الذكرى السابعة لسقوط الموصل: حماية قضائية مستمرة للمتورطين

10 يونيو 2021
دُمّر أكثر من 56 ألف منزل في المدينة (فرانس برس)
+ الخط -

يستعيد أهالي الموصل العراقية، اليوم الخميس، ذكرى سقوط المدينة في 10 يونيو/حزيران 2014، على يد أقل من 300 عنصر من مسلحي تنظيم "داعش"، آتين من الأراضي السورية المجاورة، بعد انسحاب مشبوه للقوات العراقية من المدينة، وترك أكثر من مليوني شخص تحت رحمة مسلحي التنظيم، الذي استولى على معسكرات وقواعد، مع كل ما تتضمنه من سلاح ومعدات. بعدها، توالى سقوط أكثر من 20 مدينة في غضون أقل من أسبوع، في شمال البلاد وغربها، أبرزها البعاج وتلعفر وسنجار والقيادة والحظر وربيعة والجزيرة، ثم تكريت وبلد والدور والإسحاقي، وصولاً إلى الرمادي وهيت والرطبة والقائم والكرمة وراوة وعانة وألوس وبلدات أخرى، والتي شكّلت مساحة تزيد عن 45 في المائة من إجمالي الخريطة العراقية.

ومنذ ذلك الحين اتسعت مساحة الخراب في العراق، بعد سقوط الموصل، وتلاحقت الأحداث والمعارك، لترتفع فاتورة الدم في البلاد لمستويات قياسية بعد تسجيل أكثر من ربع مليون قتيل وجريح واختطاف وتغييب عشرات آلاف الأشخاص بين عامي 2014 و2017. وطاول الدمار البنى التحتية والأملاك العامة، وبلغت قيمته وفقاً لوزارة التخطيط العراقية أكثر من 88 مليارات دولار، كان نصيب الموصل منها كبيراً، بعد تدمير أكثر من 56 ألف منزل. ويُعتقد أن جثث أصحاب نحو ألف منزل مدفونون تحت أنقاضها، إضافة إلى تسجيل أسماء 11 ألف مفقود.


القضاء العراقي لم يفتح ملف الرواية الكاملة لسقوط الموصل وربما غيّبه كيلا يظهر مستقبلاً

ومضت نحو 4 سنوات على استعادة القوات العراقية، بدعم من التحالف الدولي السيطرة على مدينة الموصل وطرد مسلحي تنظيم "داعش"، في يوليو/ تموز 2017، وذلك بعد نحو 10 أشهر من المعارك التي خلّفت عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين، يقدرهم نواب ومسؤولون بعشرات ألاف القتلى والجرحى، أغلبهم من النساء والأطفال. ولم يتغير الكثير حتى اليوم، إذ لا تزال تبذل جهود لانتشال ما تبقى من جثث سكان الموصل، التي ما زالت جاثمة تحت أنقاض المباني المهدمة المطلة على نهر دجلة، فيما لا يزال عشرات آلاف من أبناء المدينة في عداد النازحين.

أما القضاء العراقي فما زال يماطل في فتح ملف التحقيق بسقوط المدينة، الذي تسلّمه من البرلمان العراقي في نهاية شهر أغسطس/آب 2015 ويحمل إدانة لـ 35 شخصية حكومية وأمنية، على رأسها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي أُدين من قبل لجنة تحقيق برلمانية، بالمسؤولية عن سقوط الموصل.

وحول ملف المدينة والقانون، يقول أحمد الملا (67 عاماً)، إن القضاء مستمر بمحاسبة من تعاون أو تعامل مع "داعش" بعد احتلاله الموصل، لكنه لا يحاسب من أدخل التنظيم للمدينة. ويضيف الملا الذي كان يملك معملاً لصنع الحلقوم الحلبي، قبل أن تدمّره الحرب: "لا يستحون من الله وما زالت رائحة الجثث تفوح كلما هبت ريح قوية على المنطقة، هل سيستحون من الناس ويقدمون من تسبب بهذا الموت للعدالة؟". ويتهم القضاء بـ"التواطؤ مع السياسيين في السكوت عن أخذ حق الضحايا الذين قتلوا أو تهجروا، والآخرين الذين لا يعرف مصيرهم لغاية الآن".

من جهته، ينقل الناشط الذي يعمل في الموصل، يحيى الأعرجي، الحالة الاجتماعية الحالية في المدينة، والنقمة من تقدّم الزمن من دون أي محاسبة لأحد من القادة المسؤولين والمتهمين بسقوط المدينة. ويقول في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "أهالي الموصل يشعرون أنهم غير مهمّين بالنسبة للقضاء والدولة العراقية، وأنهم تعرضوا إلى مواجهة أقسى وأخطر التنظيمات الإرهابية في العالم، وقد تغلبوا عليه بخسائر فادحة، ومع ذلك لم تعمّر مدينتهم ولم يحصلوا على التعويضات الكافية لاسترجاع حياتهم القديمة. كما أن المسؤولين عن سقوط وخراب مدينتهم لا يزالون أحرارا، بل ويمارسون أدواراً سياسية متجددة".

ويشير إلى أن "ذكرى سقوط المدينة من كل عام، هو أسوأ الأيام التي يتذكرها الأهالي، وهم ينتظرون تفعيل الملفات القضائية بحق المتهمين، لا سيما رئيس الحكومة العراقية آنذاك نوري المالكي، كونه القائد العام للقوات المسلحة في تلك الفترة. لأن محاسبة المتورطين والمتسببين بسقوط المدينة سيدفع الأهالي للإيمان بالقانون أكثر وبالدولة العراقية".

