السودان: تمادٍ في القتل خلال ثالث أشهر الانقلاب

29 يناير 2022
متظاهر في مليونية 24 يناير بالخرطوم (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -

يتزايد العنف بحق مناهضي الانقلاب العسكري في السودان في الفترة الأخيرة، في ظل الانسداد الواضح لأفق الحلول السياسية للأزمة التي خلّفها انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وفي شهر يناير/كانون الثاني الحالي، الثالث من عمر انقلاب قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ارتفعت معدلات القتلى والمصابين والمعتقلين، بعد انخفاض نسبي في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهو الشهر الذي صادفت بدايته عودة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى منصبه بعد إقالته بواسطة البرهان، وذلك بموجب اتفاق بينهما.

وحينها قال حمدوك بعد التوقيع على الاتفاق، إن هدفه، من ضمن أهداف أخرى، حقن دماء السودانيين.

لكن مع استقالة حمدوك في 2 يناير الحالي، عادت أدوات القتل لتصطاد مزيداً من الضحايا، حتى بلغ العدد خلال الشهر الحالي 24 شخصاً من المشاركين في الحراك الثوري ضد الانقلاب، من أصل 78 قتيلاً هم حصيلة القتلى منذ الانقلاب العسكري.

ارتفاع عدد قتلى الانقلاب في السودان

ووفق هذه الأرقام سقط في شهر يناير، حتى اليوم، ثاني أكبر عدد قتلى في أشهر الانقلاب، بعد شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وشهد نوفمبر الماضي، مقتل 29 متظاهراً، 16 منهم سقطوا في مليونية 17 نوفمبر.

في المقابل، سقط 16 قتيلاً في أكتوبر الماضي، أغلبهم في اليوم الأول للانقلاب، بينما سجل شهر ديسمبر الماضي، أقل عدد من القتلى بسقوط تسع ضحايا.

وتصاعدت الحصيلة أخيراً، خصوصاً بعد مقتل ضابط برتبة عميد في الشرطة، واتهمت التحقيقات الشرطية اثنين من المتظاهرين البارزين في الحراك الثوري بقتله طعناً بالسكين، خلال مواكب 13 يناير الحالي بوسط الخرطوم.

وقُتل في الموكب الذي تلا الحدث ثمانية متظاهرين، مع جرح أكثر من 150 آخرين، معظمهم بالرصاص.


تصاعدت الحملة ضد المتظاهرين خصوصاً بعد مقتل ضابط برتبة عميد في الشرطة

ولم يكن يناير شهراً للموت فقط، فقد أصيب المئات خلال ثمانية مواكب خرجت في أيام متفرقة خلال الشهر، بإصابات متفاوتة معظمها بالرصاص، طبقاً لإحصاءات لجنة أطباء السودان المركزية. 

وفي نهاية شهر ديسمبر الماضي، منح قائد الانقلاب الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وبموجب قانون الطوارئ، السلطة من جديد لجهاز المخابرات العامة والقوات النظامية الأخرى للقبض على الأشخاص، ولو تحت قاعدة الاشتباه، وحجز الأموال والممتلكات، وحظر أو تنظيم حركة الأشخاص، مع منح أفراد القوات التي تنفذ القانون، حصانة تحول دون اتخاذ أية إجراءات قانونية في مواجهتهم إلا بإذن من مجلس السيادة.

وذلك، بتقدير كثيرين، ما وسّع دائرة الاعتقال، على المستوى الأفقي، باعتقال العشرات من ناشطي لجان المقاومة السودانية، الجسم الذي يقود ويوجه حالياً، الحراك الثوري بأشكاله المتنوعة.

وتجنبت سلطات الاعتقال، حتى الآن، المساس بأي من القيادات الحزبية أو القيادات الناشطة في المجتمع المدني، باستثناء حالة توقيف رئيسة مبادرة "لا لقهر النساء"، أميرة عثمان، يوم السبت الماضي.

