أعلمت إدارات السجون المختلفة في مصر ذوي السجناء السياسيين ومحاميهم، خلال فترة الزيارات الاستثنائية الحالية بمناسبة ذكرى ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وعيد الشرطة، أنّ رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي لن يصدر قراراً جمهورياً بالعفو متضمناً السجناء السياسيين المحكوم عليهم، وأنّ القرار الوحيد الذي سيتم تنفيذه حالياً هو العفو عن باقي مدة العقوبة بالنسبة لبعض فئات السجناء وكذلك مستحقي الإفراج الشرطي بنصف أو ثلثي المدة، على أن يشمل هذا فقط السجناء الجنائيين.
ويختلف قرار العفو الذي يتضمن الأسماء عن القرارات الخاصة بالمناسبات، في أنه يعدّ من قبل العديد من الجهات الأمنية ولا يشمل بالضرورة سجناء على ذمة الجرائم التي يسمح العفو الخاص بالمناسبات بالإفراج عنها، إذ قد يشمل مدانين في الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من الخارج والداخل، والمفرقعات والرشوة، وجنايات التزوير، والجرائم الخاصة بتعطيل المواصلات، والجنايات المنصوص عليها في قانون الأسلحة والذخائر، وجنايات المخدرات والاتجار فيها، وجنايات الكسب غير المشروع، والجرائم المنصوص عليها بقانون البناء، وغيرها من القضايا التي لا تطبّق فيها قواعد الإفراج الشرطي أو بمضي نصف المدة للمستحقين.
من المتوقع أن يفرج عن المستفيدين من العفو قبل نهاية الأسبوع الحالي
وقالت مصادر أمنية وأخرى حقوقية، لـ"العربي الجديد"، إنّ هذه المعلومات أصابت السجناء وذويهم بخيبة أمل عارمة، وتسببت في حالة من الغضب، خصوصاً داخل السجون شديدة الحراسة التي تضم أكبر عدد من السجناء المحكومين في قضايا ذات طابع سياسي، وبالأخص قضايا التظاهر والعنف المتهمين فيها بالانضمام لجماعة الإخوان وجماعات إسلامية أخرى، ويعود معظمها إلى عامي 2013 و2014، ولا سيما الأحداث التي وقعت بمحافظات الصعيد في أعقاب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة. وأوضحت المصادر أنّ ما يفاقم حالة الغضب داخل تلك السجون هو أنّ معظم المحكوم عليهم في القضايا المشابهة التي وقعت أحداثها في القاهرة ومحافظات الدلتا والقناة قد أفرج عنهم بالفعل؛ سواء بسبب تخفيف عقوباتهم في محكمة النقض أو استفادتهم من قرارات العفو السابقة، ذلك لأنّ معظم تلك القضايا كانت منظورة أمام محاكم الجنايات العادية. أمّا المشكلة التي يبدو أنها ستظل تلقي بظلالها على قضايا الصعيد، فهي أنّ معظمها كان قد أحيل إلى القضاء العسكري بموجب القرار الشهير الذي أصدره النائب العام الأسبق الراحل هشام بركات قبل اغتياله، بإحالة النسبة العظمى من قضايا الوقائع التي حدثت في محافظات وسط وجنوب مصر إلى النيابة العسكرية، في إطار رغبة النظام في التنكيل بأهالي القرى والمدن التي شهدت احتجاجات واسعة وحادة على انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013، إلى حد صعوبة السيطرة الأمنية على بعضها لأيام عدة.
وتطبق في السجون المودع فيها هؤلاء السجناء إجراءات مشددة في مسألة الزيارات وإدخال المأكولات والحاجيات والأموال، خصوصاً في فترة جائحة كورونا الحالية، التي فرضت خلالها الداخلية تدابير جديدة بدعوى تقليل الاحتكاك بين النزلاء وذويهم، لكنها أدت إلى منع الزيارات عن قسم كبير منهم نظراً لإلزام الأهالي بالتسجيل المسبق وإعطاء السجون سلطة اختيار الزائرين.
