تتزايد الدعوات في السويد لـ"الاستعداد" للحرب مع روسيا في إطار غربي أوسع، مع اقتراب نيلها العضوية الكاملة في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وتشير النبرة المرتفعة للمستويات العسكرية والسياسية في استوكهولم إلى شبه يقين بوقوع الحرب.
السويد والتهديد الروسي
منذ بداية العام الجديد، حتى قبل مصادقة برلماني تركيا والمجر على عضوية السويد في ناتو، تبدو استوكهولم مستعجلة في ترسيخ القناعة بأنها تستعد للحرب، وكان القائد الأعلى للقوات المسلحة السويدية ميكائيل بيدين، ووزير الدفاع المدني كارل بوهلينفي، أكدا في "مؤتمر الدفاع المجتمعي والوطني"، في 7 يناير/كانون الثاني الحالي، أنه "قد تكون هناك حرب في السويد".
وتطالب التصريحات السويدية عن مخاطر الحرب بـ"تعجيل إعادة تسليح الدفاع المدني، وضرورة المساهمة الشعبية في قوة المقاومة السويدية" على أساس ما يسمى محلياً "الدفاع الشامل".
وتبعاً لنموذج الجارة فنلندا، الذي يعتبر كل الشعب مشاركاً في الدفاع، يكرر بوهلينفي، في مناسبات عدة القول، إنه "يجب على جميع السويديين (نحو 10.6 ملايين نسمة) الاستعداد للحرب"، بينما يشدد المسؤول العسكري بيدين على ضرورة انضمام الشعب إلى "الدفاع التطوعي (عن بلدهم)".
ويأتي خطاب السياسيين والعسكريين في السويد للمواطنين بالاستعداد للحرب على خلفية السؤال "إذا حدث (في السويد) ما يحدث في أوكرانيا اليوم أو غداً، فهل أنت مستعد؟"، وقال بيدين، يوم الاثنين الماضي، لقنوات تلفزيونية سويدية، إن "التهديد الحالي الكبير للسويد هو روسيا"، معبراً عن اعتقاده أن "الروس يواصلون شن حرب واسعة النطاق ويواصلون الاستثمار فيها" من دون أن يستبعد "أنهم قد يأتون إلينا".
السويد تودع 200 عام من الحياد
منذ أن اختارت السويد في 2005 نزع سلاح جزيرتها الحيوية في بحر البلطيق، غوتلاند، التي لا تبعد سوى نحو 280 كم عن جيب كالينينغراد الروسي (بين ليتوانيا وبولندا على البلطيق)، واعتبار أن "روسيا لم تعد تشكل تهديداً"، طرأ الكثير من المتغيرات على العلاقة الغربية الروسية.
وجاء قيام استوكهولم، خلال نهاية الأسبوع (السبت والأحد الماضيين)، ببدء تأمين "المعالم والكنوز الثقافية التاريخية" في جزيرة غوتلاند، ليعطي مؤشراً، محلياً وفي دول الجوار، على مستوى تدهور الثقة بين الجانبين الروسي والسويدي. ومع ضم روسيا شبه جزيرة القرم في 2014، تزايدت الاتهامات السويدية لموسكو بانتهاك مجاليها البحري والجوي.
ولطالما سعت استوكهولم إلى الاقتراب أكثر من الغرب ومن حلف ناتو عبر حكوماتها المتعاقبة، سواء من اليمين أو يسار الوسط، وذلك رغم تبنيها سياسة "الحياد" طيلة 200 عام (السويد لم تشارك في الحربين العالميتين الأولى والثانية).
وفي 2017، وصل تنسيق العلاقة مع الغرب إلى ذروته مع قرار استوكهولم زيادة عسكرة غوتلاند، التي تعتبر حيوية في سياق التدفق اللوجستي في منطقة بحر البلطيق، ومن وإلى فنلندا التي تمتد حدودها المشتركة مع روسيا لأكثر من 1340 كم. وتبنت وزارة الدفاع السويدية مضاعفة عدد الجنود من 400 إلى نحو 4500 على أرض الجزيرة، والدفع بأسلحة وآليات ثقيلة، وتبني فكرة "الدفاع الشامل" واستعداد الناس في السويد لتجديد مخزوناتهم الأساسية للبقاء أحياء، من دون تدخل السلطات، لفترات قد تمتد حتى 12 أسبوعاً (أو 90 يوماً).
