السلطة الفلسطينية بين ناري الانتخابات وتأجيلها

28 ابريل 2021
يأمل الغزيون أن تنهي الانتخابات الانقسام والحصار (سعيد خطيب/فرانس برس)
+ الخط -

ممّا لا شك فيه أن أزمة المشروع الوطني الفلسطيني التي باتت تعكس نفسها على مجمل القضية الفلسطينية وما تعانيه من تراجع، كما على حياة الشعب الفلسطيني في مختلف مناطق وجوده في الداخل أو في اللجوء أو في الشتات، وكذلك على وحدة هذا الشعب ووحدة مرجعياته السياسية كما يتجلى في الانقسام الذي فرضته سياسات كل من حركتي فتح وحماس كسلطتين منفصلتين متصارعتين في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، إضافة إلى تفاقم الوضعين الاجتماعي المعيشي والصحي وكذلك تغوّل سياسات الضمّ والاقتلاع التي تمارسها سلطات الاحتلال الصهيوني في مناطق الضفّة وفي القدس وترسيخ سياسة الأبارتايد الصهيونية من خلال قانون يهودية الدولة.. مضافا إلى كل ذلك فشل القوتين السياسيتين الكبريين على الساحة الفلسطينية الممسكتين بالسلطة في حلّ أي من تلك القضايا أو طرح برامج واضحة لحلِّها، أقول إن هذه الأزمة وهذه التعقيدات لا شكّ في أنّها لن تجد لها مخارج من خلال انتخابات تحت الاحتلال يُراد منها في الأصل إعادة إنتاج نفس القوى ونفس السلطات.

الفلسطينيون مُتحمّسون لإجراء هذه الانتخابات، خاصة أنّهم حُرموا منها على مدى خمس عشرة سنة. انعكس ذلك في العدد الكبير للوائح الانتخابية والتي بلغت الـ36 لائحة متنوعة الاتجاهات والخلفيات. الفلسطينيون يريدون الانتخابات ليشاركوا في تقرير واقعهم ومستقبلهم على الصّعد المعيشية والاجتماعية والصحية والخدماتية وكذلك الأمنية والسياسية، وبالتأكيد هناك نسبة كبيرة منهم ترغب في معاقبة حركتَي حماس وفتح على ما أوصلتا الشعب الفلسطيني من انقسام والقضية برمتها من تراجع وتغييب.

إنما، على ما يبدو واضحا، الناس في وادٍ والسلطة في وادٍ آخر. وما دفع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وبالاتفاق مع حركة حماس وباقي الفصائل إلى إصدار مرسوم إجراء الانتخابات على ثلاث مراحل بدءا من 22 أيار/مايو القادم، وما قد يدفعُه إلى تأجيلها أمورٌ وقضايا أخرى خارجَ اهتمامات الشعب الفلسطيني بالكامل.

فالإعداد لانتخابات تتلاقى مع طموحات ومصالح الناس المتوقعة، خصوصا بالنسبة للفلسطينيين ومعاناتهم وقضيتهم، يتطلب مُقدماتٍ مختلفة تماما، في طليعتها وضعُ البرامج السياسية والاقتصادية الاجتماعية لتجاوز الأزمات أمام الناس للاطلاع والمناقشة وفتح أبواب الحوار على المستوى الوطني الفلسطيني وفي جميع أماكن وجود الشعب الفلسطيني ليقول رأيه فيها، فتأتي الانتخابات تتويجا لهذا المسار.

لكن الوقائع تشير إلى تقاطعات مصالح آنية برزت مع انتقال الولايات المتحدة الأميركية من إدارة دونالد ترامب إلى إدارة الديمقراطيين برئاسة جو بايدن، تقاطع مصالح بين سلطتي فتح وحماس وبين الدول المانحة، خصوصا الأوروبية، يتطلب إعادة إنتاج السلطة الفلسطينية وتجديد شرعيتها واستعادة شيء من وحدتها، ولو على سبيل المظهر، بما يسمح بتمويلها والقول إن السلطة باتت جاهزة للسير مجددا في طريق التفاوض!

غير أن حساب البيدر اختلف تماما عن حساب الحقل، وبدا اليوم أنه ليس بالإمكان تقديم شكل سلطة موحدة جاهزة للتفاوض، فها هي فتح نفسها التي تحكم الضفة الغربية أخذت تتشظى على وقع تعدد اللوائح الانتخابية الفتحاوية، في حين أنّ إعلان ترشح الأسير مروان البرغوثي بات يهدد فعلا استمرار رئاسة محمود عباس وأنّ فوزَه قد يؤدي إلى تغييرات غير محسوبة لا يريدها لا الطاقم السياسي المحيط اليوم بالسلطة ولا الاحتلال ولا الدول المانحة ولا حتى حركة حماس. من هنا بدأ التحضير لمبادرات توظِّف الذرائع التي يقدّمها الاحتلال (منع الانتخابات في القدس) أو سواها (جائحة كورونا) من أجل السير بتأجيل هذه الانتخابات ربما إلى أجل غير معلوم. ولأن الأسرى في سجون الاحتلال يحظون بتعاطف وتأييد شعبي واسع، فليكن التأجيل بمبادرة من الأسرى وهذا يتطلب دورا للمرشح الرئاسي المنافس الأسير مروان البرغوثي في سيناريو مماثل لسيناريو الانتخابات الرئاسية السابقة أو قريب منه.

لا يمكن لانتخابات تُعقد تحت الاحتلال ويُعدّ لها بطريقة لا يمكن لها إلا أن تعيد إنتاج سيطرة القوى ذاتها التي عمّقت أزمة المشروع الوطني الفلسطيني أن تقدم حلولا للتعقيدات التي تفرضها هذه الأزمة مهما كانت النتائج التي سوف تفرزها الصناديق. من هنا سيكون التأجيل حتميا إن تبين أن النتائج سوف تكون مختلفة.

السلطة الفلسطينية اليوم بين نارين: السير في الانتخابات في مواعيدها وبالتالي تلقي الضربات على المستوى الشعبي بالرفض والمعاقبة وعلى مستوى تخلخل بنيتها السياسية نتيجة تشظي حركة فتح، أو السير بتأجيلها وبالتالي إعطاء مزيد من الوقت لانتظام القوى المعارضة وتجذّرها.
 

المساهمون