تحدّثت السفيرة الأميركية لدى لبنان، دوروثي شيا، خلال ندوة نظمها "معهد بيروت"، اليوم الأربعاء، عن وجود تقارير تفيد بإدراج ما بين 22 إلى 24 شخصية لبنانية على لائحة العقوبات، مشددة في المقابل على أنها لا تستطيع توقع من سيكون التالي.
وأكد مصدر دبلوماسي أميركي، لـ"العربي الجديد"، أن "العقوبات على الشخصيات اللبنانية ستصدر تباعاً عندما تصبح جاهزة للتنفيذ، وستشمل رجال أعمال وسياسيين ليسوا بالضرورة من دائرة فريق الثامن من آذار، أي حزب الله وحلفاؤه، فالعقوبات تفرض على الفرد لا على المجموعة أو الحزب ككلّ، وتطاول كل فاسد أو متآمر حقق مكاسب شخصية على حساب الشعب اللبناني الذي يعاني من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، وكل من ساعد في توسيع نفوذ حزب الله لبنانياً وفي إدارات الدولة ومؤسساتها وخارجياً"، على حد تعبيره.
العقوبات ستشمل رجال أعمال وسياسيين ليسوا بالضرورة من دائرة فريق الثامن من آذار
وشدد المصدر على أن "الولايات المتحدة ماضية في مواجهة حزب الله بالعقوبات، ووضع حدٍّ لقدراته المالية، وعرقلة عملياته في كل أنحاء العالم".
ويستمرّ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية في فرض العقوبات على شخصيات وكيانات لبنانية قدّمت دعماً لـ"حزب الله" واعتُبِرَت جزءاً من الفساد في لبنان، وآخرها رئيس "التيار الوطني الحر" وصهر رئيس الجمهورية النائب جبران باسيل، بموجب قانون ماغنيتسكي العالمي للمساءلة في مجال حقوق الإنسان.
وأدرجت الخزانة الأميركية في 8 سبتمبر/ أيلول الماضي الوزيرين السابقين في الحكومة اللبنانية، يوسف فنيانوس (ينتمي الى تيار المردة برئاسة سليمان فرنجية)، وعلي حسن خليل (ينتمي الى حركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري)، بذريعة تقديمهما الدعم المادي لحزب الله إلى جانب اتهامات بالفساد والاستغلال الوظيفي لتمرير الصفقات.
من جهة ثانية، واستكمالاً للمعركة الدائرة بين السفيرة الأميركية وباسيل، التي أسفرت عن الكشف على مضمون اجتماعات ومحادثات الطرفين، أشارت شيا اليوم إلى أن باسيل "شكرها والولايات المتحدة الأميركية على مواجهته بتفاصيل تخصّ حزب الله"، متهمةً إيّاه بتحوير فحوى اللقاءات التي جرت بينهما، ومؤكدة أن العقوبات التي طاولته أخيراً مرتبطة بالفساد في البلاد، وهي أكبر مثال على طريقة محاسبة واشنطن للفاسدين.
وقد "سرّبت" شيا سابقاً أن "باسيل أعرب عن استعداده للانفصال عن حزب الله بشروطٍ معيّنة، وعبّر عن امتنانه لأن الولايات المتحدة جعلته يرى كيف أن العلاقة هي غير مؤاتية للتيار".
واكتفى المكتب الإعلامي لباسيل بإصدار بيان أكد فيه أن "لا داعي للردّ مجدداً على السفيرة الأميركية طالما هي تكرّر ذاتها من دون الإتيان بأي برهان حول اتهام رئيس التيار الوطني الحر بالفساد، وطالما لم تسلّم الدولة اللبنانية أي ملف يتضمّن معلومة أو وثيقة أو قرينة".
وتوجه المكتب الإعلامي إلى وزارة الخارجية اللبنانية التي اجتمعت قبل أيام مع السفيرة شيا، وحرصت على عدم وضع الاجتماع في دائرة الاستدعاء، وحصره بـ"اللقاءات الدورية"، مذكّرًا إياها "بضرورة احترام الأصول الدبلوماسية وعدم التدخّل بالشؤون الداخلية للبنان، وخصوصاً لناحية التعرّض غير المقبول للنواب الممثلين للشعب اللبناني".