وذكرت المصادر أنّ معظم المستفيدين من العفو الأخير سيكونون من المدانين في قضايا جنائية عادية، مثل القتل والشروع في القتل والاتجار بالمخدرات والبشر، وإدارة شبكات دعارة، والفساد البنكي والنصب، والمئات من الغارمين (المديونين) والغارمات، والمتهمين في قضايا جنح بسيطة وسرقة تيار كهربي ومخالفة شروط بناء ومخالفات اقتصادية معظمها يعود للفترة من عام 2016 إلى عام 2019. كما سيستفيد من العفو، بناءً على تقارير الأمن العام ومصلحة السجون، عشرات من المدانين أمام القضاء العسكري في جنح وجنايات معظمها ليس لها أي بعد سياسي، وكذلك المتهمون في قضايا أمن دولة طوارئ غير المحبوسين بسبب قضايا تظاهر أو عنف أو إرهاب.
المحاولات للإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين ما زالت جارية
ومن المتوقع أن يفرج عن المستفيدين من هذا العفو قبل نهاية الأسبوع الحالي، بعد انقضاء حالة الاستنفار الأمني القائمة في البلاد حالياً بمناسبة ذكرى ثورة 25 يناير، وهو ما سبق أن نشره "العربي الجديد"، حول أنّ جميع القرارات الخاصة بالإفراج عن السجناء مؤجلة إلى ما بعد 25 يناير.
في سياق متصل، قالت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد" إنّ المحاولات الموازية للإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين من النشطاء والصحافيين المحبوسين على ذمة قضايا مختلفة "ما زالت جارية بوساطات سياسية ونقابية". ويأتي ذلك وسط استمرار الخلافات التي أشار إليها "العربي الجديد" في 18 يناير الحالي، بين شخصيات في الرئاسة والمخابرات العامة والأمن الوطني، حول تاريخ خروج الشخصيات المرشحة المعروفة للرأي العام، بعد فرض رؤية الفريق الذي يرى أن خروج النشطاء قبل ذكرى الثورة قد يؤدي إعلامياً وعلى وسائل التواصل الاجتماعي إلى آثار غير مرغوبة للنظام، خصوصاً أنّ الدولة بأجهزتها المختلفة هذا العام تعمل بصورة منسقة وموحدة ومتصاعدة لإهالة التراب على ذكرى الثورة بمنع الإشارة إليها صحافياً وتلفزيونياً، وتضخيم الاحتفال بعيد الشرطة.
وأضافت المصادر أنّ خروج الشخصيات المتفق عليها سيكون في صورة قرارات إخلاء سبيل من النيابة العامة، استمراراً للاتجاه الذي بدأ في الأسبوعين الماضيين، بإخراج حوالي خمسين معتقلاً على ذمة قضايا أحداث سبتمبر/ أيلول 2019 ويناير/ كانون الثاني 2020، ومن بينهم نشطاء يساريون.
ويأتي تصاعد الحديث عن قرب الإفراج عن عدد من المعتقلين، في وقت يحرص فيه النظام على تحسين صورته أمام العواصم الغربية التي ضغطت بصورة متصاعدة خلال الفترة الماضية للإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين بعينهم، خصوصاً بعد غلق مصر لقضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، ووصول التعاون القضائي بين القاهرة وروما إلى طريق مسدود. كما يطمح النظام إلى توجيه رسائل إيجابية للإدارة الأميركية الديمقراطية الجديدة برئاسة جو بايدن، بعد اتصالات مباشرة وغير مباشرة أجرتها أجهزة النظام خلال الشهرين الماضيين مع دوائر ديمقراطية عدة. لكن بالتوازي مع ذلك، تعمد النظام في أخيراً إصدار قرارات تصعيدية انتقائية بدأت بمصادرة أموال نحو سبعين من المعتقلين السياسيين، وإدراج رئيس حزب "مصر القوية" عبد المنعم أبو الفتوح والقياديين الإخوانيين محمود عزت ومحمود غزلان على قائمة الإرهاب في قضايا جديدة، للتأكيد على استمرار التنكيل بالإسلاميين.