قضت محكمة جنايات القاهرة المصرية، اليوم الأحد، بمعاقبة 35 معتقلاً من أهالي جزيرة الوراق، على خلفية رفضهم حملة "الإزالات" القسرية التي شنتها قوات الأمن على منازلهم قبل أكثر من 3 سنوات، بهدف إخلاء الجزيرة من السكان تنفيذاً لتعليمات الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك بواقع السجن المؤبد (25 عاماً) لمتهم واحد، والمشدد لمدة 15 عاماً لـ30 متهماً (غيابياً)، ولمدة 5 سنوات لـ4 آخرين.
وشملت قائمة المتهمين: إسلام محمد (السجن المؤبد)، وكامل سيد، وهمام شكري، وحنفي همام، وعبد الفتاح محمد (5 سنوات)، وأحمد زين العرب، وشعبان عبد الرحمن، ومحمود كامل، وعمرو عبد الفتاح، ومحمود جمال، وعصام علي، وخالد محمد، وصفوت سيد، وعاطف صلاح، ومصطفى محمد، وعبد الباري خالد، وسيد علي، وخالد علي، ويحيى زكريا، ونبيل عبد العزيز، وعلي أحمد، وأحمد رشدي، ومحمد رشدي، وعربي عكاشة، وحمادة حسن، وعادل جمال، وبكار حلمي، وهيثم سيد، ومحمد خالد، ورأفت عبد النبي، وخالد محمد، وأحمد حجاج، وسمير حسني، وشكل محمد، ويحيى شحات (15 عاماً).
جزيرة الوراق هي الأكبر في نهر النيل، وتشغل الأراضي الزراعية فيها أكثر من نصف مساحتها، وتنتج هذه الأراضي أجود أنواع المحاصيل، بينما يعمل معظم سكانها بالزراعة والصيد
وادعت النيابة العامة المصرية تورط المتهمين في "التعدي على الممتلكات العامة والخاصة"، و"استعراض القوة وقطع الطرق"، و"منع موظفين عموميين من ممارسة أعمالهم"، مستشهدة بـ"تصديهم لحملة مكبرة لإزالة المخالفات والتعديات على أملاك الجزيرة، بناءً على القرارات الصادرة من وزارات الزراعة والري والأوقاف، بالاشتراك مع الأجهزة التنفيذية في المحافظة".
وفي 16 يوليو/ تموز 2017، اقتحمت قوات مشتركة من الجيش والشرطة جزيرة الوراق النيلية بمحافظة الجيزة، بحجة هدم مجموعة من المنازل "المخالفة" في الجزيرة، ما أدى إلى اشتباكات بين الأهالي وقوات الأمن، التي أطلقت الأعيرة النارية "الخرطوش" وقنابل الغاز المسيلة للدموع، ما أسفر عن وفاة أحد أهالي الجزيرة، وهو سيد الغلبان، وإصابة واعتقال العشرات من الأهالي.
وقال رئيس الدائرة الخامسة (إرهاب) بمحكمة الجنايات المصرية، القاضي محمد السعيد الشربيني، إن "الأصل في الشريعة الإسلامية أن الأموال جميعها مردها إلى الله تعالى، أنشأها وبسطها وإليه مرجعها، مستخلفاً فيها عباده الذين عهد إليهم بعمارة الأرض"، مستطرداً بأن "ولي الأمر هو صاحب تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية، وهي مقاصد ينافيها أن يكون إنفاق الأموال وإدارتها عبثاً أو إسرافاً أو عدواناً"، على حد قوله.
وأضاف القاضي: "ويكون لولي الأمر أن يعمل على دفع الضرر قدر الإمكان، وأن يرد الضرر، فإذا تزاحم ضرران كان تحمل أهونهما لازماً، إتقاءً لأعظمهما، ويندرج تحت ذلك القبول بالضرر الخاص، لرد ضرر عام"، مستدركاً بقوله "إذا كانت المحكمة تؤكد قناعتها بحق الفرد في صون ملكيته، وتأمين الحقوق الناشئة عن علاقة تعاقدية، إلا أن ذلك لا يكون إلا في حدود الدستور والقانون، وألا تكون هذه الأموال من مصادر الثروة القومية التي لا يجوز التفريط فيها، أو استخدامها على وجه يعوق التنمية، أو يعطل مصالح الجماعة"، وفق زعمه.
وأصدر رئيس الوزراء المصري السابق شريف إسماعيل قراراً بنقل تبعية جزيرة الوراق إلى هيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان والمرافق، وتعيين رئيس لها من أجل إتمام خطة ما تسميه الحكومة بـ"تطوير الجزيرة"، والتي أعلنتها في مايو/ أيار 2017، وتهدف إلى تسليمها إلى مستثمرين إماراتيين لإقامة مشاريع استثمارية على حساب حياة ومنازل أهالي الجزيرة.
ومنذ ذلك الحين، توالت اﻻستدعاءات الأمنية لأهالي الجزيرة، من أجل الضغط عليهم لبيع أراضيهم ومنازلهم، للبدء في تطبيق خطة "التهجير" التي تتبناها الحكومة، الأمر الذي دفع العديد من أهالي الجزيرة – تحت تهديد الحصار والقمع الأمني – إلى التنازل فعلياً عن أراضيهم لهيئة المجتمعات العمرانية.
وفي نهاية عام 2018، تجدد الصراع من جديد على أرض الجزيرة، بعد محاصرة قوات الشرطة معدية "دمنهور"، وهي أهم المعديات التي تربط الجزيرة بمنطقة شبرا الخيمة من الناحية الشرقية، تحت ذريعة تشغيل عبارة تابعة للجيش مكانها، غير أن الأهالي تصدوا للشرطة لوقف عملية الإزالة، وتبع ذلك حضور قوات أكبر من الأمن المركزي والقوات الخاصة، إلا أن مدير أمن محافظة القليوبية أمر بسحب القوات خشية تطور الأحداث.
وجزيرة الوراق هي الأكبر في نهر النيل، وتشغل الأراضي الزراعية فيها أكثر من نصف مساحتها، وتنتج هذه الأراضي أجود أنواع المحاصيل، بينما يعمل معظم سكانها بالزراعة والصيد. وتبلغ مساحة الجزيرة 1850 فداناً، ويصل عدد سكانها إلى ما يقرب من 200 ألف مواطن، إذ تحتل موقعاً متميزاً كونها تربط بين محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية).
وكشفت مصادر حكومية مصرية لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق، عن تحركات حثيثة من قبل هيئة المجتمعات العمرانية والهيئة الهندسية التابعة للجيش، من أجل تنفيذ مخطط إخلاء الجزيرة، مبينة أن ضغوط الأجهزة الأمنية على الأهالي "أسفرت عن الاستحواذ على 300 فدان من أراضي الجزيرة، بعد اضطرار أصحابها لقبول التعويضات المقدمة من الحكومة".
وحسب المصادر ذاتها، فإن مخطط تطوير الجزيرة يشمل تقسيمها إلى 22 منطقة، بينها 6 مناطق استثمارية، ومنطقتان استثماريتان متميزتان (أبراج)، ومنطقة مولات تجارية، ومنطقة إسكان متميز، وحديقة مركزية، ومناطق خضراء مفتوحة، واثنتان مارينا يخوت، وكورنيش سياحي، ومنطقة إسكان استثماري، وطريق ومسارات مشاة، لافتة إلى أن حجم الإيرادات المتوقعة من مشروع التطوير يصل إلى 122 مليار جنيه، وفقاً لتقديرات الجهات المشرفة عليه.