بعد أسبوعين من التوقيع على الاتفاق الإطاري بين المكوّن العسكري وتحالف قوى "الحرية والتغيير"، وهو الاتفاق المؤسِس لحل الأزمة السياسية في البلاد، أظهر العسكر العديد من التراجعات عن الاتفاق وروحه، وذلك قبل جفاف الحبر الذي كُتب به.
أقل ما يمكن أن يحققه الاتفاق الإطاري، هو تمتع السودانيين بحقهم الطبيعي في التجمّع والتظاهر، لكن خلال فترة الأسبوعين، لم تُبدِ السلطة الانقلابية حسن نوايا، وواصلت تعاملها العنيف مع التظاهرات السلمية، قاصدة بذلك توسيع الفجوة بين قوى "الحرية والتغيير" والشارع الثوري المتحفظ سلفاً على التسوية السياسية.
كما نفى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في خطاب أمام جنود وضباط الجيش في 14 ديسمبر/كانون الأول الحالي، وجود تسوية بالمعنى الذي فهمه البعض، وحذر مما عدّها محاولات اختطاف السلطة من جديد. وهنا أعاد البرهان نهج الوصايا الذي اتّبعه قبل انقلابه العام الماضي، وبالطبع لا ينسجم حديثه مع نصوص الاتفاق الإطاري التي تنأى بالجيش كلياً عن العمل السياسي.
قبل ذلك بيوم، وقّعت السلطة على اتفاقية مع شركات إماراتية لإعادة تأهيل ميناء أبو عمامة على ساحل البحر الأحمر، على الرغم من علم العسكر بأن مشروع الدستور الانتقالي الذي قبلوا به ينص على مراجعة أي اتفاق دولي وقّعه الانقلاب. ومن الواضح أن العسكر يريدون بذلك وضع عراقيل أمام أي سلطة مدنية مقبلة، لأن مشروع تحديث الميناء يجد مقاومة منذ فترة طويلة من أصوات قوية في شرق السودان.
بدوره، خرج عضو مجلس السيادة، مالك عقار، وهو حليف للبرهان بعد الانقلاب، في حوار تلفزيوني في 16 ديسمبر، ووجّه سهام نقده للاتفاق الإطاري، ووصفه بالضعف وأنه يحمل بذرة فنائه، وأن الموقّعين عليه أقلية. والمفارقة ليست في ذلك النقد، بل في أن حزب مالك عقار "الحركة الشعبية شمال" كان واحداً من الأحزاب الموقّعة على الاتفاق.
وجه آخر لتراجعات العسكر، ظهر في حديث رئيس هيئة الأركان الفريق أول محمد عثمان الحسين، خلال حفل تخريج دورتي الدفاع الوطني والحرب العليا بأكاديمية نميري العسكري، أمس الأول، وبحضور البرهان، حيث شن الحسين هجوماً على من أسماهم "الأبواق" التي تهزأ بإصلاح المؤسسة العسكرية. لكن الواقع أن هناك نصوصاً صريحة ضمن الاتفاق الإطاري، تهدف إلى إصلاح يصل إلى تكوين جيش وطني واحد.
المؤشرات تلك، تبيّن مدى تمسك العسكر بنهجهم القديم في المراوغات وكسب الوقت وعدم جديتهم في الالتزام بعهودهم، وتزيد شكوك المعارضين والمترددين تجاه التسوية السياسية، من باب عدم الثقة في العسكر.