وصل رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، إلى العاصمة تونس، اليوم الأربعاء، برفقة وفد حكومي رفيع يضم النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، رمضان أبو جناح، ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، عادل جمعة.
وبالإضافة إلى محافظ البنك المركزي الصديق الكبير، ورئيس ديوان المحاسبة، يضم الوفد وزير الاقتصاد محمد الحويج، ووزير المالية خالد المبروك، ووزيرة العدل حليمة البوسيفي، ووزير الداخلية عماد الطرابلسي.
ووفقاً للمشاهد المرئية التي نقلتها قناة فبراير، المقربة من حكومة الوحدة الوطنية، كانت رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن، في استقبال الدبيبة.
وقال المتحدث الرسمي باسم حكومة الوحدة الوطنية محمد حمودة، إن الدبيبة سيرافقه وفد حكومي رفيع المستوى، بالإضافة إلى محافظ البنك المركزي الصديق الكبير، ورئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك.
وأوضح حمودة لـ"العربي الجديد"، أن الدبيبة سيبحث مع نظيرته التونسية "ملفات مشتركة بين البلدين"، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي والتجاري.
لقاء بودن-الدبيبة
وانعقد اليوم الأربعاء، لقاء رفيع المستوى بين وفدي البلدين، برئاسة كل من رئيسة الحكومة نجلاء بودن ونظيرها الليبي عبد الحميد الدبيبة.
واعتبرت بودن أن "هذا اللقاء يمثل مناسبة متجددة من أجل مزيد تعزيز علاقات التضامن والتعاون بين تونس وليبيا، في ظلّ سياق إقليمي ودوليّ بات يفرض توحيد الجهود لمزيد التقارب والتعاون، تأكيداً للطابع الاستراتيجي للعلاقات التونسية الليبية".
وجددت "موقف تونس الثابت للوقوف إلى جانب الأشقاء الليبيين، ودعم جهودهم من أجل إيجاد تسوية مستدامة للوضع في ليبيا، تُعيدُ إليها الأمن والاستقرار"، مشددة على أن "تونس لن تدخر أي جهد من أجل المساعدة على المضي قدماً نحو حوار ليبي - ليبي وتحقيق المصالحة بما يحفظ وحدة ليبيا وسيادتها الوطنية".
وفي بيان لرئاسة الحكومة التونسية، أضافت بودن أن "تونس تظل خير سند لليبيا الشقيقة حتى استكمال استحقاقاتها الانتخابية بما يسهم في دعم مسارها الديمقراطي، واستعادة تعافيها، وتركيز مؤسساتها الدستورية الدائمة، تحقيقاً لتطلعات وآمال شعبها وترسيخاً لمكانتها كطرف وازن في محيطها الإقليمي والدّولي".
من جانبه أشار رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، إلى أن "الأوضاع على الصعيدين الدولي والإقليمي تشهد تطورات متسارعة وهو ما يفرض تعزيز العمل المشترك وتوحيد السياسات في مواجهة هذه التحديات المتزايدة".
وأضاف أن "الشعب الليبي مصمم على فرض إرادته وتحقيق آماله وطموحاته في إنهاء كل المراحل الانتقالية التي فرضت الفوضى والتخبط، والعبور إلى مرحلة البناء والتنمية، لذلك فإن الشعب الليبي يعول أكثر من أي وقت مضى على دول الجوار، وخصوصاً دول الجوار المغاربي في تحقيق الاستقرار السياسي في ليبيا".
واعتبر الدبيبة أن "أي خطر أو زعزعة للاستقرار في ليبيا يمثل خطراً على تونس" مضيفاً أن "هدفنا المشترك يتمثل في ضمان حياة حرة وكريمة للشعبين وتمهيد الطريق لبناء مستقبل زاهر للأجيال القادمة".
ودعا الدبيبة في كلمته إلى "التوجه نحو تعزيز وترسيخ التعاون والتكامل وتبادل الخبرات والقدرات في كل المجالات والعمل على تشكيل فرق عمل مشتركة تضم خبراء من البلدين في كل القطاعات لتحديد الأهداف السياسية والأمنية والاقتصادية المشتركة، ووضع الآليات اللازمة خاصة ما يتعلق بأولويات التعاون وعلى رأسها التنسيق الأمني وتبادل المعلومات ومحاربة التنظيمات الإرهابية وعصابات الإجرام المنظم"، كما أبرز أهمية التنسيق المشترك "في تسيير المنافذ الحدودية بين البلدين والعمل على إنهاء الإشكاليات التي يواجهها عدد كبير من المواطنين ورجال الأعمال الليبيين في المعابر الحدودية".
زيارة مؤجلة
وكانت رئاسة الحكومة التونسية قد أعلنت، أمس الثلاثاء، أن الدبيبة سيجري "زيارة عمل لتونس يومي 30 نوفمبر/ تشرين الثاني ومطلع ديسمبر/ كانون الأول"، وذلك "تدعيماً لأواصر الأخوة والتعاون المشترك بين البلدين".
وقالت الحكومة التونسية عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، إنه سيرافق الدبيبة في زيارته "وفد وزاري هام ورفيع المستوى، وسيجمعه لقاء ثنائي مع رئيسة الحكومة السيدة نجلاء بودن رمضان، لبحث مجالات التعاون بين البلدين الشقيقين"، مضيفةً أن الزيارة ستكون "مناسبة لعقد اجتماعات موسعة بين وفدي البلدين".
وكان من المقرر أن يجري الدبيبة زيارته لتونس في إبريل/ نيسان الماضي، ونفى الدبيبة أن تكون زيارته تلك لتونس قد أُجِّلَت بطلب من السلطات التونسيّة أو بطلب ليبي أو لأي سبب سياسي، وفق تصريح له لإذاعة موزاييك منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.
