شهدت أحياء مدينة الخرطوم بحري، اليوم الأحد، حرب شوارع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في ظل اشتباكات مستمرة منذ أمس السبت.
وتركّزت الاشتباكات، اليوم الأحد، في المناطق القريبة من جسر المك نمر، الرابط بين الخرطوم والخرطوم بحري، وهو الجسر الأقرب للقصر الرئاسي، ومقر عدد من الوزارات والمصالح الحكومية، ولا يبعد كثيراً عن المقار العسكرية، ومنها قيادة الجيش في مدينة بحري شمالي الخرطوم، وهي واحدة من المدن الثلاث المكونة للعاصمة، ويعيش فيها أكثر من مليوني نسمة، وفيها سجن كوبر القومي، أكبر وأشهر السجون السودانية، الذي يقبع فيه رموز نظام الرئيس المعزول عمر البشير، كما يوجد فيها مقر لجهاز المخابرات وغيرها من المناطق الاستراتجية والوحدات العسكرية، إضافة إلى مقار لقوات الدعم السريع التي تسيطر حتى الآن على جسر الحلفايا الرابط بين الخرطوم بحري وأم درمان.
المدينة التي كانت تضج بالحياة، والأسواق المزدحمة، لا سيما في شهر رمضان مع اقتراب عيد الفطر، أصبحت خالية تماماً من المارة، خاصة في أحياء الدناقلة والختمية وحلة خوجلي وحلة حمد والأملاك والمزاد الصافية وشمبات والهجرة، وهي الأحياء الأكثر تأثراً بالمعارك الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
النيران العشوائية أصابت قاطني تلك الأحياء بالخوف والهلع، ويؤكد شهود عيان لـ"العربي الجديد" وقوع إصابات وسط المدنيين. وشهد مراسل "العربي الجديد" نقل الأهالي 3 مصابين في غياب سيارات الإسعاف، بعد تعرضهم لإطلاق نار عشوائي وهم يستقلون سيارة خاصة في شارع المزاد.
وبحسب مراسل "العربي الجديد"، أغلق سوق الخضار والفواكهة واللحوم بمدنية بحري، وهو السوق الذي يمد، مع السوق المركزي بشمبات، المدينة بكل احتياجاتها الغذائية. كما أغلقت المطاعم، وانعدمت وسائل النقل، وشوهد مئات المواطنيين يسيرون راجلين إلى مناطقهم على بعد عدة كيلومترات باتجاه شرق النيل وأم درمان.
خدمات المياه والكهرباء معدومة لساعات، وتعرضت محال سوق بحري الكبير للسرقة، خصوصاً محال الملابس والأحذية، وازدحمت منطقة السوق بالمشردين.
ويقول علي الحاج، أحد سكان مدينة الخرطوم بحري، إنهم أصبحوا عاجزين عن النوم تماما في المساء بسبب الخوف والرعب واستمرار الاشتباكات من دون أي بارقة أمل بتوقفها في وقت قريب، كما أبدى لـ"العربي الجديد" قلقه من انقطاع خدمات المياه والكهرباء، ونتائجها السلبية على حياة المواطنيين.
أما الهادي الطيب، التاجر بسوق سعد قشرة، فيقول لـ"العربي الجديد" إن الاشتباكات خلّفت منذ صباح السبت رعباً كبيراً وسط التجار، الذين أغلقوا محالّهم فورا وعلى عجل، وتوجهوا إلى مناطقهم السكنية لاتقاء الرصاص، مشيراً إلى أنهم اعتادوا التعايش مع الغاز المسيل للدموع، لكنهم صدموا بواقع الحرب ومناخها وأصواتها وكل تفاصيلها، بعد أن أصبحت مدينتهم قلعة حربية، وهي التي نعمت بالآمان لعقود.
ويضيف الطيب أن سوق قشرة، مثل غيره من الأسواق الكبيرة، سيبقى مغلقاً على ما يبدو، ما لم يعد الهدوء مجدداً، ما يعني نكسة اقتصادية للتجار، خصوصا تجار الملابس الذين تشكل هذه الأيام موسماً لهم، تمكّنهم من سداد ما عليهم من ديون، وجني الأرباح في عيد الفطر.
أما أسامة حسين، وهو صاحب ورشة حدادة بسوق بحري، فيقول لـ"العربي الجديد" إن الحرب خلفت واقعاً مزرياً جديداً للعاملين في الورش، وهو ما أرعبهم حين أوقف مصادر دخولهم اليومية، وأكد أن العمل متوقف تماماً في الورشة التي يتكسب منها لإعالة أسرته، مع توقف جميع أنشطة سوق بحري التجارية. أوقفت الحرب ايضا، بحسب حسين، مائدة إفطار جماعية رمضانية تتطوعت بها أسر من أحياء قريبة.
من جهتها، تؤكد الطبيبة في مستشفى بحري التعليمى، سواحل إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، وصول أعداد كبيرة من المصابين إلى المستشفى، لكنهم لا يجدون الكوادر الطبية، ولا ما يضمدون به جراحهم، مضيفة أن المستشفى يفتقد أدنى المقومات الطبية، حتى لوازم الإسعافات الأولية، ومستهلكات الطوارئ، ومن بينها الأوكسجين، ومعظم الأدوية، عدا المحاليل الوريدية. أما انقطاع التيار الكهربائي والمياه بصورة عامة عن المستشفى ففاقم أوضاع المرضى.
ويقول موسى الحلو، وهو صاحب سيارة نقل عمومية، لـ"العربي الجديد"، إن جميع محطات الوقود في محلية بحري مغلقة بالكامل، نتيجة للظروف الأمنية، ويجد أصحاب السيارات صعوبة في التزود بالوقود، متوقعا أن يحدث ذلك الإغلاق أثراً على نقل المواد الغذائية والمرضى والجرحى، وطالب طرفي القتال بوقف إطلاق النار مراعاة للظروف الإنسانية للسكان.