"، وكروز "ستورم شادو" البريطاني الفرنسي الصنع، على أهداف في عمق روسيا. وقد وعد بلينكن، قبل زيارة كييف بمعية نظيره البريطاني لامي، بأن يكون متقبلاً لحجج الأوكرانيين. وقال "سنستمع باهتمام". غير أن الزيارة لم تسفر عن نتيجة ملموسة بسبب حسابات معقدة تترتب على استخدام صاروخ "ستورم شادو" ذي الفعالية العالية، والذي سبق تجريبه بضرب أسطول البحر الأسود الروسي، تبدأ من كلفة الصاروخ الواحد والتي تبلغ مليون دولار، ولا تنتهي عند احتمال رد روسيا بضرب قواعد لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في بولندا، ما يرتب تطبيق المادة الخامسة من ميثاق الحلف بالرد والانخراط في الحرب.

يبدو أن سر التحرك الأميركي السريع، يكمن في إعطاء أوكرانيا الضوء الأخضر لاستخدام أسلحة بالستية غربية في ضرب أهداف بعيدة المدى في الداخل الروسي. وفي حال حصل ذلك، فإنه سوف يؤدي إلى نقل الحرب إلى مستوى جديد، وتطوير استراتيجية اختراق حدود روسيا واحتلال مساحات من أراضيها، لإجبارها أولاً على تخفيف الضغط على جبهة شرق أوكرانيا، وإجراء مقايضة لانسحابها من الأراضي التي احتلتها حتى الآن.

يرى مراقبون أن قرار طهران تزويد موسكو بالصواريخ لاستهداف أوكرانيا سينعكس سلباً على آمال الحكومة الإيرانية الجديدة، التي تطمح إلى تهدئة التوترات مع الغرب. وقد جرى تقديم الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، بأنه رجل معتدل، وسيسعى إلى فتح قنوات مع الغربيين من أجل تخفيف العقوبات، بهدف تحسين الاقتصاد المحلي. وفي الأحوال كافة، لن تكون العقوبات الجديدة ذات طابع دراماتيكي، فعلى الرغم من تأكيد أكثر من مسؤول أوروبي أن تسليم أسلحة إيرانية لروسيا سيكون خطاً أحمر، وقد يؤدي إلى عودة بعض العقوبات التي تم تخفيفها جراء الاتفاق النووي عام 2015، إلا أنهم أصبحوا أكثر تردداً في الأسابيع الأخيرة. ومن العقوبات الجديدة التي تم فرضها، تبيّن أن القطاع المصرفي أو الاقتصادي مع إيران لم يتم التعرض له، بخلاف قطاع الطيران.

المساهمون