السودان: تباين المواقف السياسية حول "إعلان أديس أبابا" الموقع بين "الدعم السريع" وقوى مدنية

03 يناير 2024
رئيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية عبدالله حمدوك (Getty)
+ الخط -

تباينت المواقف والآراء في السودان حول توقيع كل من تنسيقية اﻟﻘﻮى اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﯿﺔ اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ "تقدم" وﻗﻮات اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺴﺮﯾﻊ، على الإعلان السياسي المشترك، الموقع الثلاثاء، في أديس أبابا، والذي يتضمن تفاهمات على تشكيل لجنة مشتركة لإنهاء الحرب.

وفيما ينظر البعض إلى إعلان أديس أبابا على أنه بارقة أمل لإنهاء الحرب، خصوصا إذا ما وافق عليه الجيش، يرفضه آخرون، ويرون أنه محاولة لشرعنة وجود قوات الدعم السريع واحتلالها للمدن ومنازل المواطنين ومساواة بين جيش وطني ومليشيا لم يتعد عمرها 10 سنوات.

خطوة متقدمة

ويقول العضو القيادي بتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية "تقدم"، صالح عمار، إن إعلان أديس هو أكبر اختراق إيجابي منذ الحرب في 15 إبريل/ نيسان الماضي وحتى اليوم، مشيراً إلى أن الالتزامات التي صدرت من قوات الدعم السريع بموجب الإعلان "أمر إيجابي لا سيما تلك المتعلقة بحماية المدنيين وإطلاق العملية السياسية وقبول خريطة الطريق التي اقترحتها تنسيقية تقدم".

وأوضح عمار لـ"العربي الجديد" أن "قابلية تنفيذ الإعلان ليست سهلة لأننا أمام حرب بكل تعقيداتها، ولا تنتهي بخطوة خطوتين أو ثلاث، وأن الوصول لسلام عملية طويلة، خصوصا في الحالة السودانية حيث الانقسام السياسي والاجتماعي وتغذية ذلك عبر شركات منظمة تعمل على تفتيت السودان"، لكنه أكد أن "الإعلان خطوة مهمة ويفتح الباب أمام خطوات أخرى، لا سيما إذا انضمت دول الإقليم والمجتمع الدولي لمساندة إعلان أديس".

وحول مدى الجهد التي ستبذله "تقدم" في سبيل إقناع قادة الجيش بالقبول بإعلان أديس، ذكر صالح عمار أن "تقدم" أرسلت باكراً خطابا لقائد الجيش تطلب فيه لقاءه لتضع أمامه خريطة الطريق التي اقترحتها، مشيراً إلى أنه لم يصل إلى الآن رد من جانبه. وأعرب عن أمله في استجابة الجيش لمقترح وقف إطلاق النار "حرصاً على وقف الحرب ووقف الانتهاكات والحد من سيول الدماء الجارية من أبناء وبنات الشعب السوداني، والتحلي بروح المسؤولية والتوقيع على الإعلان".

ويضيف من جهته أستاذ العلوم السياسية، منزول عسل، أن "ما تم في أديس أبابا خطوة كبيرة ومهمة، وما يدعم ذلك دعوة الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي لتنسيقية تقدم للاجتماع معه والتباحث حول سبل تحقيق السلام في السودان"، مبينا لـ"العربي الجديد"، أن ذلك يعد مؤشراً واضحا حول ما حدث بين التنسيقية والدعم السريع "كحجر ألقي في بركة راكدة في أزمة السودان بغض النظر عن محتويات الإعلان التي تضمنت العديد من النقاط الإيجابية، وأهمها وقف إطلاق النار والتي جاءت في توقيتها الصحيح لوقف الحرب، ومن ثم انطلاق العملية السياسية التي تضع الانتقال الديمقراطي في طريقه الصحيح".

وأكد عسل أن الإعلان "يضع ضغوطاً كبيرة على الحكومة السودانية، أو بالأحرى القوات المسلحة لكي تخطو في اتجاه وقف الحرب، وأي توجه غير ذلك سيحسب عليها وعلى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان".

لا جديد

بالمقابل، يرى الناطق الرسمي باسم الكتلة الديمقراطية، محيي الدين جمعة، أن الاتفاق السياسي الذي تم التوصل إليه من قبل تنسيقية القوى المدنية برئاسة عبدالله حمدوك وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، لا يحمل إشارات جديدة حول إنهاء الحرب الجارية، ومن المعلوم أن الطرفين ظلا يعملان معا وهما من أشعل الحرب عن طريق الاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الماضي". 

