السودان.. ماذا بعد إنهاء مهمة البعثة الأممية؟

03 ديسمبر 2023
رئيس البعثة بيرتس واجه اتهامات بالانحياز لأحزاب الحرية والتغيير وتجاهل البقية (Getty)
+ الخط -

قرر مجلس الأمن الدولي إنهاء مهمة البعثة الأممية في السودان بعد شهور من التوتر بين البعثة والحكومة السودانية، ما يفتح الباب على أسئلة المرحلة القادمة وماذا بعد؟

وأنشئت بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال في السودان، في عام 2020، المعروفة اختصارا بـ"يونتاميس"، بناء على طلب من حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وعين الألماني فولكر بيرتيس رئيسا لها وممثلا للأمين العام للأمم المتحدة. وقبل أشهر من تكوينها النهائي وبدء بيرتيس مهمته، وقع انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 بقيادة قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، والذي أطاح بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وشهدت الفترة اللاحقة احتقانا سياسيا واسعا بعد الرفض الشعبي للانقلاب من خلال استمرار الاحتجاجات الشعبية بأشكالها المختلفة، فقادت البعثة مع الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية"إيغاد" جهودا لتسهيل حوار بين الانقلابيين والمدنيين انتهى بالتوقيع على اتفاق إطاري في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2022 لإنهاء حالة الانقلاب وتكوين حكومة مدنية بديلة ودمج قوات الدعم السريع في الجيش. 

غير أن البعثة ورئيسها فولكر بيرتيس، واجهت اتهامات متكررة بالانحياز لأحزاب الحرية والتغيير وتجاهل بقية المكونات السياسية في البلاد. وبعد الحرب مباشرة قررت سلطة الجنرال البرهان طرد فولكر بيرتيس واعتباره شخصية غير مرغوب فيها، وأمرته بمغادرة البلاد حالا، ثم طلبت في الأسبوع الماضي من مجلس الأمن الدولي، إنهاء مهمة البعثة ككل، بحجة الفشل الذي لازم آداء البعثة وعدم تحقيق أهدافها. وسرعان ما استجاب مجلس الأمن للطلب السوداني بتصويت 14 عضوا في المجلس لصالح إنهاء المهمة وامتناع روسيا عن التصويت ضمن القرار رقم 2715.


 وبمقتضى القرار، انتهت ولاية بعثة الأمم المتحدة في السودان، ودعيت البعثة إلى البدء فورا، في الرابع من الشهر الحالي، إلى وقف عملياتها ونقل مهامها إلى وكالات الأمم المتحدة وبرامجها وصناديقها، بهدف إنهاء تلك العملية بنهاية شباط/فبراير 2024. وذكر ستيفان دوجاريك، الناطق الرسمي باسم الأمم المتحدة، أن الحكومة السودانية أعلنت في خطاب لها التزامها بالانخراط بشكل بنّاء مع مجلس الأمن والأمانة العامة للأمم المتحدة بشأن صيغة جديدة متفق عليها.


ورحب قرار مجلس الأمن بتعيين الدبلوماسي الجزائري رمطان لعمامرة، مبعوثا شخصيا للأمين العام إلى السودان، بهدف استخدام مساعيه الحميدة مع الأطراف والدول المجاورة، لاستكمال جهود السلام الإقليمية، بما في ذلك جهود الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية. كما حث القرار الأطراف السودانية على الوقف الفوري للأعمال العدائية، وأعرب عن قلقه إزاء استمرار العنف والوضع الإنساني، ولا سيما انتهاكات القانون الإنساني الدولي والانتهاكات والتجاوزات الجسيمة لحقوق الإنسان، وشدد على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، ووفاء الأطراف بالتزاماتها في منبر جدة التفاوضي، والسعي إلى حل تفاوضي للصراع.


وتأرجحت ردود الأفعال حول الاستجابة وسرعة الاستجابة من مجلس الأمن للطلب، فالبعض يرى أنه خطوة متسرعة من جانب الحكومة التي تبحث عن كبش فداء خارجي بدلا من تحمّل مسؤوليتها عما آلت إليه الأوضاع في البلاد. والبعض انتقد استجابة مجلس الأمن دون أن يقدم المجلس خيارات أخرى للتعامل مع الوضع الأمني والإنساني في السودان. فيما هللت مجموعات سودانية واسعة لإنهاء مهمة البعثة التي فرضت -كما يقولون- وصايتها على البلاد طوال الفترة الانتقالية. 


