الزلزال يخلط أوراق الانتخابات التركية

07 مارس 2023
فوق أنقاض منزلهما بنورداغ، السبت الماضي (سوزانا فيرا/رويترز)
+ الخط -

من المرجح إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية في 14 مايو/أيار المقبل، وهو الموعد الذي سبق أن طرحه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل حصول الزلزال في 6 فبراير/ شباط الماضي.

وفي الوقت الذي كانت تتدفق فيه الصور المأساوية من مناطق الكوارث، كان البعض يحاول أن يزن التأثير المحتمل للزلازل على السياسة التركية. والسؤال الأكثر إلحاحاً هو ما إذا كانت الانتخابات البرلمانية والرئاسية ستجرى كما هو مقرر، أم ستتأخر سنة وفق الموعد الذي ضربه أردوغان لإعادة الإعمار.

إلى وقت قريب، ما كان أحد يجرؤ على طرح السؤال حول موعد إجراء الانتخابات، بسبب الصدمة الكبيرة التي خلفها الزلزال والخسائر التي ألحقها على مستوى الأرواح والمساكن، وما نتج عنه من تهجير مئات الآلاف من مناطق سكنهم التي باتت مدمرة.

وفي جميع الأحوال، كان التقدير السائد هو أن الأمر سيعتمد على عاملين. الأول يخص توفر الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن، والثاني يتعلق بحسابات أردوغان نفسه، ومصلحته في الإبقاء على موعد 14 مايو، أو تأجيل الاقتراع إلى ما بعد الموعد النهائي وهو 18 يونيو/حزيران المقبل. وعلى العموم، هناك أولويات تسبق الانتخابات تتعلق كلها بالزلزال، على رأسها مساندة المتضررين على المستوى النفسي، أولئك الذين خرجوا من تحت الأنقاض برضوض خفيفة أو كسور، الذين فقدوا منازلهم أو بعض ذويهم.


تعتبر المعارضة أنه لا يجوز لأردوغان الترشح لـ"ولاية ثالثة"

يحتاج المتضررون إلى دعم نفسي كي يتجاوزوا آثار الصدمة، ويصبح في مقدورهم التفكير في المستقبل من جديد، وهذا يتطلب توفير أماكن استقبال وسكن لائق لفترة وجيزة ريثما يتمكنوا من بدء حياة جديدة. تحتاج هذه المسألة عملاً كبيراً من الدولة، بعد أن تنتهي حالة التضامن العام، التي برزت على نحو قوي من كافة أركان المجتمع التركي عبر حملات أهلية أدت دوراً في تخفيف العبء عن كاهل الدولة، التي يتعين عليها الآن النهوض بالمهمة، وتوفير قدر من الاستقرار للسكان الذين تضرروا من الزلزال.

صحيح أن الدولة تعمل الآن على رفع الأنقاض وإسكان الذين فقدوا منازلهم، ولكن سيبقى عليها تعويض هؤلاء عن الخسائر الكبيرة التي لحقت بهم، وتمهيد الطريق من أجل إعادة الإعمار سواء بالإمكانيات الذاتية أو بمساعدة الدولة.

صعوبات لوجستية ومادية

هناك صعوبات لوجستية ومادية، يتعلق الجانب الأول منها بتمكين قرابة مليون نزحوا من ديارهم، وتغيرت أماكن الإدلاء بأصواتهم، من ممارسة هذا الحق على نحو طبيعي. وهذا قد يكون أخف وطأة على مستوى الانتخابات الرئاسية منها على التشريعية بالنسبة للمدن التي لم تعد مسكونة، مثل أنطاكيا التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مليون ونصف المليون، منهم عدد كبير من السوريين.

على المستوى المادي، على الدولة أن تتحمل نفقات إضافية كبيرة من أجل تنظيم الانتخابات، وتمكين النازحين من الوصول إلى صناديق الاقتراع من دون أن يتحملوا المصاريف في ظل أوضاع اقتصادية صعبة. وستؤدي التكنولوجيا دوراً أساسياً في حل المصاعب.

