يواصل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سلسلة تغييرات يقوم بها منذ عودته من رحلته العلاجية في ألمانيا، تمس مناصب عليا وحيوية في الجيش والأجهزة الأمنية، وسط مؤشرات إلى سعيه لإعادة ترتيب المشهد توافقاً مع متطلبات المرحلة المقبلة التي ستشهد أيضاً متغيرات سياسية عشية الانتخابات البرلمانية.
وأعلنت الرئاسة الجزائرية، الأربعاء، تعيين الجنرال بومدين بن عتو مستشاراً جديداً مكلفاً بالشؤون المتصلة بالدفاع والأمن، وذلك بعد إقالة المستشار السابق عبد العزيز مجاهد، الذي نقل إلى معهد الدراسات الاستراتيجية، واستدعى تبون الجنرال عتو من التقاعد، بعدما كان آخر منصب شغله هو مراقب عام للجيش، حيث كان الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة قد أنهى مهامه في سبتمبر/أيلول 2018.
كما أصدر الرئيس تبون مرسوماً رئاسياً يقضي بتعيين العميد زين الدين بناط قائداً جديداً لقوات حرس السواحل ووحداتها، بعد إقالة العميد عبد العزيز شعلال من منصبه في فبراير/شباط الماضي، حيث تم تنصيب بناط في ذلك التاريخ قبل إصدار المرسوم الرئاسي اليوم.
وأمس، الثلاثاء، أقال الرئيس الجزائري مدير الأمن العام (الشرطة) خليفة أونيسي من منصبه، الذي كان يشغله منذ أغسطس/آب 2019، وعين فريد زين الدين بن الشيخ مديراً جديداً للجهاز، وهو الرابع على التوالي للجهاز الأمني خلال أقل من ثلاث سنوات، وشغل بن الشيخ منصب مدير مكتب الإنتربول في الجزائر، وأصدر في وقت سابق بحوثاً ودراسات أكاديمية في علم الجريمة.
وسبق ذلك بيوم واحد تغيير أجراه الرئيس الجزائري في أعلى هرم وزارة الدفاع الوطني، حيث أقال عبد الحميد غريس من منصب الأمين العام لوزارة الدفاع بالإنابة، حيث كان يملك صلاحيات باسم الرئيس تبون بصفته وزيراً للدفاع، وعين خلفاً له بالإنابة الجنرال محمد الصالح بن بيشة، وذلك بعد فترة قصيرة من إقالته قائد قسم الإشارة والمعلومات والحرب الإلكترونية اللواء عبد القادر لشخم، كما أنهى مهام ثلاثة من قادة دوائر في الجيش على علاقة بالتجهيز والإمداد، وهم المدير المركزي للعتاد بوزارة الدفاع اللواء محمد تبودلت، ورئيس دائرة التنظيم والإمداد بأركان الجيش اللواء علي عكروم، ومدير الصناعات العسكرية بوزارة الدفاع رشيد شواكي، كما أقال قائد الأكاديمية العسكرية بشرشال اللواء سليم قريد.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، كان الرئيس تبون قد عين المدير السابق للعلاقات الخارجية للرئاسة نور الدين مقري مديراً لجهاز المخابرات الخارجية، بعد إقالته الجنرال محمد بوزيت، الذي شغل هذا المنصب لأقل من ثمانية أشهر بعد إقالة المدير السابق للجهاز الجنرال كمال رميلي، وفي أغسطس/آب الماضي، أقال تبون قائد جهاز الدرك عبد الرحمن عرعار، وعين اللواء نور الدين قواسمية قائداً جديداً للجهاز. كما عين في الفترة نفسها العميد عبد الغاني راشدي في منصب المدير العام لجهاز الأمن الداخلي خلفاً للجنرال واسيني بوعزة، الموقوف في السجن بتهم فساد وتزوير وإخلال بالقرارات وإهانة مرؤوس.
ويعطي المراقبون لتطورات الوضع في الجزائر تفسيرات متعددة للكثافة اللافتة للتغييرات التي يجريها الرئيس تبون في القطاعات العسكرية والأمنية، وتذهب بعضها إلى رغبته في ضخ دماء جديدة وشابة، والاستناد إلى الكفاءات الوظيفية من جهة في المؤسسة الأمنية والجيش من جهة، خاصة عشية دخول البلاد مرحلة سياسية جديدة على مقربة من الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في 12 يونيو/حزيران المقبل، وسعيه من جهة ثانية للتخلص من وجوه تدور حولها قضايا ملتبسة ستكشف عنها الفترة المقبلة. ويعتقد الباحث في الشؤون السياسية عمار سيغة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذه التغييرات تتم بشكل سريع وعلى أكثر من صعيد. وما تفسير ذلك سوى تحضيرات لمرحلة قادمة؛ لأن التصعيد الشعبي الحاصل، وعودة احتجاجات متقاعدي الجيش، وقرب الانتخابات التشريعية والمحلية، كلها دوافع لإحداث تغييرات على مستوى الأجهزة الأمنية والعسكرية. ناهيك عن أن المناسبات الانتخابية المهمة المقبلة، والظروف الحساسة التي تمر بها البلاد، وضرورات تعزيز اليقظة الأمنية، كلها نقاط تفسر هذه التغييرات". مضيفاً: "من الواضح أن التحضيرات لمرحلة ستلي الانتخابات التشريعية والمحلية تلقي بثقلها على المشهد وعلى صانع القرار في الجزائر".
لكن بعض المحللين يربطون أيضاً هذه التغييرات بعودة لافتة لكوادر أمنية وعسكرية كانت في مستويات حساسة في مرحلة ما قبل الحراك الشعبي، وتم التخلص منها من قبل قائد الجيش الراحل أحمد قايد صالح، وتمثل عودتها جزءاً من توافقات فرضتها المرحلة بين الرئيس تبون والجيش، وهو ما يذهب إليه المحلل السياسي والأستاذ في جامعة الجزائر حسين دواجي، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إنه "من الواضح أن الأمر يدخل في سياق ترتيبات المرحلة القادمة، إضافة إلى علاقة الأمر بتحضيرات التعاطي مع الحراك وإفرازات التشريعات المقبلة، وهي تجري أيضاً في سياق عملية تموقع جناح معين في السلطة أو ما أضحى يعرف بجناح قائد جهاز المخابرات الأسبق محمد مدين، ويعضده بعض قدماء مؤسسة الجيش، وعلى رأسهم وزير الدفاع الأسبق خالد نزار، الذي يبدو أنه يتجه إلى حسم الأمور لصالحه دون هوادة من خلال استرجاع رجاله ومواقعهم في مؤسسات الدولة الحساسة، مقابل إنهاء أي وجود لرجال الجناح السابق المعروف بجناح قائد الأركان السابق" أحمد قايد صالح.