واعتبر فتح الرحمن فضيل، رئيس حزب بناة المستقبل، أن قرار إنهاء مهمة البعثة الأممية تأخر كثيرا، بسبب انكماش السيادة السودانية في ظل الحكومة الانتقالية كلها منذ 19 أغسطس/آب 2019 وإلى الآن، عسكرية أو مدنية، مع تفاوت ذلك "إذ إن فترة حمدوك وقوى الحرية والتغيير كانت الأعلى اختراقا من الفترة العسكرية التي تلتها، ولكنها جميعها فترات ضعف سيادي وربما خنوع في بعضها" على حد وصفه.

وأكد فضيل لـ "العربي الجديد" أنه "ليس هناك مبرر لوجود هذه البعثة من الأساس وهي السبب المباشر في وصول البلاد للحرب. وقد مر السودان بثورتين سابقتين ولم يحتج لبعثة أو مخلب عمالة"، كما استبعد فرضية ذهاب مجلس الأمن للفصل السابع أو غيره لفرض بعثة جديدة أو قرارات جديدة، مضيفا: "هذه أحلام التمرد والقوى السياسية الموالية له، ولكن الآن المناخ الدولي العام يمضي في اتجاه مختلف، وعلى القوى الوطنية أن تتوحد لوقف التدخل السافر وإلى الأبد".


فيما يرى السفير جمال محمد إبراهيم، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن الأمم المتحدة استجابت لطلبه إنهاء مهمة يونيتامس، تقديرا لنظام الأمر الواقع في السودان، مشيرا إلى أن الخشية هى أن يرى أكثر الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أن إنهاء المهمة وسط تواصل التصعيد في البلاد، بما يهدد أمن وسلامة المدنيين، قد يفتح الباب للأمم المتحدة ومجلس الأمن لتدخل مباشر لإنهاء الحرب بدواعٍ إنسانية، مضيفا أن احتمالات اللجوء لتفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وفرض الوصاية بات أقرب للتطبيق، حسب توقعه.


من جهته، رحب محمد زكريا، الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة، بالقرار الأممي بإنهاء مهمة البعثة، واعتبره "مدماك" في مسيرة التعافي الوطني، ونصرا دبلوماسيا للسودان، مشيرا في تغريدة له على موقع إكس "تويتر سابقا" أن القرار ثمرة "لفشل البعثة الأممية في نطاق تكليفها، ولسلوك التزوير والانحياز لقوى الحرية والتغيير وعدم الحياد، ودعم البعثة لمطالب تعديل اتفاق جوبا في تضاد مع تفويضها، عدا عن إنتاجها الاتفاق الإطاري الذي فجّر الحرب".

وفي تصريح خاص لـ "العربي الجديد"، قال زكريا إن البعثة لم تلتزم بتفويضها في دعم الانتقال من أوجه عدة، وساهمت في تفجر الحرب، بتدخّلها في عمل الأجهزة الأمنية وتبنيها لعملية إصلاح أمني مؤسسي معيبة قادت إلى نشوب القتال المسلح، وساهمت كذلك في الاحتقان السياسي، بانحيازها السافر لقلة من المدنيين، وبالتحديد "مجموعة المجلس المركزي"، ورفضها للآخرين من القوى المدنية. وهذا السلوك دفع فئة من المدنيين إلى الاعتصام أمام القصر في أكتوبر 2021 وإغلاق طريق ميناء بورتسودان بواسطة مواطني الشرق رفضاً للإقصاء.

وأضاف زكريا أن البعثة لم تركز على أوجب واجباتها المتمثلة في تطبيع العلاقة المالية بين السودان والمؤسسات المالية الدولية. وفي المقابل، وجهت إمكانات البعثة المالية لدعم نشاطات وفعاليات دون شفافية مالية. وهو ما أشارت إليه المندوبة الروسية في مجلس الأمن بضرورة الوقوف على تقرير تفصيلي لأداء البعثة في تلميح لضرورة المحاسبة، كما خالفت تفويضها بمناهضتها لاتفاق جوبا لسلام السودان، ودعت إلى تعديله ضمن ما يسمى بورشة السلام.

