الذكرى الـ13 للثورة التونسية: هل فقد شارع الحبيب بورقيبة رمزيته؟

14 يناير 2024
تونسيون يتظاهرون دعماً لغزة في شارع بورقيبة (ياسين غايدي/الأناضول)
+ الخط -

تُحيي تونس الذكرى الـ13 للثورة التونسية في شارع الحبيب بورقيبة، أو شارع الثورة كما صار يعرف، وسط العاصمة التونسية، ولكن بعد مرور كل هذه السنوات يبدو الشارع وكأنه فقَد الكثير من روحه ومن رمزيته.

ورغم أن الحراك الشعبي لم يهدأ في هذا الشارع، ما بين احتجاجات وتظاهرات ووقفات مع تنوع المشاركين وتعدد الشعارات والأهداف، إلا أن كثيرين يتساءلون: هل ما زال شارع بورقيبة هو ذات الشارع التونسي الذي شهد ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011؟

ظل هذا الشارع نابضاً بالحياة على مرّ الأعوام، رغم المدّ والجزر والمنع والحظر أحياناً، وبرغم تقييد بعض التظاهرات من حين إلى آخر، وبرغم الحواجز الأمنية التي طاولت عدة مداخل، والتي تُرفَع تارةً وتعود تارةً أخرى، وتحضر وتغيب بحسب سبب الاحتجاج والظرف السياسي والسياق العام للأحداث.

وكما كان شارع الحبيب بورقيبة رمزاً للاختلاف في أغلب الحالات، إلا أنه استطاع، أيضاً، توحيد جلّ الأطياف السياسية والاجتماعية من إسلاميين وقوميين ويساريين وغيرهم في الهبّة الشعبية التضامنية مع فلسطين بعد طوفان الأقصى.

واليوم، بعد مرور 13 عاماً على الثورة، يبدو شارع الحبيبب بورقيبة فاقداً للكثير من نبضه، رغم كل ما يحويه من صخب، ويبدو دون زخمه المعتاد ودون رموز ودون تلك الروح الثورية التي عاش على وقعها التونسيون في الأعوام الأولى للثورة، بل يكاد يُجمع العديد من التونسيين على أنّ شارع الثورة صار بلا بوصلة. وحتى إحياء ذكرى الثورة يكاد يتحول إلى مناسبة باردة روتينية. أما رموز الثورة، الذين خلّدهم التاريخ، فقد  تناسى التونسيون بعضهم، فيما غيّب الموت بقيتهم.

وأكد الشاب وديع الجلاصي، صاحب الصورة الشهيرة للقفص المزيّن براية تونس الذي كان بداخله عصفور أُطلِق في الهواء رمزاً للحرية، أنه "قرر مقاطعة إحياء الثورة في شارع الحبيب بورقيبة"، موضحاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "لم يعد هناك شارع الثورة، فهذا الشارع حبيس الواقع، وحتى رموز الثورة تمّ نسيانهم تماماً".

وأشار إلى أن "الرئيس التونسي قيس سعيّد، في أثناء ترشحه للرئاسة وخلال مناظرة تلفزيونية، جمعته بمنافسه نبيل القروي، قال إن صاحب القفص، الشاب الذي أطلق العصفور، قدم رسالة هامة مفادها أن الشعب التونسي الذي تحرر لن يعود إلى القفص، ولن يتقبل الفتات"، متسائلاً: "أين صاحب القفص؟ ذلك الشاب الذي كان عمره 21 عاماً ويتقد حيوية ويحلم بواقع أفضل؟"، ويجيب الجلاصي بنفسه: "بعد 13 عاماً تحول إلى شاب منسيّ، حاله كحال عديد الشباب، وتدهورت ظروفه المعيشية، واليوم يشعر بالكثير من اليأس"، مؤكداً أنه "تلقى عدة عروض مغرية لكي يبيع القفص ويتخلص منه، ولكنه رفض نظراً للرمزية التي يحملها".

رموز ارتبطوا بشارع الحبيب بورقيبة

ومن بين رموز الثورة التونسية الذين ارتبطوا بشارع الحبيب بورقيبة، أحمد الحفناوي، صاحب المقولة الأشهر: "لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية"، وكان الحفناوي قد أطلق جملته التي التقطتها كاميرات المصورين، في شارع الثورة بعد فرار الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي.

وتوفي الحفناوي في العام الماضي، أياماً قليلة قبل حلول الذكرى الـ12 لاندلاع الثورة التونسية، بعد أن ظل منسيّاً طوال سنوات، وتدهورت ظروفه الصحية والمعيشية.

أما الناشطة الحقوقية والأستاذة الجامعية والمدونة، لينا بن مهنى، التي عُرفت بمعارضتها لسياسة حجب المواقع على شبكة الإنترنت في زمن بن علي، وهي الشابة التي وثّقت تفاصيل مهمة من انتفاضة 17 ديسمبر/كانون الأول و14 يناير/كانون الثاني، ونقلت الاحتجاجات التي جابت المدن التونسية، فقد غيّبها الموت في سنّ مبكرة بسبب المرض. وتوفيت أيقونة الثورة لينا بن مهنى عن 37 عاماً في 27 يناير/كانون الثاني 2020 .

وقال المحلل السياسي، قاسم الغربي، لـ"العربي الجديد" إن "شارع الحبيب بورقيبة فقد الكثير مما عاشه في 2011"، مبيناً أن الشارع كان يحفل بـ"عدة حلقات نقاش، وبقطع النظر عن الجانب السياسي والوقفات الاحتجاجية، كان هذا الشارع فرصة للعديد من المثقفين التونسيين للتحاور وتبادل وجهات النظر. ولكن يبدو أن كل هذا أصبح غائباً"، مشيراً إلى أنه "بعد 7 أكتوبر، أي عملية طوفان الأقصى، عاد شارع الحبيب بورقيبة ليحتضن مجدداً بعض النقاشات، وعادت الروح إليه، ولو نسبياً".

ولفت إلى أن "ما ينقص شارع الحبيب بورقيبة هو الجانب الثقافي والإبداعي، حيث لا يجوز أن يقتصر دوره فقط على الجانب السياسي"، موضحاً أنه "في بعض المناسبات والتظاهرات كنا قد شهدنا عودة الروح إلى هذا الشارع الرمز، وتم رفع العديد من الحواجز الأمنية والقيود عنه، ولكنه لم يستعد كل حريته، فهو لا يزال مغلقاً في بعض الأماكن، والحرية التي عاشها بعد الثورة لم تعد إليه بعد"، مضيفاً أن "الرموز التي عرفناها خلال الثورة غابت عنه، وأصبح هناك نوع من الحزن، وعاد شارعاً عادياً كباقي الشوارع".

وأضاف الغربي أن "شارع الحبيب بورقيبة فقد رمزيته، وأصبحت هناك رتابة"، مؤكداً أنه "حتى إحياء ذكرى الثورة أصبح حوله الكثير من الاختلاف، وقد نختلف في عدة تواريخ، ولكن يجب أن يبقى 14 يناير ذكرى مهمة لدى التونسيين، ولكن للأسف الاختلاف حول التاريخ جعل إحياء هذه الذكرى بارداً تماماً مثلما حصل العام الماضي".

المساهمون