السلاح الكيميائي السوري: جرائم بلا محاسبة وأسئلة عالقة

08 سبتمبر 2024
وقفة في ذكرى مجزرة الغوطة، إدلب، 20 أغسطس 2024 (عز الدين قاسم/الأناضول)
+ الخط -

عادت قضية إنتاج السلاح الكيميائي السوري إلى الواجهة مجدداً من خلال اتهامات للنظام السوري وشكوك حول امتلاكه برنامجاً سرياً لإنتاج هذه الأسلحة، على الرغم من تعهداته السابقة بوقف إنتاجها، وتسليمه مخزوناته منها لمنظمة حظر إنتاج الأسلحة الكيميائية، وذلك بعد تورط النظام في ارتكاب مجزرة الغوطة الكيميائية صيف 2013، والتي سقط فيها مئات الضحايا. وانضم النظام السوري في 13 سبتمبر/أيلول 2013 إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، وتلى ذلك صدور قرار مجلس الأمن رقم 2118 الخاص بملف السلاح الكيميائي السوري. وجاء إعلان النظام انضمامه للمعاهدة بعد نحو شهر من شنّه فجر 21 أغسطس/آب 2013، عدة هجمات بالأسلحة الكيميائية على مناطق مأهولة بالسكان في الغوطتين الشرقية والغربية في محافظة ريف دمشق.

وتسببت الهجمات في مقتل أكثر من 1119 مدنياً، بينهم 99 طفلاً و194 سيدة، فضلاً عن إصابة 5935 شخصاً بأعراض تنفسية وحالات اختناق، وفقاً لتوثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان. وذكرت الشبكة أنه وقع ما لا يقل عن 222 هجوماً كيميائياً في سورية منذ أول استخدام للسلاح الكيميائي السوري يوم 23 ديسمبر/كانون الأول 2012 وحتى 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، كانت 217 منها على يد قوات النظام وخمسة على يد تنظيم داعش. وأشارت إلى أن مجمل هجمات النظام بواسطة السلاح الكيميائي السوري تسببت في مقتل ما لا يقل عن 1514 شخصاً خنقاً، بينهم 214 طفلاً و262 سيدة، إضافة إلى 12 ألف مصاب. وحاول النظام صرف اهتمام بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، عن هجماته بهذه الأسلحة، باتجاه هجمات "داعش" المفترضة. وأصدرت البعثة تقريراً في 11 يونيو/حزيران الماضي أشارت فيه إلى أن فريقها حقق في هجومين مزعومين أبلغت عنهما حكومة النظام، وطلبت التحقيق فيهما.

قضايا عالقة بملف السلاح الكيميائي السوري

وخلال جلسة عقدها مجلس الأمن، الخميس الماضي، لمناقشة برنامج الأسلحة الكيميائية لدى النظام السوري، قال نائب الممثل الأعلى لمكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، أديجي إيبو، إن "الحكومة السورية لم تقدّم معلومات كافية ودقيقة حول برنامج الأسلحة الكيميائية". وأشار إلى أن الجولة الأخيرة من المحادثات بين وفد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والنظام السوري عقدت في مايو/أيار الماضي، وطلب وفد المنظمة توضيحاً إضافياً بشأن العينات المأخوذة سابقاً.

واعتبر إيبو أن الأنشطة غير المعلنة المحتملة المتعلقة بعدد من عوامل الحرب الكيميائية في سورية، بما في ذلك دورة الإنتاج الكاملة من البحث والتطوير إلى الإنتاج والاختبار والتخزين لاثنين من تلك العوامل، "هي تطور مقلق للغاية". وأضاف أن "المخاوف التي أثيرت، في يوليو/تموز الماضي، تنبع من نتائج تحليل عينتين جمعهما فريق التقييم لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بين سبتمبر/أيلول 2020 وإبريل/نيسان 2023"، لافتاً إلى ارتفاع عدد "النقاط العالقة مع النظام السوري من 24 إلى 26، فيما تم حل سبع منها فقط"، بشأن السلاح الكيميائي السوري.

وحول الزيارة المقبلة المقررة لفريق التفتيش الدولي إلى سورية، التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، قال إيبو إن فريق التقييم "لن يكون في وضع يسمح له بإجراء أي زيارات ميدانية حالياً، والتفاوض على التواريخ ذات الصلة لا يزال جارياً". وأضاف أن "التأخير في نشر فريق التقييم سيكون له تأثير عملي على الجدول الزمني المخطط له لعمليات التفتيش على منشآت برزة وجمرايا التابعة لمركز الدراسات والبحوث العلمية (التابع لحكومة النظام السوري)". وشدّد المسؤول الأممي على أن "التعاون الكامل من جانب النظام السوري مع الأمانة الفنية أمر ضروري لحل جميع القضايا العالقة"، مشيراً إلى أنه "مع تحديد الثغرات والتناقضات التي لا تزال قائمة، تقدر الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أنه ما زال من غير الممكن اعتبار الإعلان الذي قدمه النظام السوري دقيقاً وكاملاً وفقاً لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية".

وقال الممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة، نيكولا دو ريفيير، إن هناك إشارات تفيد بوجود أنشطة غير معلنة لإنتاج الأسلحة الكيميائية في سورية، مطالباً النظام السوري بالامتثال لالتزاماته بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية. وأضاف أن النظام السوري لم يتمكن حتى الآن من تفسير وجود عوامل كيميائية في العينات المأخوذة من موقعين في سبتمبر 2020 وإبريل 2023، وهو مؤشر إلى وجود أنشطة غير معلنة لإنتاج السلاح الكيميائي السوري. وهو ما يضاف، وفق دو ريفيير، إلى قائمة الأسئلة الطويلة التي لا تزال معلقة بشأن بيان سابق للنظام السوري. حول تخلّصه من الأسلحة الكيميائية. وأجرت فرق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية 28 جولة تفتيش حتى الآن في سورية، فيما تُجري حالياً مشاورات مع الجانب السوري لإرسال فريقها في مهمة تفتيش جديدة، وحل النقاط العالقة بين الجانبين.