ويزيد ارتداد السلطة الانقلابية ومحاولاتها تشديد قبضتها الأمنية، قلقاً وإحباطاً لدى كثير من الجهات الدولية التي انتزعت تعهّدات من السلطة بوقف العنف تجاه المتظاهرين السلميين، مثل الولايات المتحدة التي أوفدت مساعدة وزير الخارجية مولي في، والمبعوث الأميركي للقرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد للخرطوم، وخرجا في 20 يناير الحالي بالتزامات من العسكر، بإنشاء واستدامة بيئة سلمية للسماح للعملية السياسية بالمضي قدماً.

ودان المسؤولان الأميركيان، استخدام القوة غير المتناسبة ضد المتظاهرين، ولا سيما استخدام الذخيرة الحية، والعنف الجنسي، وممارسة الاحتجاز التعسفي.

ودعوا إلى إجراء تحقيقات شفافة ومستقلة، في الوفيات والإصابات التي حدثت، ومحاسبة جميع المسؤولين عنها.

وما أن ختم المسؤولان الأميركيان زيارتهما للسودان، حتى تواصلت الأساليب نفسها بحق المتظاهرين، ما دفع مولي في، إلى التغريد على حسابها على "تويتر"، لإبداء استنكارها لما حدث عقب مقابلتها لرئيس مجلس السيادة ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي"، والتزامهما الصريح بالحوار.

واعتبرت أن أفعالهما تخالف أقوالهما، بالتعامل بمزيد من العنف مع المتظاهرين، والاعتقالات في أوساط نشطاء المجتمع المدني، التي سيكون لها تبعات، وفقاً لما جاء في التغريدة.

إحباط بعثة الأمم المتحدة في السودان

أما الإحباط الأكبر نتيجة العنف المتزايد بحق المتظاهرين، فلربما أصاب بعثة الأمم المتحدة في السودان لدعم الانتقال الديمقراطي، والتي تجري مشاورات سياسية، دخلت أسبوعها الثالث، تمهيداً لحوار بين السودانيين ينهي الأزمة الحالية، ويخرج بتوافق لإدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية.

وترى البعثة أن استمرار العنف يقوض جهودها. ودانت البعثة أخيراً مقتل ثلاثة متظاهرين خلال مليونية 24 يناير الحالي.

كما انتقدت بشدة قرار توقيف رئيسة مبادرة "لا لقهر النساء"، مشدّدة في أكثر من مناسبة على وجوب احترام الحق في التعبير.

وحيال هذه التطورات، يفسر القيادي في تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، شهاب إبراهيم، لجوء السلطة الانقلابية نحو زيادة وتيرة العنف، للتباين داخل السلطة بين تيارين.

ويرى في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن التيار الأول يراهن على استخدام كل ما هو ممكن لوقف الحراك الثوري، وتفكيك الحركة الجماهيرية، بينما يسعى التيار الثاني إلى الحوار مع القوى السياسية، شرط توفير ضمانات للمكون العسكري بعدم المحاسبة على كل الانتهاكات في السنوات الماضية، بما في ذلك جريمة فض اعتصام محيط قيادة الجيش في عام 2019.

ويشير إبراهيم إلى أن تيار العنف لن يحقق هدفه بإخماد نار المقاومة الشعبية ضد الانقلاب العسكري، مهما كان الثمن، ولن يكون هناك مجرد تراجع ولو طفيفاً، بل ستكون النتائج عكس ما يشتهيه تيار العنف.

ويوضح أن الحرية والتغيير تسعى لتقليل العنف والحد معه بطريقتين. الطريقة الأولى هي استحداث أدوات ووسائل جديدة للمقاومة لم يكشف عنها، والثانية هي توحيد صفوف قوى الثورة الحية، وهي خطوة يقول إنها تسير ببطء بسبب إفرازات السنتين الماضيتين، لكنها ستصل في النهاية لغايتها.

