بعد نحو تسعة أشهر على إعلان رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، منتصف يوليو/تموز الماضي، إطلاق حملة واسعة للسيطرة على المنافذ البرّية والبحرية للعراق، كلّف بموجبها قيادة عمليات الجيش بإدارة ملف المنافذ الحدودية والموانئ البحرية للبلاد المطلة على الخليج العربي، ومنحها صلاحيات واسعة في هذا الإطار، نجحت هذه الحملة خلال الأشهر الماضية في الحدّ من نفوذ وهيمنة المليشيات المسلحة ومافيات التهريب في تلك المنافذ، خصوصاً في البصرة وديالى وميسان، المرتبطة حدودياً مع إيران.
كما أسهمت الحملة في رفع نسبة الموارد المالية المتحققة من تلك المنافذ، بنحو 30 في المائة عن السابق، والتي كانت تهدر بعمليات الفساد والتلاعب، وفقاً لمسؤولين عراقيين في هيئة المنافذ الحدودية. هؤلاء المسؤولون أكدوا لـ"العربي الجديد"، أن الحرب على الفساد ليست الهدف الوحيد من خطّة الحكومة العراقية لفرض سيطرتها على المنافذ، بل هناك ما هو أبعد من ذلك، ومنه وقف إدخال أشخاص من جنسيات مختلفة إلى البلاد وإخراجهم منها دون علم الدولة، فضلاً عن تهريب الأسلحة وغيرها، وما يرافق ذلك من أنشطة استخبارية سرّية.
فرضت قيادة العمليات العسكرية سيطرتها على 10 منافذ برية، و4 منافذ بحرية
ومنتصف يوليو/تموز الماضي، أصدرت قيادة الجيش العراقي بياناً، أعلنت فيه أنه وفقاً لتوجيهات رئيس الحكومة، شرعت قيادة العمليات العسكرية بفرض سيطرتها على 10 منافذ برّية، هي: الشلامجة، بدرة، المنذرية، سفوان، القائم، طريبيل، الشيب، زرباطية، أبو فلوس، وعرعر، إضافة إلى أربعة منافذ بحرية، هي: أم قصر الشمالي، أم قصر الجنوبي، أم قصر الأوسط، وخور الزبير، لافتة إلى أن هذه المنافذ أصبحت تتمتع بحماية أمنية كاملة من قبل الجيش العراقي. وأكد البيان أن "قوات الجيش ستقوم بحماية المنافذ مخولة بجميع الصلاحيات القانونية، لمحاسبة أي حالة تجاوز، ومن أي جهة كانت".
وأعقب بيان قيادة الجيش سلسلة تغييرات واسعة في إدارة المنافذ، شملت إقالة واعتقال عشرات الموظفين ومسؤولي الجمارك، وصدور أوامر بتكليف ضباط استخبارات وغيرهم من الجيش، للعمل بشكل مؤقت في إدارة عدد من المنافذ البرّية للعراق مع دول مجاورة. هذا الأمر دفع عدداً من المليشيات والجماعات المسلحة، إلى شنّ حملة إعلامية واسعة ضد الكاظمي ومسؤولين أمنيين عراقيين.
وفي هذا السياق، كشف مسؤول في مكتب الكاظمي، لـ"العربي الجديد"، عن قرب توسيع خطة ضبط المنافذ الحدودية، من خلال الاستعانة ببرنامج أمني ورقابي جديد بصدد تعميمه على كلّ منافذ العراق مع الجوار، أي مع تركيا وإيران وسورية والأردن والسعودية والكويت، إضافة إلى موانئ البصرة. وأكد المصدر أن "الحملة على المنافذ لا تتعلق فقط بملف الفساد وضياع مبالغ مالية ضخمة سنوياً جرّاء التلاعب برسوم التسجيل والجمارك وإدخال البضائع الفاسدة أو غير المطابقة، والتي تتم تحت حماية مليشيات وجماعات مسلحة تتقاسم النفوذ في ما بينها، بل له جانب أمني خطير نجحت الحكومة في التعامل معه وتحقيق تقدم فيه".
وأوضح المصدر في هذا الصدد، أن "الحدود كانت متاحة أمام دخول وخروج شخصيات سورية ولبنانية وإيرانية للبلاد ومنها، دون علم السلطات أساساً بذلك، مع إدخال مواد وبضائع خاصة، وحتى على مستوى الأسلحة والأنشطة الاستخبارية المختلفة عبر الحدود، بالإضافة إلى تهريب متورطين بقضايا إرهاب وجرائم جنائية، وكلّه من دون علم الدولة، لذا كان خيار إخضاع المنافذ لسلطة الجيش الحلّ الوحيد". وأكد المسؤول في مكتب الكاظمي، أن فرقاً من جهاز الاستخبارات العامة، واستخبارات الجيش العراقي، باتت تتشارك اليوم في إدارة الدخول والخروج من هذه المنافذ، التي باتت إلى حدّ كبير جداً تحت سلطة الدولة، بعد سنوات لم يكن بالإمكان معرفة الداخل والخارج منها بسبب هيمنة المليشيات عليها". وأشار المصدر في هذا السياق إلى أنه "تمّ خلال الأسابيع القليلة الماضية، إنهاء علاقة ما لا يقل عن 90 ضابطاً ومخلصاً جمركياً ومفتشاً من المنافذ بسبب علاقاتهم مع المليشيات ومافيات الجريمة والتهريب".