وأكد زكريا أن إنهاء تكليف بعثة الأمم المتحدة فيه حفظ للسيادة الوطنية التي انتقصتها البعثة بلعبها لدور الوسيط المقرر، وغيابها سيجنب السودان فواتير باهظة. وحول البديل، اعتبر أنه "يمكن للمؤسسات الإقليمية كالإيغاد والاتحاد الأفريقي أن يسهما في تيسير الحوار السوداني السوداني، إضافة إلى الأمم المتحدة من خلال مبعوث الأمين العام، بيد أن الحل للمسألة السودانية يجب أن تكون سودانياً"، على حد وصفه.

 وبيّن أن القرار الأممي جاء مطابقا لموقف الحكومة السودانية، بتأكيده على حماية الأراضي السودانية والاستقرار السياسي والحل الوطني وعدم التدخل في الشأن السوداني، وهذا التوافق دليل على التزام السودان بالقوانين الوطنية والدولية ومؤشر لعلاقة إيجابية بين السودان ومجلس الأمن بعيداً عن الفصل السابع. وبالإضافة إلى غياب مبررات الفصل السابع، فإن التقاطعات الدولية الراهنة تجعل من اتفاق الدول صاحبة الفيتو في مجلس الأمن على قرار موحد ضد السودان احتمالا غير وارد في المستقبل المنظور.

ويربط المحلل السياسي صلاح الباشا بين مفاوضات جدة التي تمت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وبين القرار الأممي الأخير، مشيرا إلى احتمالية توافق الطرفين في جدة على إنهاء مهمة البعثة.

وقال لـ "العربي الجديد" إن إجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي يرمي إلى إعادة النظر لتطبيق الفصل السابع الذي طُبق سابقا في إقليم دافور، غرب البلاد، على مدى 12 سنة متصلة، وذلك لضمان حماية المدنيين من الموت اليومي، خصوصا وأن هذا الأمر من أولويات الأمم المتحدة، داعيا طرفى القتال إلى عدم التفاؤل والاعتقاد أن القرار الأممي في صالح أي منهما.

ورجح الباشا توجه مجلس الأمن في المدى القريب لإرسال قوات أممية للسودان بموجب الفصل السابع كما حدث في بلدان أخرى، فلا يمكن لمجلس الأمن تجاهل الحالة السودانية المتدهورة يوميا.

إلى ذلك، أكد محمد عبد الحكم، القيادي في قوى "الحرية والتغيير"، أن إنهاء تفويض بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال المدني أمر مؤسف للغاية، وظل حلما يراود فلول النظام البائد الذي وضح الآن من خلال حكومة الأمر الواقع عودتهم إلى مفاصل الدولة من جديد، واستردوا ضلالهم القديم الذي لم يجلب للبلاد سوى العزلة الدولية والغياب عن دوائر المجتمع الدولي.

واستدرك عبد الحكم، في حديث لـ"العربي الجديد"، قائلا: "رغم أن إنهاء تفويض يونيتامس كان متوقعاً بالنسبة لنا في قوى الحرية والتغيير، نظراً لسيطرة الفلول على حكومة الأمر الواقع، وعدم ترحيبهم بأي إسهام دولي يعيد المدنيين الديمقراطيين إلى المشهد، فالشعب السوداني الآن أحوج ما يكون لإسناد المجتمع الدولي وعونه، لا سيما مع الحرب العبثية التي قتلت بناته وأبناءه وشردت الملايين من مقار سكنهم وعملهم، لكن معلوم بالضرورة أن العسكر والطغاة يفضلون دائما التعامل مع بعثات ذات طبيعة عسكرية، ويخشون البعثات الدولية ذات الطبيعة التنموية والسياسية، لأن الأخيرة أكثر صلة بالمدنيين ومطالبهم، بينما البعثات ذات الطبيعة العسكرية والامنية تضع العسكر في مقدمة المشهد وفقاً لطبيعة تكوينها"، مؤكدا أن أمل القوى المدنية الديمقراطية لا يزال قائما في إسناد المجتمع الدولي للشعب السوداني، خصوصاً في دفع عجلة التفاوض لإنهاء الحرب واستعادة المسار المدني وصولاً إلى دولة الحرية والعدالة والسلام.