أما المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين، محمد الأسباط، فيرى في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن سلطات الانقلاب وخلال أكثر من شهر، لجأت إلى استخدام آخر أسلحتها، باستخدام أسلوب التخويف، عبر الرصاص وإطلاق النار مباشرة على المتظاهرين، واستخدام كافة أشكال العنف من اعتقال وإخفاء قسري، ظناً منها أن هذا سيوقف حركة الاحتجاجات الشعبية. ويعتبر أنها بذلك تقرأ من نفس كتاب كل الطغاة، ويفوتها أن سقوط شهيد واحد سيشعل المزيد من الغضب ويوسع دوائره.

ويستشهد الأسباط بما جرى في الأسابيع الماضية، فمع كل شهيد يزداد المشاركون في الحراك الثوري، سواء بالعدد أو بتزايد عديد الأمكنة والمدن المنتفضة، مؤكداً أن كل ذلك سيؤدي إلى نتيجة واحدة، سبق أن وقع مثلها في أكتوبر 1964 وفي إبريل/نيسان 1985 وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، والتي أدت جميعها إلى سقوط الأنظمة العسكرية عبر الثورات الشعبية، وستقود حتماً لسقوط الانقلاب الحالي.

الانقلابيون واستخدام أقصى درجات العنف

من جهته، يقول يوسف حمد، أمين وزارة الإعلام بولاية الخرطوم، بعهد رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك، إن الملاحظة الأولى المرئية للانقلاب هي مسارعته لاستخدام أقصى درجات العنف ضد المتظاهرين السلميين، أعلاها القتل، وهو مُتهم بقتل نحو 80 شخصاً منذ وقوع الانقلاب في أكتوبر الماضي.

ويوضح في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الانقلاب يستخدم مستويات أخرى من العنف والاعتقال، ولا يبدو في الواقع، أمام قادة الانقلاب سوى الحلول الأمنية واستخدام عنف الدولة للجم الرفض الواسع الذي يواجههم".

ويضيف حمد، أن الانقلاب يعتمد على تلك الوسيلة دون غيرها من الوسائل، لأنه نشأ بخطاب يبرر خطوة الاستيلاء على السلطة، ويقنع بها شعبا ثائراً أصلاً من أجل حياة سياسية مدنية، ما يحتم عليه أن يستند إلى العنف ليكون خطابه في الشارع.


لا يبدو أمام قادة الانقلاب سوى الحلول الأمنية للجم المتظاهرين

لكن رئيس تحرير صحيفة "اليوم التالي" الطاهر ساتي، يملك رأياً مختلفاً، إذ يشير إلى أن الكثير من الناس تنظر وتركز حالياً على الأعراض وتتجاهل الأمراض وكيفية علاجها، مؤكداً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن الطريق الوحيد نحو وقف العنف والعنف المضاد، هو المشاركة في المشاورات التي تجريها الأمم المتحدة حتى تسارع الخطى وتتوج بتحقيق أهدافها، ودون ذلك هو الاستمرار في تلك الدوامة التي يتحمل مسؤوليتها الجميع.

ويضيف أنه في كل التظاهرات في دول العالم يتم استخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي فيها، لأنها تخلق مشهداً من الفوضى يمكن أن يحدث بعده كل شيء، خصوصاً أن تظاهرات السودان تستهدف الوصول للقصر الرئاسي أو قيادة الجيش، ويتم فيها التحرّش بالشرطة وتخريب المرافق العامة وإغلاق الطرقات.

ويشير ساتي إلى أنه سبق أن قتل فيها ضابط برتبة عميد، مشدداً على أهمية ضبط النفس لدى كل الأطراف، والعودة للحوار كمخرج للجميع.

ويؤكد أنه في حال فشلت جهود الأمم المتحدة فلا مجال غير الانتخابات المبكرة، كوجه من أوجه حسم المعارك بصندوق الانتخابات، وبالتالي يمكن أن تنتهي الأزمة وينتهي معها العنف.