النظام غير متعاون

مواصلة النظام السوري محاولاته إنتاج أسلحة كيميائية، غير مستبعدة بالنسبة للعميد زاهر الساكت، حتى بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2118 الخاص بالأسلحة الكيميائية السورية عام 2013، والقاضي بتدمير هذه الأسلحة، ووقف إنتاجها. وأشار العميد المنشق عن قوات النظام والذي عمل في مجال مشاريع الأسلحة الكيميائية خلال خدمته العسكرية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن النظام "تلقى مساعدة من مجموعة من الدول والشركات الأوروبية والعربية على أساس أنها مساعدات لإنتاج الأدوية أو تعقيم المياه".

زاهر الساكت: النظام السوري استخدم شركات الأدوية غطاء لاستيراد مواد كيميائية ذات استخدام مزدوج

وقال الساكت إن "النظام السوري لطالما استخدم شركات الأدوية غطاء لاستيراد مواد كيميائية ذات استخدام مزدوج، يستخدمها هو لإنتاج أسلحة كيميائية". وأوضح أن "النظام يجبر بعض شركات الأدوية في سورية على استيراد مواد معينة لصالحه". وعلى الرغم من إشارة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى عدم تعاون النظام السوري مع جهودها لكشف ملابسات الهجمات الكيميائية في سورية، وقولها إنها زوّدت النظام بقائمة الإعلانات المعلقة وغيرها من الوثائق التي طلبتها منذ عام 2019، بهدف حل القضايا العالقة، بدون تلقي المعلومات المطلوبة بعد، قال النظام بلسان مندوبه في الأمم المتحدة قصي الضحاك إنه أنهى تدمير جميع مخزوناته من الأسلحة الكيميائية ومرافق إنتاجها عام 2014.

واعتبر الضحاك، في جلسة لمجلس الأمن يوم الخامس من مارس/آذار الماضي، أن الإصرار على مناقشة برنامج السلاح الكيميائي السوري يشير إلى إمعان الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في "نهجها القائم على توظيف هذا الملف أداة سياسية للضغط على الحكومة السورية". يأتي ذلك وسط انتقاد النظام تخويل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تحديد هوية الجهة التي استخدمت السلاح الكيميائي السوري. ووفق النظام فإن اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لم تكلف الأمانة الفنية للمنظمة بولاية تحديد المسؤولية عن حالات استخدام الأسلحة الكيميائية.

وفي هذا الصدد قال الباحث السوري عمر أبو بكر، لـ"العربي الجديد"، إن "الاستخدام المتكرر من جانب النظام السوري للأسلحة الكيميائية شكّل تحدياً غير مسبوق للمجتمع الدولي، وهو ما دفع إلى توسيع صلاحيات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتشمل تحديد المسؤول عن استخدام هذه الأسلحة، وهي الخطوة الأولى من نوعها منذ تأسيس المنظمة (عام 1997)". وأوضح أبو بكر أنه "بعد هذه الصلاحيات الجديدة للمنظمة الدولية، أصدرت الأخيرة تقارير عدة حددت مسؤولية النظام السوري عن عدة هجمات كيميائية"، لافتاً بالمقابل إلى "البطء الشديد في تحركات المنظمة الدولية تجاه النظام السوري". واعتبر أن المنظمة "لم تتمكن، بعد أكثر من عشر سنوات من استخدام النظام السلاح الكيميائي السوري لأول مرة، من اتخاذ خطوات عقابية ضده، باستثناء الإجراء الهزيل المتمثل في حرمان مندوب النظام السوري في المنظمة من بعض حقوقه، مثل حق التصويت".

غير أن هذه القضية تحركت أخيراً خارج نطاق تحريات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، إذ صدّقت محكمة الاستئناف في باريس، في 26 يونيو الماضي على مذكرة التوقيف التي أصدرها قضاة تحقيق بحق رئيس النظام بشار الأسد بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في الهجمات الكيميائية التي وقعت في أغسطس 2013. جاء ذلك بعد أن نظرت غرفة التحقيق في 15 مايو الماضي، بطلب مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب في فرنسا، حول إلغاء هذه المذكرة بحجة "الحصانة الشخصية" التي يتمتع بها رؤساء الدول في مناصبهم أمام المحاكم الأجنبية.

ويحقق قضاة فرنسيون من "وحدة الجرائم ضد الإنسانية في محكمة باريس القضائية" منذ عام 2021 في التسلسل القيادي الذي أدى إلى الهجمات الكيميائية في أغسطس 2013. وأسفرت تلك التحقيقات عن إصدار عدة مذكرات توقيف في نوفمبر 2023 بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية والتواطؤ في جرائم حرب، طاولت إلى جانب بشار الأسد، شقيقه ماهر، والعميد غسان عباس، مدير الفرع 450 التابع لمركز الدراسات والبحوث العلمية السورية، والعميد بسام الحسن، مستشار بشار الأسد للشؤون الاستراتيجية وضابط الاتصال بين القصر الرئاسي ومركز البحوث العلمية. واعتبر محامون سوريون في حينه أن القرار الفرنسي يشكل قفزة كبيرة على صعيد الجهود الدولية لملاحقة مرتكبي الهجمات الكيميائية في سورية.

المساهمون