في سياق آخر، أكدت السفيرة الأميركية في خلال الندوة على حاجة لبنان الماسّة إلى الإصلاحات، مضيفة: "نعتقد أن الحكومة اللبنانية تحرم سنوياً من نصف مليار دولار على الأقل من عائدات الجمارك في المرفأ ومطار بيروت الدولي".
وتعدّ العقوبات الأميركية التي فرضت على باسيل من العقبات التي عرقلت تشكيل رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري الحكومة، والتي دفعت "حزب الله" إلى تعزيز وقوفه إلى جانب رئيس التيار الوطني الحر ودعم مطالبه الوزارية. في حين يخشى الحريري من إدراج أي أسماء لها صلة بالحزب في تشكيلته الوزارية، ويحرص على اختيار شخصيات بعيدة كل البعد من دائرة حزب الله، سواء الضيقة أو الواسعة، تجنباً لأي ردّ فعل أميركي، وفق ما يؤكد قيادي في "تيار المستقبل" لـ"العربي الجديد".
وأعلنت شيا في وقتٍ سابقٍ أن الولايات المتحدة لم تدعم حكومة حسان دياب التي كان عرّابها الحزب، كما لم ترسل مساعدات إلى وزير الصحة اللبنانية لمواجهة كورونا لقربه من "حزب الله" وفضلت التعامل مع مؤسسات صديقة وموثوقة، وهي ستحدد موقفها من حكومة الحريري تبعاً لشكلها.
وعلى صعيد الملف الحكومي، وجّه البطريرك الماروني بشارة الراعي، اليوم الأربعاء، بعد لقاءٍ عقده مع الرئيس اللبناني ميشال عون في قصر بعبدا الجمهوري، رسالة واضحة وشديدة اللهجة إلى رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري بضرورة تحضير تشكيلة الحكومة كاملة ليدرسها مع رئيس الجمهورية. وقال الراعي، "البلد يموت وليس هكذا تشكّل حكومات، فليسمح لنا".
البطريرك الراعي بعد لقائه الرئيس عون: يجب على الرئيس المكلف ان يحضر تشكيلة الحكومة كاملة ليدرسها مع فخامة الرئيس، فالبلد يموت وليس هكذا تشكّل حكومات فليسمح لنا، والبلد لا يتحمل التأخير ولو ليوم واحد ونريد حكومة انقاذية استثنائية غير حزبية غير سياسية pic.twitter.com/ZJzXJCM8Zr
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) November 25, 2020
وشدد البطريرك الراعي، الذي وضع الرئيس عون في إطار زيارته إلى الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس لشكره على وقوفه إلى جانب لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، على أن "البلد لا يتحمّل التأخير ولو ليومٍ واحدٍ ونريد حكومة إنقاذية استثنائية غير حزبية وغير سياسية".
وأكدت "كتلة التنمية والتحرير" التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، بعد اجتماعها الأسبوعي اليوم الأربعاء، ضرورة الإسراع في تأليف حكومة اختصاص وفقاً لما نصّت عليه المبادرة الفرنسية بعيداً من الاختباء أو التلطّي تارة خلف "وحدة المعايير" وتارة أخرى المداورة وطوراً الرهان على متغيّرات إقليمية ودولية، في ردّ على مواقف رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره باسيل، التي تتمحور حول وحدة المعايير وترفض صراحةً منح حقيبة المال لـ"حركة أمل"، عملاً بمبدأ المداورة الشاملة في الحقائب الوزارية، الأمر الذي يرفضه بري وتكتله النيابي الذي يضع وزارة المال خارج إطار التداول ويتمسّك بها، وبتسمية وزراء الطائفة الشيعية، ما من شأنه أن يوسّع الهوّة بين الرئيسين عون وبري، كما هو حاصل بين رئيس الوزراء المكلف والرئيس عون في ظلّ شحّ اللقاءات بينهما وانقطاع التواصل في الأيام الماضية.