وأضاف الدبيبة في ذات التصريح، أن ارتباطات قيادتَي البلدين حالت دون الاتفاق على موعد محدد للزيارة، مشيراً إلى أن بودن قد تقوم بزيارة قريبة لليبيا، وأنه عازم على إجراء زيارة قريبة لتونس.
ووصف الدبيبة علاقته بنظيرته التونسية بـ"المتميزة"، مشيراً إلى أنه التقاها في أكثر من مناسبة، غير أن تلك اللقاءات "لم تكن في تونس أو ليبيا".
وفيما شدد الدبيبة على متانة العلاقة مع الجارة تونس، أشار إلى أن العلاقات بين البلدين "تقترب وتبتعد، ويحكمها المد والجزر"، وأن كلا البلدين منشغل بمشاكله الداخلية.
وكان الدبيبة قد انتقد، في أغسطس/ آب من عام 2021، ما روّجته بعض وسائل الإعلام التونسية والعربية حول دخول إرهابيين من ليبيا إلى تونس.
وأكد الدبيبة، في كلمة للشعب الليبي رداً على تلك الاتهامات، أن "الإرهاب قادم إلى ليبيا من الخارج، وأن الشعب الليبي شعب حر ولا يقبل اتهامه بالإرهاب".
وبدوره، نفى وزير الشؤون الخارجية التونسية عثمان الجرندي، في تصريح للتلفزيون الرسمي، ما جرى تداوله بشأن وجود أطراف إرهابية في ليبيا تحاول التسلل إلى تونس، واصفاً إياها بأنها "لا أساس لها من الصحة، وهي مجرد أخبار فيسبوكية".
مباحثات اقتصادية
غير أن العلاقات بين الطرفين شهدت تحسناً واضحاً بعد ذلك، وجرت لقاءات اقتصادية متعددة، آخرها منذ حوالى أسبوعين، عندما استقبلت طرابلس وفداً وزارياً تونسياً رفيع المستوى، ضم كلاً من وزيرة الصناعة والطاقة نايلة القنجي، ووزير النقل ربيع المجيدي، ووزيرة التجارة فضيلة الرابحي، ومديرة الشركة التونسية لصناعات التكرير فاختة المحواشي، والتقى الوفد وزيرة الخارجية والتعاون الدولي الليبية نجلاء المنقوش.
واعتبر الباحث في العلاقات الدولية، والمختص في الشأن الليبي بشير الجويني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "طبيعة مباحثات الوفد الذي سيزور تونس اقتصادية بالأساس. ووفق ما راج من أنباء، فإن رئيس الحكومة الليبي سيكون بصحبة محافظ البنك المركزي، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط، ورئيس ديوان المحاسبة، ومجموعة من المسؤولين".
وتابع الجويني، أن "توقيت الزيارة يأتي بعد زيارة وفد وزاري تونسي لم تترأسه رئيسة الحكومة نجلاء بودن، خلافاً لما كان منتظراً في طرابلس"، مرجحاً أن "يكون الجانب الاقتصادي هو الشغل الشاغل للجانبين، فيما يبقى ما وراء المشغل الاقتصادي سؤالاً للبحث"، حسب توصيفه.
ولفت إلى أن "تذبذب العلاقة بين الطرفين لم يكن من الجانب الليبي دائماً، بل كان الشد والجذب من الجانب التونسي مع رد فعل من جانب ليبيا"، مذكراً بـ"إغلاق الحدود في زمن هشام المشيشي، ثم البرود من الجانب التونسي، والتقرير الأمني المكذوب الذي تحدث عنه الدبيبة بشأن إمكانية تسلل إرهابيين من ليبيا، التي رد عليها الدبيبة بشكل حازم، ثم حاول لملمة المسألة".
وشدد على أن "جانباً كبيراً من التجاذب مرتبط بسوء إدارة تونس للعلاقات الخارجية، خصوصاً بعد 25 يوليو/ تموز عام 2021، والتخبط والانتماءات الإقليمية التي تؤثر بالسيادة التونسية والقرارات والمصلحة العليا لتونس".
واعتبر الجويني أن "الجانب الاقتصادي يسير بمعزل عن الحكومتين، وبعيداً عن الجانب الرسمي، خصوصاً على مستوى التبادل الشعبي أو غير النظامي بين البلدين، فهذا ليست له علاقة بما يحدث بين الحكومتين ولا يتأثر به، والدليل أن المناطق الحدودية بين البلدين تعيش من بعضها".
وقال الخبير: "نخشى أن تكون الحسابات السياسية وراء التقارب، وليست نتيجة وعي من قيادة البلدين بضرورة الاستجابة للتحديات الإقليمية والاقتصادية، التي كان جزء كبير منها ينبع من المشاكل التي تعيشها المناطق الحدودية، والتي لن تحل بالمقاربة الأمنية، بل بمقاربات شاملة اندماجية تقدم حلولاً حقيقية لهذه المناطق".
وبين الجويني، أن "هناك ثلاث نقاط رئيسية ستمثل اختباراً لجدية البلدين والحكومتين على الإنجاز، يتمثل الأول في افتتاح المسارات الجديدة في معبر رأس الجدير عبر توسيعه باعتباره أكبر معبر في أفريقيا، والجانب الثاني يتمثل بافتتاح الخط البحري التجاري بين تونس وطرابلس، لنقل الأشخاص والبضائع لتأمين بديل للخط البري، وثالثاً التنسيق المحكم في الجانب الطاقي والمالي".