الساحل الغربي خارج سيطرة اليمنيين: معقل لمخابرات إقليمية ودولية

26 أكتوبر 2020
تحول ميناء المخاء إلى ممر عسكري للإمارات (فرانس برس)
+ الخط -

تحوّل الساحل الغربي في اليمن، الممتد من منطقة ذباب المطلة على مضيق باب المندب، ويضمّ منطقة المخاء في تعز وأيضاً محافظة الحديدة وميناء ميدي في محافظة حجة أقصى الغرب، إلى معقل إقليمي تستوطن فيه مخابرات عربية ودولية من جنسيات مختلفة. في المقابل، مُنع وصول اليمنيين إلى بعض المواقع والمناطق، في ظل انتشار مراكز التدريب، وزيادة عدد الأجانب ومقراتهم في الساحل، بالتوازي مع التضييق بشكل كبير على حركة استخدام ميناء المخاء لأغراض تجارية وإنسانية، لتبرز تساؤلات حول حقيقة ما يجري في هذا الساحل.

لمحاولة فهم ما يجري منذ فترة في تلك المنطقة، تواصلت "العربي الجديد" مع مصادر قيادية عسكرية وأمنية يمنية في الساحل الغربي ولحج وعدن وتعز إلى جانب مصادر سياسية رفيعة. وأجمعوا على أن الساحل الغربي خرج عن سيطرة اليمنيين بشكل كلي، فيما فتحت الإمارات والسعودية الباب على مصراعيه لدول عدة للاستيطان فيه. ووفق تلك المصادر، فإن كلاً من السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل وفرنسا وبريطانيا وحتى روسيا، بات لها حضور في كل ما يجري في الساحل الغربي، من خلال إقامة تدريبات وإنشاء قواعد عسكرية. مع العلم أن فرقاً ومجموعات عسكرية ومخابراتية عدة في الساحل الغربي، موجودون ضمن تحالف يجمع أغلب هذه الدول في مواجهة التحالف والنفوذ التركي، لا سيما فرنسا والسعودية والإمارات وبريطانيا ومصر. أما الحضور الروسي فيعد باهتاً نظراً للرغبة الإماراتية بحضوره لإضفاء دور كبير في تواجدها، لا سيما أن هذه الأقطاب تحالفت في ليبيا ولعبت الدور نفسه في خندق واحد، وهو ما تحاول الإمارات تكراره في الساحل الغربي من اليمن.


باتت السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل وفرنسا وبريطانيا وروسيا في الساحل الغربي

وذكر مصدر سياسي رفيع في قيادة الشرعية لـ"العربي الجيد"، أنه إلى جانب اللاعبين العرب، السعودية والإمارات ومصر، فإن أبرز اللاعبين الدوليين الموجودين على الأرض، ويؤدون دوراً مباشراً في السواحل اليمنية، هم إسرائيل وبريطانيا وفرنسا. وتجمعهم أهداف مشتركة.

وضمن التحولات العسكرية التي يشهدها اليمن، يبدو المشروع الذي دفعت الإمارات لتكون رأس حربته بهدف إخراج الساحل الغربي المطل على البحر الأحمر من سيطرة اليمنيين، هو مشروع ورغبة بريطانية بالدرجة الأولى. وتسعى من خلاله إلى تقسيم اليمن لمناطق نفوذ تتنازعه أطراف عدة. في المقابل، فإن الوجود الفرنسي في السواحل اليمنية، يندرج ضمن تحالف المصالح بين باريس وأبوظبي، بسبب العلاقات والتحالفات المشتركة بين الفرنسيين مع الإماراتيين في مجالات عدة ومناطق عدة من العالم، خصوصاً أن الإمارات تستخدم القواعد العسكرية الفرنسية في أفريقيا. كما تملك فرنسا أكبر مشروع استثماري في اليمن، وهو مشروع الغاز الطبيعي المسال، في منطقة بلحاف في شبوة المطل على بحر العرب، وتديره شركة "توتال" الفرنسية. وتضع الإمارات يدها عليه بحماية فرنسية.

محاربة النفوذ التركي

كذلك تتشارك الدولتان في تحركات سياسية وعسكرية ومصالح اقتصادية في أفريقيا، إلى جانب أن الطرفين يجمعهما الخلاف ضد تركيا في ليبيا والبحر المتوسط، ويقودان حملة دولية ضدها. كما يحاولان قطع أي نفوذ لتركيا مستقبلاً في اليمن، من خلال إنشاء القواعد في السواحل والجزر اليمنية، وإغلاق المنافذ أمام أي محاولات لأنقرة لمد نفوذها إلى اليمن.

