تزيد التفاصيل الإضافية التي تتكشف تباعاً عن "الحرس الوطني" الذي أقرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تشكيله تحت سلطة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، مقابل موافقة الأخير على تعليق "الإصلاحات القضائية"، المخاوف من أن يتحول إلى مليشيا مسلحة أو عصابة خاصة ببن غفير، الذي يعتزم وفق التسريبات التركيز على مواجهة ما يعتبره الإرهاب والجرائم من منطلقات قومية، ولا سيما في أراضي الداخل الفلسطيني المحتل.
وفي وقت تتزايد فيه المخاوف داخل إسرائيل من هذا الحرس، وتشبيهه حتى بإنشاء الحرس الثوري الإيراني، فإن نتنياهو يواصل دعمه لبن غفير، وآخر صوره تبرير تعيينه وزيراً للأمن القومي، وذلك على الرغم من الأزمات الكبيرة التي خلقها الوزير المتطرف منذ وصوله للوزارة.
تركيز على المجتمع العربي
وفي جديد تفاصيل "الحرس الوطني" المقرر تشكيله وفق صفقة نتنياهو وبن غفير، ذكر موقع "يسرائيل هيوم"، مساء الأربعاء، أن وزير الأمن القومي اقترح تشكيل هذا الحرس من عناصر القوات النظامية في سلاح حرس الحدود، وأن يتخصص في مواجهة "الإرهاب والجرائم الجنائية التي تتم من منطلقات قومية".
وبحسب الموقع، فإن المقترح الذي سيقدّمه بن غفير إلى الحكومة خلال جلستها الأسبوعية، الأحد المقبل، ينص على أن "الحرس الوطني" سيكون تابعاً لوزارة الأمن القومي التي يقودها. وسيكون "الحرس الوطني" مكلفاً بمواجهة التحديات الأمنية التي تتفجر "خلال ظروف الطوارئ المختلفة، وتحديداً لمواجهة الجرائم التي تنفذ على خلفية قومية وللتصدي للإرهاب ومن أجل تعزيز قدرة الحكومة على ممارسة الحكم في المناطق التي يتطلب الواقع فيها ذلك".
ولفت الموقع إلى أن المقترح ينص على تكليف وزير الأمن القومي بتشكيل لجنة برئاسة وكيل الوزارة وبمشاركة ممثلين عن ديوان رئيس الحكومة ووزارتي الأمن والقضاء، والشرطة، وجيش الاحتلال، على أن تقدّم هذه اللجنة توصياتها لوزير الأمن القومي في غضون 60 يوماً حول مهام "الحرس الوطني" وأهدافه وصلاحياته وهوية عناصره وغيرها.
وأشار الموقع إلى أنه حسب المقترح فإن هذا الحرس سيتشكل "من قوات نظامية وألوية تكتيكية... بحيث تنتشر على مستوى قُطري، وستعمل في الفترات العادية في مجال مكافحة الإرهاب وتحسين قدرة الحكومة على الحكم وفرض النظام العام من خلال استخدام وسائل تكنولوجية واستخباراتية".
وينص المقترح على إمكانية أن يستعين "الحرس الوطني" بقوات الاحتياط ومتطوعين في أوقات الطوارئ. ويقترح بن غفير دراسة نقل سرايا من حرس الحدود إلى "الحرس القومي"، وكتب في اقتراحه أن "الحرس سيشكل قوة متخصصة ومؤهلة ومدربة، للتعامل مع سيناريوهات طوارئ مختلفة، الجريمة القومية، مكافحة الإرهاب، وكذلك تعزيز القدرة على الحكم في الأماكن التي تتطلب ذلك، في إطار المهمات الموجودة اليوم بأيدي الشرطة الإسرائيلية في هذه المجالات".
ونقل "يسرائيل هيوم" عن بن غفير قوله: "تشكيل الحرس الوطني يمثل حاجة حيوية أساسية لدولة إسرائيل، وبدونه لن نتمكن من الحفاظ على أمن مواطنينا ولتحسين قدرتها على محاربة الإرهاب".