وأشار جمعة إلى أنه كان من المنتظر أن يعلن اللقاء إنهاء الحرب من خلال التزام قائد مليشيا الدعم السريع بما جاء في اتفاقية جدة الأولى، والتي نصت صراحة على إخلائهم منازل المواطنين وفتح الممرات الإنسانية لتوصيل المساعدات وإعادة ما تم نهبه من الممتلكات العامة والخاصة. وأضاف جمعة لـ"العربي الجديد" أن الاتفاق بين "تقدم" والدعم السريع "ليس له معنى ولن يؤثر في إنهاء الحرب، بل يؤكد وقوف القوى المدنية خلف المليشيا لتدمير البلاد وبيعها لدولة الإمارات وهي عمالة يجب أن تدان بكل العبارات".

واستطرد جمعه بقوله "لقد كشف لقاء أديس أبابا التنسيقي للشعب السوداني والعالم من يقف خلف الحرب ويؤجج الصراع وانتهاك لحقوق الإنسان في السودان، والدليل أن تلك القوى المدنية لم تصدر منها إدانة للانتهاكات وضالعة في الحرب وهي جريمة نكراء".

وأبان الناطق الرسمي باسم الكتلة الديمقراطية أن "موقفهم سيظل ثابتاً تجاه إنهاء الحرب من خلال لقاء سوداني سوداني جامع يضم كافة الأطراف لمناقشة الأسباب التي أدت إلى اندلاع الحرب وإنهاء تعددية الجيوش وصولا لجيش واحد مهني وإنهاء العملية السلمية الحالية وصولا لانتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب من يمثله".

من جانبه، يقول رئيس تحرير صحيفة اليوم التالي، الطاهر ساتي، أن الإعلان الموقع عليه بين مليشيا الدعم السريع و"تقدم" هو "زوبعة إعلامية غير ذات تأثير في مسرح العمليات العسكرية أو الساحة السياسية"، موضحا لـ"العربي الجديد" أن السودان وقضاياه السياسية والأمنية والعسكرية، أكبر من أن يُختزل في مليشيا وتسعة أشخاص يزعمون أنهم يمثلون الشعب السوداني".

وأوضح ساتي أن "الإعلان يراد به تحويل مسار معركة الكرامة الوطنية إلى معترك سياسي، ولن يتحقق هذا الغرض لسبب بسيط جداً وهو أن الطرفين، المليشيا وتقدم، لا يمثلان القطاع السياسي العريض والمعروف به السودان"، منبها إلى "أنه وكالعادة مارس نشطاء قوى الحرية سياسة الإقصاء؛ كما فعلوا في الاتفاق الإطاري؛ رغم أنها السياسة التي أدت إلى هذه الحرب".

وأكد ساتي أن "فتح أي مسار سياسي سابق لأوانه، أي بعد إنهاء التمرد بالحرب أو بالتفاوض ثم تهيئة المناخ لحوار شامل لايستثني أحداً؛ وفي إطار الحوار الشامل يمكن لحاضنة المليشيا، قوى الحرية، طرح رؤيتها السياسية".

والإعلان الموقع بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بين الدعم السريع وتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية المعروفة اختصارا بـ"تقدم" وهى تحالف سياسي مناهض للحرب،  نص على الالتزام من "الدعم السريع" بوقف الاعتداءات بشكل فوري وغير مشروط عبر التفاوض ﻣﻊ اﻟجيش، على أن تلتزم "ﺗﻘﺪم" بالتواصل مع الجيش للوصول معه ﻟﻼﻟﺘﺰام ﺑﺬات اﻹﺟﺮاءات.

وأكد الطرفان في الإعلان، الذي أطلق عليه إعلان أديس، والموقع عليه من قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، ورئيس الهيئة القيادية لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية عبد الله حمدوك أن الهدف من الإعلان هو التوصل ﻻﺗﻔﺎق على إنهاء الحرب ووﻗﻒ الاعتداءات وحماية المدنيين، ﻣﻠﺰم ﻟﻠﻄﺮﻓﯿﻦ ﺑﺮﻗﺎﺑﺔ وطﻨﯿﺔ وإﻗﻠﯿﻤﯿﺔ ودوﻟﯿﺔ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﻋﻠﻰ اﻷرض. 