لن تكون هذه الدورة الانتخابية عادية، بل استثنائية إلى حد كبير، وستدخل التاريخ كونها ستجرى في ظرف صعب يشبه الحروب وحالات الطوارئ، ولذلك كان سؤال التأجيل راجحاً أكثر من إبقاء الموعد كما هو عليه.

موعد 14 مايو لم يكن محل إجماع بين الحكم والمعارضة، بل جاء بتوافق الحزبين الحاكمين، العدالة والتنمية والحركة القومية، ولم يأتِ على هوى المعارضة التي وقفت أمام نقطتين أساسيتين.

النقطة الأساسية أن موعد 14 مايو من الناحية الدستورية يعني تقديم موعد الانتخابات لأسباب فنية، وليس إجراء انتخابات مبكرة. ويتطلّب تقديم الانتخابات قراراً رئاسياً، بينما يشترط إجراء انتخابات مبكرة توفّر غالبية برلمانية لا يملكها التحالف الحاكم.

واكتفى التحالف الحاكم بتقديم موعد الانتخابات من يونيو المقبل، لعدة أسباب أهمها تزامنها مع موعد الامتحانات الجامعية وموسم الحج، وهما مناسبتان لا تتيحان وقتاً كافياً للحملات الانتخابية ووصول الناخبين إلى صناديق الاقتراع بسلاسة.

النقطة الثانية مثار الخلاف هي ترشح أردوغان لولاية رئاسية جديدة. وهو أمر تعتبره المعارضة لادستورياً، وفي تفسيرها للدستور تعتبر أن ولايته الحالية هي الثانية، وهذا يعني أنه استوفى حقه بالترشح ولا تجوز له ولاية ثالثة.

التفسير الآخر للدستور يقول بالعكس، ويعتبر أن الولاية الحالية هي الأولى بعد تعديل الدستور في عام 2017 من النظام البرلماني إلى الرئاسي، وقد فاز فيها أردوغان في ظل الدستور الجديد وعلى أساسه، وبالتالي، هو الذي يحدد شروط ترشحه من عدمه.

وعلى الرغم من الجدل والضجة الكبيرة التي تثيرها المعارضة حول هاتين القضيتين، إلا أنهما لم توقفا مسار الانتخابات دستورياً. وبات من المحسوم اليوم أن موعد 14 مايو لا رجعة عنه، إلا في حال حصول تطورات جديدة على مستوى الزلازل.

سيدخل الزلزال كأحد أهم العناوين في الحملة الانتخابية، ومن غير الواضح حتى الآن كيف ستتفاعل الأطراف المتنافسة بهذه الورقة، لكن من المؤكد أنها ستوظفها لصالحها، كما لو أنها لم تكن كارثة طبيعية، وهناك أكثر من باب لكل طرف كي يدخل منه.

يعتبر توقيت الزلزال أمراً بالغ الأهمية في كيفية قدرته على إخراج حملة أردوغان الانتخابية عن مسارها، وبدلاً من التركيز على الإنجازات المهمة التي حققها الحزب الحاكم عبر عقدين من الزمن، سيكون الزلزال هو المادة الرئيسية.

كما أن الخطاب الوطني الذي ساد قبل الزلزال في ما يتعلق بإعادة اللاجئين السوريين إلى سورية والقيام بعملية عسكرية ضد "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد)، لن يكون في الصدارة، أو يعطي نفس المفعول، لأن مركز الجدل تحول نحو الزلزال، ولم يعد نحو الشأن السوري.

ومن المرجح أن تدور المعركة الانتخابية حول مسألتين أساسيتين، الأولى هي جهود الإنقاذ والإغاثة، إذ على الرغم من التحرك السريع والعمل الجبار الذي قامت به الحكومة، هناك انتقادات من المعارضة وغيرها على البطء، ومن هنا، تراهن المعارضة على كسب أصوات في هذه المناطق تحديداً.

والمسألة الثانية هي رفع الأنقاض وإعادة الإعمار، وهنا تواجه الحكومة امتحاناً صعباً، ويتعين عليها أن تبرهن على قدرتها خلال زمن قياسي على إنجاز هذه المهمة، وفي حال نجحت في ذلك، يمكن لها سحب الذرائع من يد المعارضة في ما يخص الانتقادات السابقة.

