عاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس السبت، لإنذار المصريين بقرب زيادة سعر رغيف الخبز، مؤكداً استمراره في سياساته "بغض النظر عن الشعبية والجماهيرية"، لأن "الله هو من يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء"، وأنه من "جاء به إلى كرسي الرئاسة وهو من يملك إبعاده عنه".
وأكد السيسي ما نشرته صحيفة "العربي الجديد" في 7 أغسطس/آب الحالي، عن إصداره توجيهاته بإعادة النظر في منظومة الخبز والدعم التمويني بالكامل، فأعلن في كلمة له أمس، أن وزير التموين علي مصيلحي يعمل على تعديل المنظومة "التي لا يمكن الإبقاء عليها بهذا الشكل مع تغيير الظروف". ولم يفصح عن طبيعة هذه التعديلات، لكنه كرر حديثه السابق عن استحالة استمرار الرغيف بخمسة قروش، قائلاً إنه يكلف الدولة خمسة وستين قرشاً. وحول هذه التطورات، كشف مصدر حكومي مطلع أنه من المرجح أن ينتهي تعديل منظومة الخبز تماماً خلال العام الحالي، على أن يتقرر بدء العمل بالمنظومة الجديدة مع بداية عام 2022 أو بداية العام المالي المقبل في أول يوليو/تموز 2022، نظراً لعدم قدرة الحكومة على تغيير أقسام كبيرة من الموازنة العامة، فضلاً عن مساسها بموازنات هيئات اقتصادية مختلفة.
ووفقاً للمصدر، فإنه يتم دراسة التعديل على خمسة محاور: إعادة النظر في سعر الرغيف وقيمته من النقاط التموينية، ووضع معايير جديدة أكثر صرامة تُمكّن من استبعاد ملايين المستفيدين الحاليين من المنظومة، وبحث إضافة سلع تموينية جديدة بأسعار مخفضة تكون أكثر جذباً من رغيف الخبر وتسعيرها بالنقاط، وتحديث المنظومة الإلكترونية للربط بين الجهات الموردة والمخابز، لإحكام السيطرة على كمية الإنتاج وتقليل الفاقد والمهرب، وأخيراً تتبع الإنتاج والحد من تسرب المنتج النهائي إلى السوق العامة بالتعاون مع وزارة الداخلية.
من المرجح أن ينتهي تعديل منظومة الخبز خلال العام الحالي
من جهته، قال مصدر إعلامي حكومي مطلع إن حديث السيسي كان مقصوداً به توجيه رسالة لوسائل الإعلام والمسؤولين بعدم التراخي في الترويج والتمهيد لقرار رفع سعر الخبز، بعد الشائعات التي تم ترويجها من قبل بعض الأجهزة لتقليل الاهتمام الشعبي به وامتصاص الغضب العارم الذي فوجئت الأجهزة بحجمه بعد حديث السيسي للمرة الأولى عن رفع الأسعار. وأضاف أن وسائل الإعلام التابعة للمخابرات تلقت تعليمات متضاربة خلال الأيام الماضية، ونُبهت إلى أن سياسة التعامل مع هذا الملف ربما تتغير على مدار الساعة، بسبب تباين نتائج الرصد الأمني لتأثير القرار، فتارة سيتم رفع وتيرة التمهيد للقرار، وتارة أخرى سيتم تجاهله.
كما حاولت هذه الوسائل أن تفعل إزاء البيان الرسمي الذي أصدره اتحاد الغرف التجارية مرحباً بتخفيض الدعم، ومقترحاً زيادة سعر الرغيف إلى عشرين قرشاً. وهذه ليست المرة الأولى التي يسبق فيها السيسي أدوات حكمه في التمهيد لقراراته التي يمكن تصنيفها بأنها ضد الفقراء، ثم تبحث أجهزة الدولة عن طرق لحل الأزمة أو تهدئة الغضب الشعبي، ثم تعمل على مسارات مختلفة لتحقيق ما أراده السيسي بصورة ملتفة على وعودها بمراعاة أسباب الغضب.