وفي إعلان أديس أبابا أيضا، التزمت ﻗﻮات اﻟـﺪﻋﻢ اﻟﺴـﺮﯾﻊ ﺑﻨـﺎء ﻋﻠﻰ طﻠـﺐ ﻣﻦ "ﺗﻘـﺪم" وﻛﺒـﺎدرة ﺣﺴـﻦ ﻧﯿـﺔ، بإطﻼق ﺳﺮاح 451 ﻣﻦ أﺳﺮى اﻟﺤﺮب واﻟﻤﺤﺘﺠﺰﯾﻦ، وذﻟﻚ ﻋﺒﺮ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ، مع تعهد منها ﺑﻔﺘﺢ ﻣﻤﺮات آﻣﻨﺔ في مناطق سيطرتها ﻟﻮﺻـﻮل اﻟﻤﺴـﺎﻋﺪات اﻹﻧﺴـﺎﻧﯿﺔ وﺗﻮﻓﯿﺮ اﻟﻀـﻤﺎﻧﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺘﯿﺴـﯿﺮ ﻋﻤﻞ ﻣﻨﻈﻤﺎت اﻟﻌﻤﻞ اﻹﻧﺴـﺎﻧﻲ وﺣﻤﺎﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﻠﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻹﻏﺎﺛﺔ، وتهيئة اﻷﺟﻮاء ﻟﻌﻮدة اﻟﻤﻮاطﻨﯿﻦ ﻟﻤﻨـﺎزﻟﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻨـﺎطﻖ اﻟﺘﻲ ﺗـﺄﺛﺮت ﺑـﺎﻟﺤﺮب (اﻟﺨﺮطﻮم، دارﻓﻮر، ﻛﺮدﻓـﺎن، اﻟﺠﺰﯾﺮة)، وذﻟـﻚ ﺑﺘﻮﻓﯿﺮ اﻷﻣﻦ ﻋﺒﺮ ﻧﺸـﺮ ﻗﻮات اﻟﺸـﺮطـﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨـﺎطﻖ اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ، وﺗﺸﻐﯿﻞ اﻟﻤﺮاﻓﻖ اﻟﺨﺪﻣﯿﺔ واﻹﻧﺘﺎﺟﯿﺔ.

كما نص الإعلان، على  ﺗﺸـﻜﯿﻞ إدارات ﻣﺪﻧﯿﺔ ﺑﺘﻮاﻓﻖ أھﻞ اﻟﻤﻨﺎطﻖ اﻟﻤﺘﺄﺛﺮة ﺑﺎﻟﺤﺮب، ﺗﺘﻮﻟﻰ ﻣﮭﻤﺔ ﺿـﻤﺎن ﻋﻮدة اﻟﺤﯿﺎة ﻟﻄﺒﯿﻌﺘﮭﺎ وﺗﻮﻓﯿﺮ اﻻﺣﺘﯿﺎﺟﺎت اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ ﻟﻠﻤﺪنيين، وﺗﺸـﻜﯿﻞ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻮطﻨﯿﺔ ﻟﺤﻤﺎﯾﺔ اﻟﻤﺪنيين ﻣﻦ ﺷـﺨﺼـﯿﺎت ﻗﻮﻣﯿﺔ داﻋﻤﺔ ﻟﻮﻗﻒ اﻟﺤﺮب، ﺗﺘﻮﻟﻰ اﻟﻠﺠﻨﺔ ﻣﮭﻤﺔ ﻣﺮاﻗﺒﺔ إﺟﺮاءات ﻋﻮدة اﻟﻤﺪنيين ﻟﻤﻨﺎزﻟﮭﻢ وﺿﻤﺎن ﺗﺸﻐﯿﻞ اﻟﻤﺮاﻓﻖ اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ اﻟﺨﺪﻣﯿﺔ واﻹﻧﺘـﺎﺟﯿـﺔ، وﺗﻌﻤـﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺒﺌـﺔ اﻟﻤﻮارد اﻟـﺪاﺧﻠﯿـﺔ واﻟﺨـﺎرﺟﯿـﺔ ﻟﺘﻮﻓﯿﺮ اﻻﺣﺘﯿـﺎﺟـﺎت اﻹﻧﺴـﺎﻧﯿـﺔ ﻟﻠﻤﺪنيين.

واندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخامس عشر من إبريل/نيسان الماضي، ويقدر عدد القتلى من المدنيين بأكثر من 12 ألف شخص، أما حصيلة النازحين واللاجئين فقد وصلت لأكثر من 7 ملايين، ودمرت الحرب الكثير من البنى التحتية، وتعطلت الخدمات الضرورية في عدد من المدن والقرى، وتعرضت منازل وممتلكات المدنيين للنهب والسلب، وشهدت مدينة الجنينة، غرب البلاد، عمليات قتل واسعة صنفت كجريمة إبادة جماعية في حق قبيلة المساليت، اتهمت قوات الدعم السريع بالتورط فيها.

المساهمون