أمام الحكومة درس زلزال عام 1999، الذي كان السبب الحاسم في صعود حزب العدالة والتنمية، ووصوله إلى الحكم عام 2002. طوقت الكارثة الناتجة عن الزلزال تحالف يسار الوسط الحاكم في ذلك الوقت، ما مهّد الطريق لأزمة مالية عميقة ساعدت حزب العدالة والتنمية في الوصول إلى السلطة.

كما في عام 1999، ستتطور الأسئلة حول قوانين البناء ومعايير السلامة في ظل عقدين من حكم الحزب، الذي ازدهر فيه نشاط المقاولين المتهمين بالفساد، ومنهم المعروفون باسم "عصابة الخمسة"، الذين جنوا مليارات الدولارات في المناقصات العامة.


أمام الحكومة درس زلزال عام 1999، الذي كان السبب الحاسم في صعود حزب العدالة والتنمية

وقد أوقفت الحكومة قرابة 200 مقاول في المناطق التي ضربها الزلزال، وبدأت العمل على تشكيل لجان لإجراء مسح شامل لكل تركيا من أجل تحديد سلامة المباني، وهناك حديث عن أعمال هدم ستطاول مئات آلاف الشقق، وتعهد زعيم المعارضة الرئيسي كمال كليجدار أوغلو بأن يخوض معركة ضد المقاولين، لإسقاطهم.

أعمال الإنقاذ والإغاثة

وعلى الرغم من الانتقادات التي تسوقها المعارضة في ما يخص بطء أعمال الإنقاذ والإغاثة، فإن الحكومة حشدت فرق الإنقاذ بسرعة، وزجّت بحوالي 3500 من الأفراد العسكريين، بعد وقت قصير من وقوع الزلزال الأول الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر.

وسرعان ما تخلص أردوغان البراغماتي من خطابه القومي للترحيب بالمساعدات من الدول الغربية، بما في ذلك من إسرائيل واليونان الخصم اللدود لتركيا، وأعلن الحداد الوطني مدة سبعة أيام.

والآن يجرى حشد الجمعيات الخيرية والأخوية الإسلامية المؤيدة لحزب العدالة والتنمية للمشاركة بفعالية في الجهود، التي تقوم بها الدولة من أجل معالجة آثار الزلزال، ومساندة المتضررين، وهذه تبدو ورقة مهمة في ظل الكارثة.

ويرى خبراء غربيون أن الاستجابة الفعالة للطوارئ قد تعزز وضع زعيم حزب العدالة والتنمية وتؤدي إلى إحساس بالتضامن الوطني تحت قيادة أردوغان، الذي زار كافة المناطق التي ضربها الزلزال، وتنقل من منطقة إلى أخرى كي يعاين أعمال الإنقاذ والإغاثة.

وستكشف الأيام المقبلة مدى براعة أردوغان في تحويل الكوارث لمصلحته، كما فعل بعد الانقلاب الفاشل في عام 2016. ويقول البعض إنه سيستخدم الأزمة بالفعل لبث المزيد من الخلاف داخل المعارضة.

وعلى الرغم من الخلافات بين أحزاب المعارضة حول اختيار مرشح واحد يمثلها لمنافسة أردوغان، فإن الأغلبية اتفقت على ترشيح زعيم حزب الشعب الجمهوري كليجدار أوغلو، بعد استبعاد منافسيه رئيسي بلديتي إسطنبول أكرم إمام أوغلو وأنقرة منصور ياواش.

قد يكون حجم كارثة 6 فبراير أكبر من الحكم والمعارضة على مستوى صناديق الاقتراع، وربما ساهم الزلزال في إثارة هزة سياسية ذات مفعول سلبي، هز صور الجميع، ما قد يؤدي إلى نتائج ليست في حساب أحد. ولكن المؤكد هو أنه كلما تأخر موعد الانتخابات، زاد حجم التداعيات السلبية للزلزال والتي تلعب ضد مصلحة أردوغان.

المساهمون