بقيت السويد لنحو شهر تنتظر ما ستؤول إليه انتخابات 11 سبتمبر/ أيلول الماضي لناحية تشكيل الحكومة المحافظة، والدور الذي سيلعبه اليمين المتشدد "ديمقراطيو السويد"، بزعامة جيمي أوكيسون.
أمس الجمعة وضع ساسة المعسكر البرجوازي النقاط على الحروف، وذلك بعد الإعلان عن توصل رئيس الحكومة المرشح، وزعيم "حزب الاعتدال"، أولف كريسترسون، إلى تفاهمات مع بقية معسكره في حزبي "الليبراليين" و"الديمقراطي المسيحي"، على ما يشبه الرضوخ لليمين المتطرف لتأمين الأغلبية البرلمانية من بين 349 نائباً.
وعلى الرغم من صمود مختلف التيارات السياسية السويدية منذ 2014 بعدم منح اليمين المتشدد فرصة للتأثير على السياسات، بدا واضحاً أن تقدمه في الانتخابات الأخيرة نسف تماماً تلك الوعود في المعسكر البرجوازي. ففي العناوين العريضة حصل "ديمقراطيو السويد" على ما ظلوا يطالبون به من تشدد منذ نحو 8 سنوات. فالاتفاق بين قادة الأحزاب الأربعة على تشكيل الحكومة برئاسة كريسترسون، جعل أوكيسون في مرتبة شريك موثوق فيه، وسيحصل الرجل على مكتب ومستشارين، بجانب مكتب رئيس الحكومة، وهو مؤشر في الشكل على عمق تأثيره القادم.
كريسترسون، والذي قاد تغيير النهج من عزل اليمين المتطرف إلى إشراكه في القرارات، بدا غير محرج من الإعلان عن الاتفاق في مؤتمر صحافي أمس (الجمعة)، معيداً ذلك إلى ما سماه "تفويض الشعب السويدي". بل اعتبر أن ذلك يستدعي أخذ التفويض على محمل الجد "ليس لأن التغيير ضروري فحسب، بل ممكن أيضاً".
تشديد غير مسبوق
بصمة اليمين المتشدد في السياسة، وعلى الأقل للدورة البرلمانية حتى 2026، أنتجت تغييراً غير مسبوق على مستوى سياسات الهجرة.
ويشير الاتفاق المكون من نحو 60 صفحة إلى تحقيق "ديمقراطيو السويد" قضاياه الانتخابية كاملة، مطلقاً عليه تسمية "نقلة نوعية في سياسات الهجرة". فعلى مستوى التزام السويد باستقبال حصة لاجئين (كوتا) من خلال الأمم المتحدة، فرض الحزب خفض الرقم من 6400 سنوياً إلى 900 لاجئ.
بالإضافة إلى ذلك، سيلغى العمل بمنح تصاريح الإقامة الدائمة، وتحويلها إلى مؤقتة على أساس برامج تحضير اللاجئين لـ"العودة الطوعية" للأوطان الأصلية، وإدخال تشديدات على متطلبات لم الشمل للأسر، وتشديد شروط الحصول على الجنسية. يرى اليمين المتشدد أن تلك الإجراءات، وغيرها، ستجعل السويد أقل جذباً للاجئين، وهو بالفعل ما دفع قيادته للسفر إلى الجزر اليونانية سابقاً وحض اللاجئين على عدم السفر إلى السويد.
وكثيراً ما يمتدح أوكيسون سياسات رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان والسلطات اليونانية في التعاطي مع تدفق اللاجئين.
كثيراً ما يمتدح أوكيسون سياسات أوربان والسلطات اليونانية في التعاطي مع تدفق اللاجئين
وغير بعيد عن ربطه تفاقم الجريمة المنظمة وارتفاع عمليات القتل بتبادل الرصاص بين عصابات المخدرات بسياسات الهجرة، استطاع اليمين المتشدد فرض ما يراه مناسباً. فقد رضخ رئيس الحكومة القادم، كريسترسون، لتشديدات قانونية طالب بها المتشددون على مستوى فرض "مناطق تفتيش جسدي للعابرين والداخلين"، بتمكين الشرطة من توقيف أي شخص بدون لائحة اتهام وإجراء تفتيش وصلاحية منعه من دخول ضاحية أو منطقة ما.
وللتغلب على مصاعب إيجاد شهود يتجرؤون على الإدلاء بشهاداتهم حول أعمال القتل في الضواحي التي تقطنها أغلبية مهاجرة، ستمكن التعديلات الجديدة الشهود أن يكونوا "مجهولين" أمام المحاكم. بالإضافة إلى ذلك يحقق اليمين المتشدد أحد وعوده الانتخابية الأخرى، والمتعلقة بتسهيل نزع الجنسية وإسقاط الإقامة عن مرتكبي الجرائم من أعضاء العصابات، ورحليهم بعد قضاء محكومية مضاعفة.
وإذا كانت "حصة الأسد" في الاتفاقية من نصيب تيار اليمين المتشدد، فإن بقية الأطراف تبدو متحمسة لتحقيق بعض ما طرحته من وعود انتخابية، ففي الوضع الصعب الذي تعيشه البلد كبقية أوروبا على مستوى الطاقة، انتزع "المسيحي الديمقراطي" توسيع العمل بمفاعلات الطاقة النووية، وخفض سعر الوقود، وإصلاح النظام الصحي، وإدخال سقف للمزايا والبدلات النقدية للإسكان.
في كل الأحوال، خلال الفترة القادمة سيتعين على أولف كريسترسون عرض حكومته وبرنامجها على البرلمان السويدي الجديد (ريكسداغ) للحصول على ثقة الأغلبية، أو ألا يصوت 175 من 349 ضد تشكيلها. وذلك على ما يبدو، بحسب التحليلات المحلية في استوكهولم، سيجعل حزب الليبراليين بزعامة بيرسون يوهان، الذي اعتبر أن الاتفاقية تحتوي على "كل من الحلو والمر"، الأكثر خسارة وانقساماً مستقبلاً بسبب معارضة واسعة في صفوف قواعده الشعبية لهذا الاتفاق، مع اليمين المتشدد، الذي ينظر إليه على أنه بجذور نازية وعنصرية (في جبهة مقاومة الشمال النازية على وجه التحديد).
ويواجه أعضاء البرلمان الأوروبي عن الحزب الليبرالي حرجاً أمام الكتلة الليبرالية لتبرير قبوله التعاون مع اليمين المتطرف.
مع ذلك، يتوقع للحكومة القادمة أن تواجه سلسلة طويلة من التحديات التي ستخلق تصدعات بين أطراف الاتفاقية، وربما قبل أن تعود البلد إلى الانتخابات القادمة في غضون أربع سنوات، وهو بحد ذاته متغير آخر بعد أن اتسمت السويد بالاستقرار السياسي لعقود طويلة.