الحزب الاشتراكي الفرنسي: أحلام الرئاسة وكابوس الانقسام

29 ديسمبر 2020
هولاند وهيدالغو من أبرز الأسماء المحتملة لخوض السباق (Getty)
+ الخط -

رغم أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2022 لا تزال بعيدة نظرياً، إلا أن طموحات الأحزاب السياسية عملياً لكسر احتكار المنافسة بين الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون وزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، بدأت تظهر للعلن على بعد سنة ونصف تقريباً من انتخابات يتوقع أن تكون الأكثر إثارة وصعوبة في تاريخ فرنسا مع ضعف تأثير الحزبين التقليديين، "الاشتراكي" و"الجمهوري".
ففي الأيام الأخيرة، أصبحت الرغبة داخل معسكر اليسار لخوض هذه الانتخابات مسموعة أكثر فأكثر داخل "الحزب الاشتراكي"، المنقسم منذ خسارته انتخابات 2017 في الدور الأول أمام ماكرون - لوبان؛ لكن هذه المرة تُطرح أسماء كثيرة لخوض المنافسة، بينها الرئيس السابق فرانسوا هولاند والوزيرة السابقة في عهده نجاة فالو بلقاسم.
شيوخ حقبة هولاند إلى الواجهة مجدداً
ووفق ما قالت صحيفة "لوموند"، فإن عدداً من الاشتراكيين شرع باحتلال المساحة التي خلفها تسويف دعاة حماية البيئة في مناقشات مع "الحزب الاشتراكي" بشأن ترشيح مشترك محتمل، وكان الحديث يدور حول ترشيح عمدة مدينة باريس آن هيدالغو، التي تجمعها علاقة متينة مع حزب الخضر، خصوصاً في أعقاب التحالف الذي أبرمته معهم خلال الانتخابات البلدية الأخيرة.

بيد أن أولى شخصيات اليسار، التي أعلنت استعدادها لخوض المنافسة في وجه ماكرون ولوبان، كانت الوزيرة السابقة سيغولين رويال. ونقلت عنها صحيفة "لوموند" قولها إنها تشعر دائماً "بالاستعداد"، وفقاً لالتزاماتها، وخبرتها كوزيرة سابقة، ومنافسة سابقة لنيكولا ساركوزي في عام 2007. 
وتشرح قائلة "أريد أن نتقدم بعرض سياسي مفيد لفرنسا في مواجهة مبارزة ماكرون ولوبان"، ففي نظرها رئيس الجمهورية الحالي "يفتقر إلى الإنسانية، ويدير الأزمة الصحية كمحاسب، ولم يطلق أياً من المشاريع الكبرى اللازمة للتحول البيئي للاقتصاد".
شخصية يسارية تتمتع باحترام كبير هي وزيرة العدل السابقة كريستيان توبيرا، التي وإن لم تقل شيئاً علنياً حول احتمال ترشحها للانتخابات، إلا أن مقربين منها يعملون بجد لإقناعها بترشيح نفسها، وفق ما تنقل وسائل إعلام فرنسية من تسريبات.
كما أن مبادرات عديدة أطلقت في الآونة الأخيرة دعتها إلى وضع حد لاحتكار ماكرون ولوبان المشهد السياسي، آخرها كانت مبادرة من الكاتبة كلوي كورمان والمنتج مكسيم روسنيوسكي، إلى جانب 80 شخصية، طالبوها في عريضة، نشرت الشهر الماضي على موقع "ميديا بارت"، باتخاذ خطوة "تنقذ المشهد السياسي"، مقتنعين، كما يقولون بأنها شخصية "قادرة على الجمع بين التيارات التقدمية والبيئية".
وأمام الصمت الذي تفضله توبيرا، نقلت "لوموند" عن كريستيان بول، النائب السابق المقرب منها، قوله إنها "ليست الآن في مزاج للمشاركة كمرشحة رئاسية. أنا آسف لذلك، لأنه كانت لديها إمكانات حشد لم تكن لدى أي شخص آخر، لكنها اختارت طرقاً أخرى للقتال (..) يجب أن نتوقف عن العيش في وهم العودة".
وكان من المفاجئ تداول اسم الرئيس السابق فرانسوا هولاند كمرشح محتمل لانتخابات 2022، لكن مقربين منه يقولون إن الرئيس السابق "لم يستوعب حتى الآن موقف ماكرون وهو يريد الانتقام منه، لكن هذا لم يعد ممكناً" بحسب ما نقلت "لوموند" عن مصدر مقرب من هولاند.