وبالفعل، قامت السلطات في عام 2018، نتيجة ما سمته بـ"الاستفزازات الروسية"، بتوزيع كتيب على جميع الأسر في البلاد بعنوان "إذا كانت الأزمة أو الحرب قادمة" حول كيف ينبغي أن تكون الملاجئ المستخدمة، وما هي الأطعمة الجيدة التي يجب توفرها في حالة انقطاع التيار الكهربائي فترات طويلة.
بالإضافة إلى ذلك، جرى تذكير السويديين في المنشور بواجب الدفاع الشامل، الذي يقضي بإمكانية استدعاء جميع المواطنين في السويد الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و70 عاماً للمساعدة في الدفاع بمختلف المجالات.
"الدفاع الشامل"
انتقال السويد من "الحياد" إلى الانخراط التام في المجهود العسكري للأطلسي (واستوكهولم بلد منتج للسلاح والطائرات) وصل إلى ذروته بتقديمها مع فنلندا طلباً مشتركاً لعضوية الحلف، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022.
كل ذلك خلق مزيداً من التوتر مع موسكو التي لم يرق لها اقتراب الأطلسي إلى هذا الحد من حدودها الشمالية، وتصاعدت نبرة التحدي والتحذير من عواقب تلك العضوية على منطقة البلطيق عموماً.
وحثت السويد خطاها بشكل أسرع نحو الاندماج بالحلف الغربي، وشاركت في التدريبات والتمارين، كما تشارك في المناورات الكبيرة التي يجريها "الأطلسي" الشهر القادم، ويبرر القادة العسكريون في استوكهولم ذلك بأن بلدهم "في أصعب وضع أمني منذ الحرب العالمية الثانية"، كما أكد ميكائيل بيدين قبل أيام.
ولم يعد التوتر في منطقة بحر البلطيق محصوراً بين روسيا والسويد، بل يتوسع نحو جيران السويد الغربيين المؤكدين تضامنهم مع "شقيقهم الاسكندنافي"، حتى وإن لم يكن التهديد يطاولهم بصورة مباشرة في البلطيق.
ونقلت وكالة الأنباء النرويجية إن تي بي عن وزير الدفاع إيريك كريستوفرسن تضامنه مع السويد وتأكيده أنه "يجب على النرويجيين أن يكونوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم من دون تدخل السلطات مدةً لا تقل عن ثلاثة أيام".
وتنتشر عموماً في مجموعة الدول الشمالية والاسكندنافية حركة شعبية نشطة تسمى "الاستعداد الذاتي"، من خلال الاستعداد عبر تخزين مواد طبية وغذائية ومياه ووقود استعداداً لوقوع حرب.
وكان رئيس اللجنة العسكرية للناتو الأميرال روب باور أكد، أمام اجتماع وزراء دفاع الأطلسي في 17 يناير/كانون الثاني الحالي، صحة ما يقوم به السويديون وغيرهم في الحلف الغربي، معتبراً أن هذه الدول "تحتاج إلى الجهات الفاعلة في القطاعين الخاص والعام لتغيير التفكير من أننا كنا في عصر كان يمكن التنبؤ بكل شيء، وبتنا في عصر يمكن أن يحدث فيه أي شيء وفي أي وقت".
ويبدو أن نظرية "الدفاع الشامل"، التي زادت استوكهولم من التركيز عليها منذ ربيع 2022، باتت تسعى الآن لمواجهة ما يسمونه "السيناريو الأسوأ من خلال حرب هجينة" وشل البنية التحتية، وعليه، زادت السويد في العام الحالي استثماراتها في مجال الدفاع بمقدار 27 مليار كرونة سويدية، أي بزيادة قدرها 28 في المائة، هذا إلى جانب مضاعفة أعداد المجندين (يقوم على نظام القرعة).