واعتبر المسؤول أن الحكومة بذلك "حققت منجزاً مهماً، يكاد يكون الفساد المالي أمامه بسيطاً، وهو ملف فرض سيادة القانون والدولة على تلك المنافذ، وهو ما يشكل حالياً أحد أبرز أسباب الاحتقان بين الكاظمي وبعض المليشيات، مثل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله وسيد الشهداء". وشدّد المصدر على أن "الفترة المقبلة التي تسبق الانتخابات (التشريعية المبكرة المقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل) ستشهد حملة أكبر على المعابر غير الرسمية، من أجل إغلاقها، وهي تحديداً المعابر مع إيران وسورية".
يشكل الملف حالياً أحد أبرز أسباب الاحتقان بين الكاظمي وبعض المليشيات الموالية لإيران
ويُقصد بالمعابر غير الرسمية، أو غير الشرعية، في العراق، والتي توجد على الحدود مع إيران وسورية، الفتحات التي تحدثها جماعات مسلحة متنفذة على الحدود، وتقوم من خلالها بإدخال البضائع والممنوعات من دون رسوم جمركية أو محاسبة ضريبية، وباتت أيضاً ممراً لعبور الأفراد.
ويملك العراق أكثر من 20 منفذاً برّياً مع إيران وتركيا والكويت والأردن وسورية والسعودية، فضلاً عن أربعة موانئ بحرية على مياه الخليج العربي، في محافظة البصرة جنوبي البلاد، ويقدر حجم التبادل التجاري الإجمالي في كلّ المنافذ بأكثر من 60 مليار دولار سنوياً.
وأوضح النائب العراقي، باسم خشان، أن مهمة حكومة الكاظمي في ملف المنافذ، هو إخضاعها لسلطة الدولة قبل أي شيء، وهي مهمة ليست سهلة على الإطلاق، خصوصاً أن جهات مسلحة وسياسية تتحكم بتلك المنافذ منذ سنوات طويلة، وهي تواجه خطوات الكاظمي بالضد، إذ إنها لا تريد التخلي عن سطوتها على تلك المنافذ، لأسباب سياسية وليست مالية فقط". ورأى خشان في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أنه "لو كانت إيرادات المنافذ الحدودية، تصل بشكل سليم إلى خزينة الدولة، لغطّت العجز المالي في موازنة الدولة العامة، لكن جزءاً كبيراً من هذه الأموال يذهب إلى الجهات التي تسيطر على المنافذ بقوة السلاح أو بالنفوذ السياسي والتهديد". وشدّد النائب العراقي، في حديثه، على "ضرورة استمرار الحملة الحكومية لفرض القانون وسيطرة الدولة على كافة المنافذ الحدودية، وعدم الرضوخ للضغوط السياسية أو الضغوط والتهديدات من قبل بعض الفصائل المسلحة".
هذا المطلب أكده السياسي العراقي عن محافظة صلاح الدين، ناجح الميزان، الذي اعتبر أن "الجهات الموالية لطهران، والمسيطرة على المنافذ الحدودية، لها أهداف غير تلك الاقتصادية، وهي عمليات إدخال الأسلحة والأشخاص وممارسة أنشطة كانت أوقفتها العقوبات الأميركية المفروضة على طهران وعلى النظام السوري، وحالت دون إتمامها، لذا فإن لهذه المنافذ أوجه استفادة (للمليشيات) غير تلك المرتبطة بالفساد المالي الذي يستشري فيها".
وأوضح الميزان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة العراقية تواجه ضغوطاً داخلية، وحتى خارجية، من أجل بقاء نفوذ الجهات السياسية والمسلحة المدعومة في منافذ العراق الحدودية، ما يستوجب مواصلة حملة إنهاء نفوذ تلك الجماعات، من أجل دعم الاقتصاد العراقي وحفظ أمن واستقرار البلاد بصورة عامة، بعد منع منافذ دخول الأسلحة إلى الفصائل من قبل إيران". ولفت إلى "اعتماد الحكومة العراقية على جهاز الاستخبارات لإدارة المنافذ الحدودية وإنهاء سيطرة الجهات المسلحة والسياسية عليها، هو لكون هذا الجهاز قد أبعد الأجهزة الأمنية عن التدخلات السياسية والضغوط الداخلية والخارجية، وما هو ما دفع الفصائل الموالية لإيران، إلى شنّ حملة ضده".
تكمن المشكلة الأساسية في المعابر غير الشرعية
وتعليقاً على ذلك، رأى الخبير في الشأن العراقي، حامد الموسوي، أن حكومة الكاظمي "لم تنجح حتى الآن في هذه المهمة، على الرغم من مساعيها المتواصلة لاستعادة السيطرة على المنافذ"، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المشكلة الرئيسية تكمن في المعابر غير الرسمية، مع حدود طويلة مثل تلك الموجودة مع إيران (1200 كيلومتر)، وسورية (600 كيلومتر)، على سبيل المثال، ومع انتشار المليشيات فيها، ما يجعل من عبور أو تمرير أنشطة المليشيات أمراً غير صعب". ودعا الموسوي إلى "تفعيل إجراءات الإغلاق وتعزيز القوات النظامية في أبرز نقاط الضعف بالمناطق الحدودية، وقبل كلّ شيء، أن تتمتع الحكومة بالجرأة لكشف تلك الجهات التي تعمل لخدمة جهات أخرى (خارجية) على حساب العراق".