قالت مصادر مصرية لـ"العربي الجديد"، إن اجتماع الحركة المدنية الديمقراطية، الذي عُقد أول من أمس الأحد بمقر حزب المحافظين، شهد خلافات حادة حول "التعاطي مع الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونقاشات حول الاستقالة المفاجئة التي تقدم بها أحمد الطنطاوي، من رئاسة حزب الكرامة، أحد أعضاء الحركة".
خلافات داخل "معسكر 30 يونيو"
وقبيل الاجتماع الثاني لمجلس أمناء الحوار الوطني المقرر اليوم الثلاثاء، عاد مجدداً الحديث بشأن "جدية الحوار، ومدى السعي نحو تنفيذ إجراءات تصحيحية حقيقية بشأن الحياة السياسية، والمشكلات التي يتأثر بها المواطن المصري جراء ما يوصف بأنه سوء إدارة من جانب القيادة السياسية".
وجاء ذلك في وقت تشهد أروقة "معسكر 30 يونيو"، نقاشات بشأن جدوى الاستمرار في الحوار أمام إصرار من جانب ممثلي جهاز المخابرات العامة المشرفين عليه، على جعلهم "مجرد ديكور" على حد وصف مصادر سياسية وحزبية تحدثت لـ"العربي الجديد".
وقالت مصادر من داخل حزب "الكرامة"، إن الاستقالة المفاجئة التي تقدم بها أحمد الطنطاوي من رئاسة الحزب، جاءت بسبب ضغوط مورست عليه من قبل "مجلس أمناء الحزب"، الذي يضم الرئيس السابق للحزب محمد سامي، ووزير الصحة السابق عمرو حلمي، والقيادي الناصري، حامد جبر، الممولين الرئيسيين للحزب.
يعقد مجلس أمناء الحوار اجتماعاً ثانياً اليوم الثلاثاء
وأوضحت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، أن "الجيل القديم داخل الحزب الذي يشكّل مجلس الأمناء- والرئيس الشرفي محمد سامي- يتبنى سياسة التهدئة والمهادنة مع السلطة والقبول بأي وضع يفرضه النظام في ما يتعلق بالحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس (عبد الفتاح) السيسي، ورحب به الحزب ضمن مجموعة الأحزاب والشخصيات ضمن الحركة المدنية الديمقراطية. في المقابل، يستخدم النائب السابق أحمد الطنطاوي نبرة معارضة قوية للنظام، وهو ما نشأ عنه خلاف داخل أروقة الحزب".
وقالت المصادر إن الرئيس السابق للحزب، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي "كان حريصاً على التوفيق بين الطرفين، وإنه يحاول منذ فترة خلق حالة انسجام داخل الحزب لكنه فشل في ذلك، وهو ما دفع الطنطاوي للاستقالة التي كان يفكر فيها منذ فترة".
ولفتت إلى أن "رئيس الحزب المستقيل كان يحاول فرض أسلوبه في المعارضة، ويرى أن الهجوم على أعلى سلطة في البلاد الممثلة في رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، والتصعيد في المعارضة، هما الوسيلة الوحيدة للحصول على مكاسب. أما الفريق الآخر فكان يرى أن التهدئة هي الطريق الصحيح، ولذلك كان يتم الضغط عليه، وأنه في الفترة الأخيرة لم يعد يتحمّل هذه الضغوط، وفضّل أن يتحرر من القيود المفروضة عليه من داخل الحزب ويعمل بشكل مستقل".
مع العلم أن الطنطاوي سبق أن شدّد في تصريحات صحافية متكررة، على أن الحوار الذي يرعاه رئيس الجمهورية هو "حوار شكلي"، الهدف منه تحسين صورة السلطة، المسؤولة عن الفشل الاقتصادي "مكتمل الأركان" الذي تعيشه البلاد حالياً.
وحذّر من استغلال الحوار كغطاء لبيع أصول الدولة لسداد الديون، والتي تلتهم وحدها ما يزيد عن نصف موارد الموازنة العامة سنوياً.
من جهته، قال مصدر من داخل حزب "الكرامة" لـ"العربي الجديد"، إن الطنطاوي "رغب في التحرر من القيود والإملاءات الحزبية للتعبير بحرية عن رأيه في السلطة، خصوصاً بعد نشره مقالاً مثيراً للجدل في موقع (المنصة) المستقل، عن محاولاته التشريعية العديدة التي لم يُكتب لها النجاح، في تمرير مشروع قانون ينظم إجراءات التحقيق وتوجيه الاتهام ومحاكمة كبار المسؤولين في الدولة، وبينهم رئيس الجمهورية، عند انتهاك الدستور أو مخالفة أحكام القانون".
بدوره، رفض المكتب السياسي لحزب "الكرامة" استقالة الطنطاوي، ودعا لاجتماع طارئ للهيئة العليا للحزب. وذكر المكتب في بيان أنه "في ظل ما تواتر أخيراً من أخبار وتأويلات، فإنه من الضروري التأكيد على أن أحمد الطنطاوي، فضلاً عن قيمته الوطنية، فهو قيمة يعتز بها الحزب، وعمود مؤسس فيه، وأن ما بين الحزب ورئيسه لا مجال فيه لوقيعة ولا إمكانية معه لإفساد علاقة، كانت وستظل نموذجاً في الاحترام والتقدير والحرص المتبادل على مكانة الحزب ووحدته وفاعليته، وعليه فإن المكتب السياسي يرفض الاستقالة ويدعو لاجتماع طارئ للهيئة العليا للحزب".
غضب من عدم جدية الحوار
وفي سياق موازٍ، أفاد مصدر حزبي بأن "هناك حالة غضب بين صفوف المعارضة بسبب عدم جدية الحوار من جانب السلطة"، مضيفاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "في الوقت الحالي أصبح هناك توجّه بين مكونات معارضة 30 يونيو للانسحاب من الحوار، في ظل استمرار النهج الرسمي بتجاهل المطالب التي تضمن جديته وتقود إلى نتائج تنعكس بشكل إيجابي على الحياة السياسية".
وأوضح المصدر أن "هناك مقترحات بشأن الحوار الوطني خلال الفترة المقبلة، وهي: إما تعليق المشاركة لحين الجلوس مجدداً مع ممثلي السلطة والتوافق بشأن الشروط والضمانات، بعدما بات واضحاً أنه تم استدراج بعض المعارضين الجادين للمشهد، ثم التراجع عن كل الوعود الخاصة بالانفراجة، أو إعلان الانسحاب إذا تم التأكد بشكل نهائي أنه لا نية لدى النظام لحوار حقيقي وجاد".
وأضاف المصدر أن "الأيام الأخيرة كشفت عن أدوار غير مفهومة لعدد من الشخصيات السياسية لإحباط موجة الغضب في صفوف المعارضة، ومنع اتخاذ إجراءات تتسبب في إحراج النظام. وبدا واضحاً أن هؤلاء، ولسبب غير معلوم، يعملون لمصلحة السلطة وليس الشعب الذي وثق بهم منذ البداية ومنح ثقة أولية لتلك التحركات".
وتابع المصدر: "فوجئنا باجتماعات غير معلنة وغير متفق عليها بين ثلاث شخصيات (رفض ذكر أسمائها) من المعارضة، ومسؤولين في جهاز المخابرات العامة مكلفين بإدارة وترتيب الحوار ومراجعة مطالب القوى السياسية، من دون التبليغ بما دار في تلك الاجتماعات أو أي من تفاصيلها".
استقالة الطنطاوي المفاجئة جاءت بسبب ضغوط مورست عليه من قبل "مجلس أمناء الحزب"
وحول هذه التطورات، كشف أكاديمي مصري، سبق أن رفض ممثلو جهاز المخابرات العامة المشرفون على الترتيب للحوار الوطني ترشيحه لعضوية مجلس أمناء الحوار الوطني أخيراً، أن "أفضل توصيف للحالة الحالية، منذ الدعوة الرئاسية للحوار الوطني خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في شهر رمضان الماضي (إبريل/نيسان الماضي)، هو أنه حوار التقاط الأنفاس من جانب الجميع".
وأشار في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "تلك الرؤية هي السبب الحقيقي وراء موقف بعض ممثلي المعارضة المصرية، الذين يتعرضون لاتهامات من باقي معسكر الحركة المدنية بأنهم موالون للسلطة".
وأضاف الأكاديمي: "الجميع منهك ويرغب في هدنة أو مرحلة لالتقاط الأنفاس، والسلطة مأزومة وتعاني بشدة، نتيجة الأزمة الاقتصادية وفشلها في تدبير مصادر التمويل سواء لتلبية الاحتياجات الشهرية من غذاء وطاقة أو في إيجاد ظهير دولي داعم لها في أزماتها الإقليمية وعلى رأسها سد النهضة، بخلاف المخاوف من انفجار شعبي نتيجة الأوضاع المتردية والزيادات المتواصلة على مستوى الخدمات والسلع".
وأشار إلى أنه "على الجهة الأخرى، فإن المعارضة التي شاركت في 30 يونيو ومنحت السلطة العسكرية الحالية الغطاء السياسي والشعبي، منهكة ومهزومة بعد 9 سنوات من الملاحقة والتضييق عليها في أعقاب اتخاذ السلطة الحالية قراراً بالتخلص منها، ظناً منها أن دورها قد انتهى".
وأضاف الأكاديمي أن "هناك من يرى في معسكر الحركة المدنية أن كل مهمتهم منحصرة في إطلاق سراح أعضاء الأحزاب المنتمين لها من سجون السلطة، وأن الفرصة الحالية هي الأنسب لتلك الخطوة قبل أن تلتقط السلطة أنفاسها للعودة مجدداً لنهجها في التضييق وملاحقة أصحاب الآراء المخالفة".