وفي السياق نفسه، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أمس الخميس، أن هذا الحرس سيركز على "الجرائم الصادرة من المجتمع العربي الإسرائيلي، وفي مناطق فيها منظمات إجرامية، وفي المدن المختلطة". وبحسب الصحيفة، أشار بن غفير إلى أمثلة على المواقف التي سيتعامل معها الحرس، مثل ما حدث خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو/ أيار 2021، عندما قام فلسطينيون في الداخل بانتفاضة في مدن مختلطة داخل أراضي 48.
"يديعوت أحرونوت": "الحرس الوطني" سيركز على "الجرائم الصادرة من المجتمع العربي الإسرائيلي
وقالت مصادر مقربة من بن غفير لـ"يديعوت" إنه يخطط لاقتراح قوة تتألف من حوالي ألفي عنصر، ومجهزة بأسلحة، ويطلق عليها اسم "الشرطة القتالية" وبميزانية تبلغ حوالي 280 مليون دولار. وزعم بن غفير، وفق الصحيفة، أن "الحكومة السابقة حاولت تأسيس هذه القوة لكنها لم تنجح، إذ أقرت ميزانية أولية قدرها 392 مليون دولار لنحو 1800 موظف"، في إشارة إلى خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينت إنشاء قوة مؤلفة من جنود في الخدمة الفعلية وضباط احتياط ومتطوعين دربتهم شرطة الحدود.
يشار إلى أن بن غفير أوضح خلال حملته الانتخابية الأخيرة أنه يتوجب تكثيف وجود عناصر الشرطة وقوات الأمن في مناطق فلسطينيي الداخل، وتحديداً في منطقتي النقب والجليل. وتسود مخاوف لدى الفلسطينيين من أن يوظف بن غفير "الحرس الوطني" في محاولة لتنفيذ استفزازات واعتداءات ضدهم بهدف طردهم من مناطقهم. وينص البرنامج السياسي المعلن لحركة "القوة اليهودية" التي يقودها بن غفير صراحة على وجوب تشجيع فلسطينيي الداخل والفلسطينيين في الضفة على الهجرة إلى الدول العربية.
تحذيرات من تشكيل "مليشيا مسلحة"
ويُقابَل تكليف بن غفير بتشكيل "الحرس الوطني" بمعارضة كبيرة في إسرائيل، إذ تصاعدت التحذيرات من خطورة أن يتم توظيفه كـ"مليشيا مسلحة" تابعة للوزير. فقد انتقد مفوض الشرطة كوبي شبتاي قرار نتنياهو. ونقلت "يديعوت" عن مصادر مقربة من شبتاي قولها "هذا الحرس لا يمكن أن يكون قوة حرس تابعة لبن غفير أو مليشيا خاصة... يجب أن تعمل قوة الحرس الوطني تحت سلطة الشرطة".
طالب شبتاي بأن تعمل قوة الحرس الوطني تحت سلطة الشرطة
كما حذر مفتش عام شرطة الاحتلال السابق موشي كرادي قبل أيام من أن بن غفير سيحوّل "الحرس الوطني" إلى مليشيا خاصة به، وهو ما سيفضي إلى المس بأمن إسرائيل، واضاف أن "إنشاء الحرس الوطني تحت مسؤولية شخصية سياسية لا يقل عن إنشاء الحرس الثوري (الإيراني) ومجموعات الاعتداء".
سبق ذلك قول رئيس الوزراء السابق يئير لبيد عبر "تويتر"، الثلاثاء الماضي: "مهرج تيكتوك (يقصد بن غفير) يريد تحويل مليشيا السفاحين التابعة له إلى حرس وطني يجلب الإرهاب والعنف في كل مكان بالبلاد".
كما حذر المساعد السابق لوزير الخارجية إيدان رول، في تغريدة، من أن نشطاء منظمة "لا فاميليا" العنصرية اليمينية "سيصبحون الحرس الوطني بسلاح وصلاحيات".