أما اهتمام إسرائيل باليمن وخصوصاً في الساحل الغربي، فيأتي ضمن سعيها للتواجد في منطقة حساسة تمكّنها من إنشاء قواعد عسكرية بالشراكة مع الإمارات لجعلها مركز دفاع متقدّما أمام التوسع الإيراني والتركي، وضمن رغبة التوسع الإسرائيلي في جزيرة العرب والقرن الأفريقي والحفاظ على مصالحها في الممرات الدولية. ومُنع استخدام الساحل الغربي لليمن، لا سيما الممر الدولي في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ليكون طريقاً لدعم المقاومة الفلسطينية من قبل الأتراك والإيرانيين وأطراف أخرى، فضلاً عن خنق دول عربية، لممارسة ضغوط عليها لقطع علاقتها كلياً بالفلسطينيين. كما أن الوجود الإسرائيلي هو رغبة إماراتية أيضاً، للاستفادة في إنشاء قواعد عسكرية والحفاظ على مصالحها الاقتصادية والعسكرية، لا سيما أن الطرفين يملكان قواعد عسكرية في القرن الأفريقي.

في السياق، قال الخبير العسكري العميد علي محمد الصبيحي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الساحل اليمني، تحديداً الغربي منه، هو موقع استراتيجي بالغ الأهمية حالياً في جوهر الصراعات، في اليمن أو الإقليم، في ظل سباق بناء القواعد العسكرية، والتوسع والنفوذ الدولي. وأوضح الصبيحي أن الساحل يطل على البحر الأحمر ومضيق باب المندب ويرتبط بالبحر العربي والمحيط الهندي، ويربط كلا من خطوط الإمداد من قناة السويس في أقصى غرب البحر الأحمر حتى دول الخليج والبحر العربي شرقاً. كما يتوسط المسافة ويختصرها بين مصر والسعودية والإمارات، والقواعد العسكرية والتواجد الدولي في أفريقيا، لا سيما في دول القرن الأفريقي منه. وأضاف أن هذا ما يفسر أهمية وقف العمليات العسكرية فيه بالنسبة لرغبة النفوذ الخارجي، وتقليص نفوذ اليمنيين إلى الصفر، ليقوم بالدور الذي تريده السعودية والإمارات والدول المتحالفة معهما، سواء ما يخص الصراع في اليمن، أو الصراع في سورية والعراق والخليج وحتى ليبيا، بالإضافة إلى تطورات الانقلابات العسكرية والصراعات في أفريقيا.


تعمل الإمارات وفرنسا ضد تركيا في اليمن وليبيا وأفريقيا

من جهته، ذكر أبو صقر الحميري، وهو أحد عناصر قوات حراس الجمهورية المدعومة من الإمارات، والتي يقودها طارق محمد عبدالله صالح، نجل شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، أن الساحل الغربي أصبح بمثابة منطقة تحتلها قوات متعددة الجنسيات، وانتهى فيه أي تأثير لأي طرف يمني على مسار الحرب أو الصراع في اليمن أو غيره. وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن الساحل بات معقل صراع خارجي يتخذ من السواحل والمناطق الساحلية والجزر في البحر الأحمر منطلقاً له، مشيراً إلى أن قوات حراس الجمهورية فقدت تأثيرها بما يجري في الساحل، وبات القرار والحركة فيه من اختصاص الإمارات ومخابرات دولية.

وأكد أن هذا الأمر أيضاً يسري على الحوثيين أنفسهم الموجودين في مدينة الحديدة، فهم يدركون ذلك ولا يستطيعون تجاوزه، فقرار الحرب لم يعد بيد الحكومة الشرعية ولا بيد الحوثيين وحتى القوات المتواجدة في الساحل الغربي. وقال: حتى إذا قررت الحكومة الشرعية والقوات الموجودة في الساحل تخفيف الضغط عن مأرب بفتح جبهة الحديدة، فإنها غير قادرة على تحريك لواء أو قوة عسكرية من مكانها، إذا لم ترد الأطراف الخارجية المسيطرة على الساحل الغربي.

وكشف الحميري أنه في الفترة الأخيرة تم تدريب مجموعات متعددة الأهداف بما فيها فرق اغتيالات، وإرسالها إلى خارج اليمن، ومنها السودان ودول أفريقية أخرى إضافة إلى جزيرة سقطرى اليمنية. ويُتوقع أن يكون لهذه المجموعات والفرق دور خلال الفترة المقبلة في تشكيل قواعد ومراكز تدريب، تخفف من الضغط على الإمارات وأصدقائها في الساحل الغربي. مع العلم أن الغضب اليمني يتصاعد بعد أن بدأت تتكشف الكثير من الحقائق والأدوار التي تجري في المنطقة من قبل الإماراتيين وحلفائهم الإقليميين والدوليين، في جعل جزء من الأراضي اليمنية مسرحاً لصراعات إقليمية.