وعلى الرغم من أن القضاء العراقي استكمل غالبية بنود التحقيق بسقوط المدينة على أيدي "داعش"، إلا أنه لم يستدع لغاية الآن أيا من الأسماء التي ذكرها التقرير، وعلى رأسهم المالكي، المتهم الأول بالقضية وفقاً لنصّ التقرير البرلماني الذي جاء فيه أن "المالكي و35 مسؤولاً كبيراً يتحمّلون مسؤولية تسليم الموصل للتنظيم من دون قتال".

وحول مسار التحقيقات، يكشف أحد أعضاء اللجنة التحقيقية في البرلمان لـ"العربي الجديد"، أن "البرلمان أنهى منذ ست سنوات العمل على ملف الرواية الكاملة لسقوط مدينة الموصل، وتحديد المتسببين والمتورطين بعمد أو من غير عمد به. وقد أوعز إلى الدوائر القضائية ببدء العمل بعد إنهاء القراءات الخاصة بالملف قضائياً، لكن القضاء العراقي لم يفتح الملف وربما غيّبه بطريقة قد لا يظهر بها في المستقبل. مع العلم أن الملف يعاني أساساً من ضغوط داخلية عبر قوى سياسية أبرزها حزب الدعوة، وحتى بعض الكتل السياسية العربية السنية، إضافة إلى ضغوط خارجية لا تريد أن يتم محاسبة بعض الموالين لها في العراق".

ويشدّد على أن "اللجنة التحقيقية حمّلت نوري المالكي بالأساس مسؤولية سقوط الموصل وبقية مدن العراق بيد تنظيم داعش، إضافة إلى قادة سياسيين من الخط الأول، وقادة عسكريين، ولكن المحاكم العسكرية في وزارتي الدفاع والداخلية عاقبت عدداً من الضباط برتب بسيطة وعادية وحملتهم المسؤولية، في حيلة لإبعاد الشبهة عن المتهمين الأوائل. والتحقيق بهذا الأمر ليس من صلاحيات البرلمان، بل يخضع لمراقبة ومتابعة القضاء العراقي". ويؤكد أن "بعض القوى السياسية ومنها ائتلاف دولة القانون، بزعامة المالكي، كانت قد وضعت جملة من الاشتراطات مقابل التصويت ودعم الحكومة السابقة بقيادة عادل عبد المهدي، من بينها منع القضاء من فتح التحقيق بسقوط المدن المحررة".


لا يزال نحو 40 في المائة من سكان الموصل نازحين

من جهته، يؤكد المسؤول المحلي السابق في محافظة نينوى حسام العبّار، أن "جميع الملفات المرتبطة بالمدن المحررة، لا سيما نينوى، معطلة، بما في ذلك ملف إعمار المدينة، إضافة إلى التحقيق بأسباب سقوطها. وأحياناً يتم إظهار هذا الملف لدوافع سياسية وانتخابية، ولكن الأهالي في مدينة الموصل يطالبون في كل سنة في ذكرى سقوطها بتحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين". وينقل في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، خشية الأهالي من "إهمال الملف أكثر، ليصبح جزءاً من التاريخ، بتواطؤ سياسي وتشابك مصالح بعض الشخصيات البارزة في محافظة نينوى".

ولا يزال نحو 40 في المائة من سكان الموصل نازحين، بفعل هدم منازلهم أو الخوف من عدم الاستقرار، خصوصاً في سهل نينوى. وتواصل الحكومة التنصل من وعودها بدفع تعويضات تساعد السكان على إعادة إعمار منازلهم والاستقرار فيها مجدداً. وخلال الأشهر الماضية توقفت قوات الأمن العراقية وأخرى مرتبطة بالسلطات الصحية عن رحلة التفتيش تحت ركام مدينة الموصل القديمة، بحثاً عن جثث الأهالي الذين قضوا جرّاء القصف العشوائي والأخطاء العسكرية التي ارتكبتها القوات العراقية وطيران التحالف الدولي، إضافة إلى العبوات التي تركها عناصر تنظيم "داعش" في المدينة. غير أنه يتم العثور بين فترة وأخرى على جثث تحت الأنقاض، وغالباً ما يتم إيداعها في المراكز الصحية لأسابيع قليلة، ويتم الإعلان عنها، بعد أن يتم التوصل إلى ذويها. أما الغالبية فيتم دفنها في مقابر خصصت للغرباء والمجهولين وقتلى الحرب، وبوثائق رسمية.

بدوره، يعتبر محافظ نينوى الأسبق، أثيل النجيفي، أبرز من وردت أسماؤهم ضمن قائمة المتورطين في سقوط المدينة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "بعض القوى السياسية والعسكرية في العراق تواصل طمر الحقيقة بخصوص الجهات والشخصيات المتورطة فعلاً بسقوط المدينة. وتسعى إلى اتهام موظفين مدنيين بانهيار الجيش العراقي أمام تنظيم داعش وانسحابه وجعل الأهالي في مواجهة جماعة إرهابية". ويرى بأنه "لا بدّ للقضاء العراقي أن يحاسب الذين أعطوا الأوامر العسكرية للقادة الأمنيين الذين انسحبوا من مواجهة داعش، وليس اتهام الحكومة المحلية في مدينة نينوى التي تضررت بقدر ما تضرر الأهالي".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية