ينتظر أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي موقف البعثة الأممية من بيان ثلاثين عضوا بشأن رفضهم لمقترحاتها حول آليات اختيار شاغلي السلطة التنفيذية الجديدة. وفي وقت هددوا فيه بالانسحاب، حذر مراقبون من إمكانية انهيار الحوار السياسي.
وكشفت مصادر مقربة من أعضاء ملتقى الحوار أن البعثة الأممية ستعلن، مساء اليوم الثلاثاء، عن نتائج لقاء مناقشة مقترحاتها، التي طرحتها على الجلسة الماضية، التي بدأت أول من أمس وانتهت مساء الأمس، بشأن خفض نسب التصويت داخل الملتقى من 75% من مجمل الأعضاء إلى نسب جديدة لتمرير أي آلية من آليات اختيار شاغلي السلطة التنفيذية الجديدة.
وأكدت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، مفضلة عدم نشر هويتها، أن البعثة ستعلن عن النتائج رغم تهديد 30 عضوا بالانسحاب من أعمال الملتقى، لكنها ستحاول تمرير النتائج بالإشارة إلى أنها قابلة للتعديل. وقال أحد المصادر إن "البعثة تعيش أزمة حقيقية تكافح فيها من أجل عدم انهيار مسار الحوار بسبب كثرة انسحاب الأعضاء الرافضين لطريقة إدارتها جلسات الحوار".
وسبق أن طرحت البعثة مقترحين أمام الأعضاء بشأن خفض نسبة التصويت، الأول يقضي بتصويت ثلثي الأعضاء بالإضافة إلى 50%+1 من كل إقليم، والثاني يقضي بتصويت 60% من الأعضاء بالإضافة إلى 50%+1 من كل إقليم، ما اعتبره أعضاء الملتقى إعطاء الحق للأقاليم أولا في ترشيح أو منع أي اسم ليكون قرار أعضاء الملتقى مكملا.
البعثة تعيش أزمة حقيقية تكافح فيها من أجل عدم انهيار مسار الحوار بسبب كثرة انسحاب الأعضاء الرافضين لطريقة إدارتها
ولوّح ثلاثون عضوا من أعضاء الحوار بالانسحاب، بعد أن احتجوا على ما وصفوه بـ"إعاقة البعثة الأممية من استكمال اختيار آلية ترشيح السلطة التنفيذية". ورفض الأعضاء الثلاثون، في بيان مشترك متداول عبر وسائل إعلام ليبية، ما وصفوه بـ"محاولات الالتفاف أو تجاهل تصويت الأغلبية في ملتقى الحوار، بعد أن قطع الحوار السياسي شوطا كبيرا ووصل إلى مرحلة متقدمة". وذكر البيان أن البعثة "تضع شروطًا معرقلة بحجة التوافق في تجاهل للمخاطر الحقيقية جراء الاتجاه لهذا الأسلوب الذي بدأ يولد صراعات سياسية واجتماعية أعمق تغذيها تدخلات أجنبية مباشرة وغير مباشرة".
واختلفت تقديرات آراء مراقبين بشأن مستجدات الحوار، ويلوم المحلل السياسي الليبي مروان ذويب أعضاء الملتقى بسبب "عدم المسؤولية"، معتبرا أن بديل الحوار هو "حرب ضروس لا تبقي ولا تذر، وخصوصا أن الاتفاق العسكري لم يتمكن حتى الآن من إبعاد الطرفين عن مناطق التماس"، محملا أعضاء الملتقى مسؤولية انهيار مسارات الحوار كلها في البلاد.
ويعتبر ذويب، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "أقصى ما يطمح إليه أعضاء الملتقى هو بقاؤهم في هذا الجسم الجديد الذي صنعته البعثة الأممية كسلطة جديدة، لكنهم يسعون في الوقت ذاته لتمرير أسماء حلفائه في الخارج"، متسائلا: "لماذا نعتبر صوتهم أغلبية، فهناك 45 عضوا آخرون في الملتقى لم ينضموا للبيان؛ ما يعني أن مقترحات البعثة الجديدة ممكنة وفيها ما يخدم مصلحة نتائج الملتقى".
لكن في المقابل، يرحب الصحافي الليبي سالم الورفلي ببيان الأعضاء الثلاثين الذي يرى أنه "قطع الطريق أمام سيطرة البعثة على قرار ومصير البلاد"، معتبرا أن البعثة "جسم أممي يمرر مصالح وأهداف دول بعينها لا تسعى إلا إلى تمكين شخصيات ليبية في المشهد لصالحها".
ورغم الاهتمام الكبير بالأنباء القادمة من كواليس أعمال الملتقى في مستجدات المشهد هذه الأيام، إلا أن موقع البعثة لم يعلن عن أي شيء منها، مفضلا الحديث بعيدا عن المشهد السياسي بمقاربة أخرى للحل، ظهرت فجأة، وتتعلق بالسعي لـ"إدخال إصلاحات هامة وملحة في الاقتصاد الليبي"، بحسب بيان للبعثة ليل أمس الاثنين.
وقالت البعثة، إن رئيستها بالإنابة، ستيفاني ويليامز، ترأست، أمس الاثنين، اجتماعا لمجموعة العمل الاقتصادي بعضوية رؤساء مؤسسات ليبية اقتصادية وبمشاركة مصر والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لـ"مناقشة إصلاح العملة والأزمة المصرفية وتوحيد الميزانية الوطنية، بالإضافة إلى تحديد جدول زمني لتنفيذ هذه الإصلاحات". ورغم أهمية الخطوة إلا أن تزامنها مع تعثر جهود البعثة في المسار السياسي، يراه ذويب سعيا من جانب البعثة إلى محاولة اجتثاث عروق الخلافات في الردهات الخلفية للحوار السياسي.
ويشير ذويب إلى أن كل البنود التي أوردها بيان البعثة لا يقوم إلا على أساس توحد فرعي البنك المركزي وتصحيح علاقته بمؤسسة النفط، ولذا فالاجتماع جاء بعد اندلاع خلافات كبيرة كان أقطابها محافظ البنك المركزي ورئيس مؤسسة النفط، وغير بعيد عن ذلك رئيس المجلس الرئاسي، فائز السراج، حول "إيرادات النفط"، موضحا أن "قرار تجميد هذه الإيرادات غامض، فهو أيضا مرتبط باتفاق وقع في السابق بين خليفة حفتر وأحمد معيتيق"، نائب رئيس المجلس الرئاسي.
ممثل حفتر المستقيل بالمجلس الرئاسي، علي القطراني، أعلن عن قرب اجتماع أغلب قبائل برقة في بنغازي للإعلان عن تأييدها لحفتر
وفيما لا يشك ذويب في أن ويليامز تسعى من خلال اجتماع جنيف الاقتصادي إلى تفكيك شبكة حلفاء المصالح الليبيين الراغبين في البقاء في المشهد المقبل وهو مشهد يناط بملتقى الحوار السياسي إنتاجه، يؤكد أن "مشهد التصعيد العسكري لم يكن يهدف للمواجهة العسكرية بقدر ما كان يهدف للضغط".
ووفق رؤية ذويب، فإن حفتر يسعى للحصول على مراده بقوة السلاح، مشيرًا إلى أنه "عاد لواجهة المشهد في الشرق الليبي".
ورغم سعي رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح للبقاء في منصبه، عبر تجديد الدعوة لأعضاء مجلس النواب بالاجتماع في بنغازي وإحالته للائحة الداخلية للمجلس للتعديل، تزامنا مع بيان عدد من القبائل أعلنت عن دعمها له، خلال اجتماعها السبت الماضي في منطقة الأبيار ببنغازي، إلا أن ممثل حفتر المستقيل بالمجلس الرئاسي، علي القطراني، أعلن عن قرب اجتماع أغلب قبائل برقة في بنغازي للإعلان عن تأييدها لحفتر.
وظهر القطراني مجددا، رغم استقالته، في تصريح لتلفزيون مقرب من حفتر، ليل البارحة الاثنين، ليعلن عن تأييده لـ"الجيش الوطني"، في إشارة لحفتر، مؤكدا أن بيان القبائل في الأبيار "لا يمثل إلا وجهة نظر أصحابه"، وأن قبائل برقة ستجتمع "قريبا" لتأييد حفتر، و"بمعنى آخر رفض حفتر لعقيلة صالح وسعيه للعودة للمشهد مجددا خصوصا بعد حراكه العسكري الأخير"، بحسب ذويب.
غير أن الورفلي يرى أن كل تلك المساعي، سواء من جانب البعثة أو من جانب المصرين على البقاء في مشهد الحكم، "يمكن وقفها من جانب أعضاء الملتقى الذين بدؤوا خطوات حقيقية من خلال بيان الثلاثين لتصحيح مسار الحوار".
وإن يقر الورفلي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، "بارتهان الأمم المتحدة لمصالح دول كبرى"، إلا أنه يرجح استمرار قدرة أعضاء الحوار على "انتزاع قرار وطني يفرض واقعا أمام خيارات المتدخلين في شأن بلادهم". وتابع: "أعتقد أن البعثة هي المسؤولة عن انهيار الحوارات الليبية إذا حدثت؛ فهي لن تتوقف عن المضي قدما لفرض أمر واقع على الليبيين وكل الحلول التي تسعى لها مؤقتة وتتعلق بأهداف وخطط تخدم مصالح أطراف دفعت بها ورهنت حل البلاد بيدها". وبحسب رأيه، فإن كل الخيارات والمقترحات التي طرحتها البعثة ترسخ مبدأ المحاصصة وفق مبدأ الأقاليم الليبية الثلاثة، "وهي تعلم جيدا أن من يتصارعون في الحلبة هم من لا يرغب في وجودهم أي أحد في هذه الإقاليم، ولا يتوفرون على خبرات للقيادة سوى تنفيذ مصالح حلفائهم".