من جهته، أكد القيادي في "قوات العمالقة" في الساحل أبو خالد اليافعي، لـ"العربي الجديد"، أن الحديث حول الساحل الغربي من قبل أي قوة أو قيادي يمني في المنطقة، أكان شمالياً أو جنوبياً، أصبح خطراً جداً على الشخص نفسه، وعلى مجموعته العسكرية. فقد أصبحت هناك أسئلة محرمة على جميع اليمنيين، حول مجريات ما يحصل في الساحل الغربي والمجموعات الأجنبية التي تصل إليه وجنسياتهم، إضافة إلى منع أي انتقاد للوضع فيه، ويتم التعامل مع الأمر بحذر شديد. أما بقاء اليمنيين هناك فتفرضه مهماتهم في مواجهة الحوثيين إذا ما حدثت تطورات غير محسوبة.

ونوّه اليافعي إلى أن جميع الموجودين في الساحل الغربي من اليمنيين، يخضعون بشكل شبه كامل للتجسس والتنصت، وتتم معاملتهم كعناصر المرتزقة الأجانب الذين يتم إحضارهم وتدريبهم في الساحل، لا سيما في ظل دخول وفود وجماعات ومجموعات أجنبية بشكل يومي إلى الساحل، ووصول أسلحة وطائرات مسيرة إلى الساحل. ولا أحد يعرف أين تستخدم هذه الطائرات إذا ما كانت في اليمن أو خارجه، ولا يستبعد أن الساحل الغربي أصبح معقلاً لتدريب فرق الاغتيالات في أكثر من دولة.

مشروع لتقاسم النفوذ
في سياق آخر، أشارت مصادر في هيئة الموانئ اليمنية إلى انخفاض الاستفادة من ميناء المخاء وإيراداته، بعد أن قلّت الحركة التجارية فيه. كما انخفض الاعتماد عليه كأحد الممرات الإنسانية بسبب الاستخدامات العسكرية، وبات التجار اليمنيون يعانون من المضايقات فيه، على الرغم من أنه يتوسط اليمن، ويمكن إيصال المساعدات الإنسانية والبواخر التجارية منه إلى أكثر مناطق اليمن أسرع من ميناء آخر.


اعتبرت الحكومة أن ما يجري في الساحل نتاج مشروع دولي

وعلّق مسؤولون في الحكومة الشرعية على ما يجري في الساحل الغربي، بأنه نتاج مشروع مشترك بين أكثر من طرف دولي، في إشارة إلى أنه مشروع لتقاسم النفوذ والسيطرة على سواحل اليمن وجزره وممراته ومنافذه ومناطق الثروة فيه، ليكون جزءاً من الصراع الدولي الجاري في أكثر من بلد. والمشروع الخاص في اليمن هو مشروع تقوده بريطانيا وتنفذه الإمارات على الأرض، لذلك فقد سارع البريطانيون وضغطوا ومعهم الإمارات والسعودية كثيراً على اليمنيين، لوقف العمليات العسكرية في الحديدة وكل مناطق الساحل الغربي. في المقابل، تجاهلوا ما يحدث في مأرب على الرغم من أن الوضع الإنساني في مأرب أسوأ مما كان في الحديدة.

يذكر أن مساعي السيطرة على الساحل الغربي لليمن، بدأت مباشرة بعد سيطرة التحالف السعودي الإماراتي وقوات الشرعية و"المقاومة الجنوبية" على الساحل الغربي في أكتوبر/تشرين الأول 2015، وبعدها بدأت الإمارات بتشكيل قوات عسكرية ومليشيات واستخدمت السلفيين في ذلك من خلال اختراق قوات العمالقة التابعة للشرعية. واستمرت في توسيع نفوذها في الساحل الغربي مع وجود العميد طارق محمد عبدالله صالح، من خلال دعمه لتشكيل عدة ألوية منذ عام 2017 فضلاً عن قوات مصرية وسودانية. ثم بدأ سحب البساط من تحت أقدام قوات الشرعية ممثلة في "قوات العمالقة"، من خلال استغلال الضغوط ومنع تسليح هذه القوات لتسليم قيادة القوات المشتركة للعميد طارق صالح، وصولاً حتى نهاية عام 2019 والسيطرة على معظم الساحل، لا سيما ميناء المخاء وتحويله ممراً عسكرياً للإمارات والقوات الموالية لها، وتصفية نفوذ الحكومة الشرعية، التي لم يعترف فيها حتى اللحظة العميد طارق صالح، فيما قواته ممولة كلياً من الإمارات والسعودية. ومع تقليص نفوذ "قوات العمالقة" التابعة للشرعية، التي تمكنت من إيجاد مكان لها في منطقة الساحل التابعة لمحافظة لحج والتي تفصل عدن عن الساحل الغربي، أصبح القرار العسكري في الساحل الغربي بيد الإمارات ووكلائها وتحوّل إلى ما هو عليه اليوم كمعقل لمشاريع مخابراتية تتجاوز اليمن.