يتواصل في العاصمة السودانية الخرطوم، هذه الأيام، حراك دبلوماسي كثيف، لتخفيف التوتر بين المكونين العسكري والمدني، الذي تفجر عقب محاولة انقلابية فاشلة الأسبوع الماضي.
وكانت كل من الولايات المتحدة، وفرنسا، والنرويج، قد أرسلت، منتصف الأسبوع الجاري، مبعوثيها الخاصين للسودان، للحيلولة دون تأزم الأوضاع، وانهيار الشراكة بين العسكريين والمدنيين التي مضى عليها عامان، أعقبت سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
ولم تكتف الولايات المتحدة بتحركات مبعوثها الخاص، جيفري فيلتمان، وعززته بمساعد وزير الخارجية، بريان هنت، الذي وصل الخرطوم، أول من أمس الثلاثاء، بينما يجتهد فلوكر بيرتس، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، رئيس البعثة الأممية المتكاملة لدعم الانتقال في السودان، في تشجيع الطرفين على الحوار للخروج من الأزمة الراهنة.
ودخلت دولة جنوب السودان، كجهة خامسة، على خط الحراك الدولي، وهي التي توسطت في مفاوضات السلام، وأرسلت بتوت قلوك من أجل التدخل باعتبارها راعية للعملية السلمية.
رسائل في بريد العسكر
وضع مبعوث الولايات المتحدة، جيفري فيلتمان، رسائل واضحة في بريد المكون العسكري، حذّره فيها بطريقة ناعمة من تعطيل عملية الانتقال الديمقراطي، وهدد بتدخل الكونغرس الأميركي لوقف دعم السودان، مشيراً إلى أن تكرار المحاولات الانقلابية سيتسبب في إعاقة جهود إدماج السودان مع المجتمع الدولي لا سيما المؤسسات المالية.
ولم يكن حديث المبعوث الأميركي بعيداً عن قانون خاص للانتقال الديمقراطي في السودان، أجازه الكونغرس في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، يوجب على الرئيس الأميركي تقديم الدعم لجهود حماية حقوق الإنسان، وبسط سلطة القانون، والحكم الديمقراطي. وينص القانون على عقوبات على كل مسئول يعرقل الانتقال الديمقراطي، وتتراوح تلك العقوبات بين تجميد الأصول، وإلغاء تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة، وغيرها.
وضع مبعوث الولايات المتحدة، جيفري فيلتمان، رسائل واضحة في بريد المكون العسكري، حذّره فيها بطريقة ناعمة من تعطيل عملية الانتقال الديمقراطي
من جهته، وفي تصريحات عقب لقائه برئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، ذكر جان ميشيل ديموند، المبعوث الفرنسي للسودان، أن بلاده والمؤسسات الدولية ترفض أي ممارسات تعيق مسيرة الانتقال السياسي، ودعا الأطراف للتعاون من أجل الحفاظ على عملية الانتقال والتحول الديمقراطي، مؤكداً أن فرنسا تدعم الحكومة الانتقالية وتعمل على مساعدة السودان للمضي قدماً في الانتقال السياسي إلى حين الوصول للانتخابات، وتكوين الحكومة المدنية المنتخبة التي يرتضيها السودانيون.
أما المبعوث النرويجي أندريه ستانس، فقد دعا في لقاءاته مع المسؤوليين السودانيين، إلى أهمية حماية الفترة الانتقالية، والتحول السياسي الذي يشهده السودان، مشيراً إلى رفض بلاده للمحاولة الانقلابية الفاشلة، ودعمها للمؤسسات لا الأفراد، وحث المكون العسكري والمدني على التعاون بغرض الوصول إلى مرحلة الانتخابات التي تفضي إلى تكوين حكومة مدنية ديمقراطية.
ونوّه ستانس إلى أن الأحداث التي وقعت خلال الفترة الماضية تجعل الطرفين في مركب واحد، وشدد على ضرورة توسيع قاعدة المشاركة في الحكومة الانتقالية، وإعطاء نسب للشباب والمرأة. ولفت الانتباه إلى أن نجاح الفترة الانتقالية يضمن دعم الأصدقاء من دول الترويكا ودول الجوار؛ في حين أكدت وزيرة خارجية النرويج، إيني ماري إيركسون، على ذات المضامين في اتصالات هاتفية مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان.
وليس بعيداً عن حراك المبعوثيين الدوليين، تأتي زيارة رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس، الذي وصل للخرطوم أمس الأربعاء. هذا الأخير ربط في تصريحاته ما بين التنمية التي يريدها السودانيون والاستقرار، وكرر الدعوة للمدنيين والعسكريين من أجل التعاون.
مؤتمر دولي لتقييم الوضع
وجاء الحراك الدبلوماسي الدولي في الخرطوم، بالتزامن مع مؤتمر دولي افتراضي نظمته النرويج لتقييم الوضع في السودان، بمشاركة عدد كبير من وزراء الخارجية، والأمين العام للمتحدة أنطونيو غوتيريش، الخميس، والذي حذّر في كلمته من تعقيدات المشهد السوداني، ما يتطلب العمل على حماية المدنيين، مشيراً للمحاولة الانقلابية الأخيرة كواحدة من مظاهر التحديات والمصاعب.
ردود الأفعال
العسكريون، من جانبهم، حاولوا طمأنة الضيوف الدوليين، بإظهار حرصهم على استكمال عملية الانتقال الديموقراطي، وصولا لمرحلة الانتخابات مع نهاية الفترة الانتقالية، كما فنّدوا وجود أي ارتباط لهم بالمحاولات الانقلابية الأخيرة، واستدلوا بإبطال الجيش السوداني وحده للمحاولة، كما جددوا التزامهم بالوثيقة الدستورية الموقعة بينهم وقوى إعلان الحرية والتغيير، وباتفاق السلام الموقع مع الحركات المسلحة، وأعادوا مقترحاتهم بتوسيع قاعدة المشاركة في الفترة الانتقالية، وهي المقترحات التي يبدي المدنيون قلقاً منها لجهة أن المكون العسكري يريد بها تغيير المعادلة السياسية في البلاد وتصدر المشهد السياسي.
وفي ظل الحراك الدبلوماسي الكثيف، لم تظهر نتائج على الأرض حتى الآن، إذ عمد تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير الحاكم إلى دعم مواكب الخميس، التي رفعت شعارات مدنية الدولة، وطالبت العسكريين بتسليم رئاسة المجلس السيادي، ونقلها للمدنيين، طبقاً لما جاء في الوثيقة الدستورية، كما شددت على أهمية إصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية، فيما رد المكون العسكري بخطاب ساخن لرئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أمام ضباط وجنود جهاز المخابرات العامة، اليوم الخميس، أعاد فيه الاتهامات لـ4 أحزاب سياسية باختطاف للتحالف الحاكم، قائلًا إنها التي تتحكم، حسب قوله، في القرارات المصيرية دون تفويض منه، مشيراً إلى أن تلك الأحزاب لن تسطيع وحدها فعل شيء. ورد البرهان، بعنف على دعوات أطلقها قياديون بالحرية والتغيير حول حل جهاز المخابرات العامة، داعياً الضباط والجنود لعدم الالتفات لتلك الأقاويل.