وقال النائب عن حزب "العمل" المعارض جلعاد كاريف في تغريدة: "يشكل إنشاء الحرس الوطني تحت السلطة المباشرة للوزير بن غفير تهديداً خطيراً للديمقراطية لا يقل عن التشريعات القضائية"، وأضاف: "يجب أن يكون الحرس الوطني تحت قيادة الشرطة".
وشرعت منظمات مدنية في إسرائيل في خطوات احتجاجية رفضاً لقرار تشكيل "الحرس الوطني". فقد دعت حركة "نقف معاً" إلى تنظيم تظاهرات احتجاجاً على قرار تشكيل "الحرس". وفي بيان صادر عنها، وصفت الحركة "الحرس الوطني" بأنه سيمثل "جيشاً خاصاً ببن غفير".
من جهتها، قالت حركة "حماس"، أول من أمس الأربعاء، إن قوات "الحرس الوطني" المزمع تشكيلها هي "مليشيا" تهدف إلى "المزيد من القمع" بحق فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948.
وقال المتحدث باسم الحركة جهاد طه، في بيان، إن "القرار بمثابة تشكيل مليشيا عنصرية متطرفة هدفها المزيد من القمع بحق أهلنا في أراضي 48"، وتابع أنه "ينسجم مع قرارات عنصرية سابقة تدعو لاستهداف المقدسات وشرعنة المستوطنات واستباحة المسجد الأقصى". لكن طه شدد على أن "هذه الإجراءات العنصرية المتطرفة لن تفلح في كسر إرادة شعبنا الفلسطيني ولن تكسر عزيمته".
نتنياهو يدافع عن بن غفير
لكن مقابل الغضب المتصاعد ضد بن غفير، يواصل نتنياهو الدفاع عنه، وكتب للمستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا، رداً على التماس للمحكمة العليا ضد تعيين بن غفير وزيراً، أنه تعزز الاعتقاد لديه أن التعيين "جدير ومعقول". وقدّم الالتماس ضد تعيين بن غفير الناشط السياسي أورني بتروشكا.
وقال نتنياهو في رسالة إلى ميارا، في نهاية الأسبوع الماضي، إنه "بعد ثلاثة أشهر من تعيين عضو الكنيست بن غفير وزيراً للأمن القومي، أعتقد بشكل أكبر أن هذا التعيين جدير ومعقول"، وفق موقع "عرب 48".
قال نتنياهو في رد للمستشارة القضائية إن تعيين بن غفير وزيراً جدير ومعقول
وكتب نتنياهو في رسالته للمستشارة القضائية أنه "قررت تعيين بن غفير وزيراً للأمن القومي بعدما درست اعتبارات متنوعة واسعة، وبينها الثقة البالغة التي حظي بها في الانتخابات الأخيرة، وتعهده للناخب بتولي منصب وزير الأمن، وحجم كتلته الكبير في النسيج الائتلافي".
وأضاف نتنياهو "بالطبع لم أستهن بمخالفاته وتصريحاته في الماضي غير المقبولة، لكني أخذت بالحسبان أنه غيّر أساليبه والمخالفات نُفذت عندما كان مواطناً شاباً. والآن تعزز اعتقادي بأن تعيينه جدير ومعقول ولا يمكن النظر إليه كتعيين غير مقبول بصورة متطرفة".
وتابع نتنياهو أن بن غفير قدّم له قائمة المخالفات التي أدين بها وتلك التي تمت تبرئته منها، وأن بن غفير ادعى أنه "في السنوات الماضية اختار مساراً مختلفاً، يتردد من خلاله على المحاكم كمحام وليس كمتهم. وهذا مسار يرى من خلاله مجتمع المثليين كإخوة، رغم اختلافه معهم، ومسار يميز من خلاله بوضوح بين عرب بمجرد كونهم عرب وبين مخربين يريدون السوء لنا".