وأضاف المصدر أن السكرتير الأول لـ"الحزب الاشتراكي" أولفييه فور يبذل قصارى جهده من أجل تجنب هذا السيناريو، بل إنه يرى أن الحل الوحيد الذي سيجعل المنافسة ممكنة هو ترشيح موحد.
على الخط ذاته، يظهر اسم الأمين العام السابق لـ"الحزب الاشتراكي" جان كريستوف كامباديليس، الذي ألمح أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني إلى أنه سينظر في مسألة طرح اسمه كمرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. وانتقد في مقابلة مع صحيفة "جورنال دو ديمانش" ما وصفه بـ"اليسار المنقسم".
الوافد الجديد إلى اللعبة هو الوزيرة السابقة في عهد هولاند نجاة فالو بلقاسم، التي شددت أخيراً، في تصريحات صحافية، على أن "كل شيء ممكن" في ما يخص ترشحها، "شريطة أن تتوقف الانقسامات على اليسار... أنا مستعدة لتحمل (مسؤولياتي) بأي طريقة ممكنة لتحقيق هذا الفوز".
ومع ذلك، يبدو أن كل "هؤلاء الشيوخ" في حقبة هولند بالكاد مقتنعين بأن وقتهم قد ولى، ويبدو أنهم يتجاهلون استطلاعات رأي كثيرة، يقول ناخبو اليسار فيها إنهم لا يرون عودة هؤلاء إلى المشهد السياسي لقيادة فرنسا مجدداً خياراً جيداً للجمهورية.
هيدالغو الناجي الوحيد من معسكر اليسار؟
بول، الذي أنهى الجدل حول احتمال ترشح وزيرة العدل السابقة، يؤكد انعدام حظوظ شخصيات أخرى في اليسار لخوض هذه الانتخابات. وبالاستناد إلى إحصائيات وآراء المعهد الفرنسي للرأي العام، الذي أسسه كريستيان بول، يعتبر أن "هولاند، رويال، وكامباديليس لم يفهموا أن الحزب الاشتراكي لم يعد قادراً على لعب دور حشد اليسار"، لكنه يؤكد في المقابل أن "هناك مرشحا جادا واحدا فقط هو هيدالغو".

تظهر عمدة باريس الاشتراكية بالفعل المزيد من الدلائل على أنها تفكر بجدية في الأمر، خصوصاً على مدار المقابلات التي أجرتها مع عدد من الصحف أخيراً. "آن مندهشة من التشجيع على الترشح. إنها تدمج هذه البيانات وتعرض نفسها في خطوات صغيرة (..)، آن لا تجسد تسمية سياسية ولكنها قيم يحبها اليسار: البيئة، والنسوية، والمساواة. إذا اتخذت قرارها، فإنها تعلم أن كثيرين سيتبعونها"، يقول عمدة مدينة ألفورفيل لوك كارفونا في "لوموند".
ورغم تكتم هيدالغو على قرارها، إلا أن صورتها على أي حال إيجابية في معسكر ناخبي اليسار؛ ففي استطلاع أجراه المعهد الفرنسي للرأي العام، اعتبر 51 في المئة أن عمدة باريس الحالية ستكون "مرشحاً جيداً لتمثيل اليسار"، رغم أنها حلّت في المركز الثاني بعد توبيرا.

دلالات
المساهمون