الدراما السياسية... أسلوب حكم

20 أكتوبر 2021
على تبون تقديم التطمينات في بعض الملفات (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

كثير من الأنظمة السياسية في المنطقة العربية خصوصاً، تنحاز إلى أشكال من "الدراما السياسية" بكل ما تحمل من تشويق وغموض وفواعل ظاهرة أو مستترة، ووهمية في بعض الأحيان، كأسلوب حكم، عندما تفتقر إلى مشروع إدارة وتنمية وإصلاح واضح يأخذ بالقواعد البيداغوجية للحكم والإدارة الحديثة للسياسة والاقتصاد. وبمناسبة القلق المتزايد المعبّر عنه من قبل مجموع الأحزاب والقوى المدنية من التضييق السياسي، وتفاقم هروب الشباب عبر قوارب الهجرة السرية، ومن الغلاء الفاحش وتردي الأوضاع المعيشية في البلاد، قطاع واسع من الجزائريين لم يعد مقتنعاً بخطاب السلطة السياسية. ويتحدث الرئيس عبد المجيد تبون والوزراء في الحكومة، عن دراما تتمحور حول وجود مجموعات تزرع اليأس والإحباط لدى الشباب والرأي العام، فضلاً عن وجود لوبيات متحكّمة في السوق وتضبط إيقاع الإنتاج والتوزيع والأسعار، بهدف إثارة الوضع الاجتماعي وتفجيره لغايات سياسية وعرقلة مشروع الإصلاح، الذي يعمل بموجبه تبون منذ انتخابه في ديسمبر/كانون الأول 2019، باسم "الجزائر الجديدة".
وعندما تكرّر السلطة للمواطن حديثاً مركزاً عن "لوبيات" تستهدف زعزعة الاستقرار، و"جهات" تمارس المضاربة في السلع واسعة الاستهلاك، من دون أن تكشف هويتهم، ولا تفكيك المنظومة التي تقوم بذلك، مع ما تملك الدولة من سلطة وقانون وأجهزة ومؤسسات، يصبح الأمر مفتوحاً على احتمالين. الاحتمال الأول هو إما أن هذه المنظومة أقوى من الدولة فعلاً أو أكثر قدرة على التسلل من بين يديها، ولذلك تستمر في هيمنتها وتفشل الدولة في مواجهتها، وهنا يطرح سؤال الهشاشة في مواجهة منظومات أخرى قد تكون أكثر شدة في إيذاء البلد والناس. والاحتمال الثاني هو أن القصة كلها مركّبة سياسياً لتبرير الفشل في تدبير الشأن العام وتسييره ليس إلا.

ليس من الموضوعية مطالبة السلطة الجديدة على مشارف عامين من حكم تبون، بمنجزات كبيرة على صعيد الإصلاح السياسي والاقتصادي، خصوصاً مع تفاقم أزمة وباء كورونا وتداعياتها على الاقتصاد الكلي، وهذا صحيح، لكن على الأقل يمكن المطالبة بحد أدنى من البصمة الواضحة والمؤشرات المطمئنة، في تحسين إدارة الشأن العام واحترام الحريات ومنح الشباب أفقاً لحياة جديدة. كما يجب على السلطات ضبط سوق التموين، في توزيع البطاطا مثلاً، وفي الحدّ من ندرة الحليب والزيت، مع أن مصادر الإنتاج معلومة ومسارات التوزيع لا تخفى. ويتوجب أيضاً توفير الكتاب المدرسي. وعندما تغيب هذه البصمة في حدها الأدنى، يصبح من الطبيعي أن تغلب في اليوميات الجزائرية، مشاهد الطوابير في البر، وقوارب الهجرة في البحر.

التحديات الإقليمية على كثرة تعقيداتها، يجب ألا تُنسي السلطة أن صمّام القوة الأساس هو التنمية وتحصين الجبهة الداخلية اجتماعياً وسياسياً، فاليأس الاجتماعي لا يُزرع، والإحباط السياسي معروف، والجزائريون يعرفون تمام المعرفة واعتادوا على جنوح السلطة إلى التبريرات السهلة والاتكاء عليها لتفسير الأزمات الداخلية، وعند الإخفاق في ضبط إيقاع أفضل للحياة العامة. وتصبح "الدراما السياسية" بالنسبة للسلطة أسلوب حكم، وطريقة لتسيير الشأن العام، وتأخذ هذه الدراما السلطة بعيداً في خيارات ليست مدروسة بالضرورة، إلى أن تحدث صدمة أخرى.