حدث هذا من قبل عند بداية تطبيق منظومة التسعير المتغير للمنتجات البترولية والتي أصبحت أمراً واقعاً حالياً، وعند بداية تطبيق منظومة الزيادة التدريجية في أسعار الكهرباء والمياه والغاز والبوتاغاز. كما حدث في أزمة التصالح في مخالفات البناء والتي شهدت أكثر موجات الغضب الشعبي وضوحا وحركية في سبتمبر/أيلول الماضي، ولكن تم في النهاية تطبيق تعليمات التصالح مع وقف البناء على مستوى الجمهورية، مع استحداث قرارات للتيسير على المواطنين مثل تخفيض القيم وتقسيطها.
ومنذ صعود السيسي للسلطة عام 2013، عمل على تخفيض عدد المستفيدين من دعم الخبز تدريجياً وتطبيق قواعد صارمة للاستفادة من السلع التموينية مخفضة السعر. وتحت ستار ما وصفته بـ"تنقيح منظومة الخبز لضمان وصول الدعم لمستحقيه" تم خفض عدد المستفيدين من الخبز المدعم يومياً من 81 مليون مواطن إلى 71 مليوناً بحلول العام الحالي، على الرغم مما شاب عملية التنقيح من مخالفات عديدة وصلت آلاف الحالات بينها إلى القضاء، بسبب التعسف في حذف الأسماء والتلاعب أو الخلط في بيانات المستحقين، ووجود أخطاء في عملية التقييم والبحث الاجتماعي. ومع ذلك استمر نحو 70 في المائة من الشعب المصري يحصلون على دعم الخبز، وهو ما اعتبره رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير التموين علي مصيلحي في بيانين أمام مجلس النواب هذا العام "أمراً جيداً ويؤكد حرص الدولة على توفير الأمن الغذائي للمواطنين".
ويعكس إصرار السيسي على اتخاذ مثل هذه القرارات التي تمس حياة السواد الأعظم من المصريين الفقراء، استهانته بالخطر الكامن في أكثر من 4700 قرية مصرية، بالإضافة إلى عشرات المدن الصغيرة الفقيرة في الأقاليم والضواحي الأكثر فقراً في القاهرة والإسكندرية، والتي يستحيل السيطرة عليها جميعاً في وقت واحد في حال اندلاع حراك شعبي بأي صورة، كما حدث في سبتمبر الماضي.
عمل السيسي على تخفيض عدد المستفيدين من دعم الخبز تدريجياً
وسبق لمصر أن شهدت انتفاضة شعبية تاريخية ضد الغلاء في يناير/كانون الثاني 1977 سميت بـ"انتفاضة الخبز"، بعدما أعلنت حكومة الرئيس الراحل أنور السادات اتخاذ إجراءات تقشفية لزيادة أسعار السلع الاستراتيجية ومنها الخبز، استجابة لشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، منها رفع سعر الخبز بنسبة 50 في المائة والسكر 25 في المائة والشاي 35 في المائة، وكذلك بعض السلع الأخرى، ومنها الأرز وزيت الطهي والبنزين والسجائر. ووصف السادات التظاهرات بأنها "انتفاضة حرامية" وأخمدها بالقوة وملأ السجون بآلاف المعتقلين.
وحافظ الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك على سعر الخبز المدعوم منخفضاً طوال فترة حكمه بما لا يزيد على خمسة قروش (رغم إلغاء العمل ضمنياً بعملة الخمسة قروش المعروفة في مصر بالشلن)، لكن السنوات السابقة لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، شهدت انتشاراً للفساد في منظومة الخبز والسلع التموينية بشكل عام، أدت إلى عدم وصول الدعم لمستحقيه والتوسع في الاتجار في الدقيق التمويني المدعوم من الدولة مع تردي مستوى الخدمة وتقليص حجم الرغيف وقلة مراكز البيع وتأخر التوريد. وهو ما تسبّب في أزمات عدة، كان تراكمها من الأسباب المساهمة في اندلاع الثورة، وتبلور ذلك في شعاراتها منذ اللحظة الأولى "عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية".